المعارضة السورية والشارع و«جنيف 2».. كل يسير في اتجاه

24-05-2013

المعارضة السورية والشارع و«جنيف 2».. كل يسير في اتجاه

بالرغم من عمر الأزمة السورية الذي تجاوز سنته الثانية، لم تستطع تيارات المعارضة السياسية الاقتراب بشكل جدي وواضح من حراك الشارع. ولعل انطلاق قطار الحل السياسي والتحضير لمؤتمر «جنيف 2» يكشف الكثير من التباين بين خيارات المعارضة والشارع بشقيه السلمي والمسلح، بل وبين تيارات المعارضة نفسها. وفي وقت تنشط فيه بعض المجموعات ضمن ورشات عمل واستعدادات لشد الرحال إلى المؤتمر وما يسبقه الرئيس السوري بشار الاسد خلال لقائه وفدا تونسيا في دمشق امس (ا ب) من اجتماعات تمهيدية، تبدو أخرى غير معنية بما يحدث، من دون أن يتضح موقفها بين الاستعراض والمزايدة أو الإصرار على تحقيق مطالب «الثورة». وبين الطرفين يفقد رئيس «الائتلاف» المستقيل معاذ الخطيب الشعبية الواسعة التي حظي بها في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن المبادرة التي طرحها أمس، ويدعو فيها الرئيس السوري بشار الأسد إلى التخلي عن السلطة خلال 20 يوماً، لم تساعده على استرجاع ما فقده من شعبية نتيجة سياسة الغموض التي اتبعها.

في انتظار «جنيف 2»

عقب إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف عقد مؤتمر لـ«مجموعة العمل الدولية لأجل سوريا»، سارعت «هيئة التنسيق الوطنية» للترحيب به وإبداء تفاؤلها الحذر، مؤكدة مشاركتها عبر وفد لم تتحدد تشكيلته بعد. كذلك، أطلقت الهيئة مع «تيار بناء الدولة»، الذي يقوده المعارض لؤي حسين، ورشات عمل تناقش المرحلة الانتقالية وآليات الحل السياسي. لكن ترحيب الهيئة بالتقارب الدولي ـ بين واشنطن وموسكو تحديداً ـ وبالمؤتمر المنتظر لم يدفعها إلى التوجه إلى مدريد يوم الثلاثاء الماضي، حيث اجتمع رئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب مع عدد من القوى المدنية، ليصدروا إعلاناً يقترب من رؤية الهيئة.
وبحسب ما قالت مصادر من الهيئة فإن مشاورات أولية تمت معها قام فيها «حزب التنمية الوطني» بدور الوسيط، كذلك وجهت دعوات للهيئة للمشاركة في مدريد، ولكن تبين أن الهدف هو تشكيل إطار معارض منشق عن الائتلاف، ومنافس له.
ويعلق المصدر قائلاً «إذا كان تشكيل هذا القطب السياسي ينسجم معنا في ما يتعلق بالحل السياسي فإن الأيدي ممدودة له»، مع التأكيد في الوقت ذاته على الذهاب بوفد موحد للمعارضة وبورقة عمل متجانسة إلى جنيف. الأمر الذي لم يجد صداه عند زعمات الائتلاف، الذين لم يحسموا قرارهم بعد، وإن صدرت تصريحات تشدد على رفض الذهاب مع «هيئة التنسيق» في وفد موحد، بالإضافة إلى تصريحات أخرى تتحدث عن شروط مفروضة على وفد النظام، فضلاً عن تحديد مصير الرئيس بشار الأسد قبل التوجه إلى طاولة جنيف. إلا ان الشرط الأخير لا يلقى أذاناً مصغية لدى أحد رعاة المؤتمر، وتحديداً الروس.
ويأتي ذلك أيضاً في وقت ينشغل فيه «الائتلافيون» بتوسيع التنظيم المعارض، وضم تيارات وشخصيات جديدة إليه بهدف إضعاف دور جماعة «الإخوان المسلمين». كما ينشغلون بالتحضير لانتخاب رئيس جديد خلفاً لمعاذ الخطيب، فضلاً عن سعيهم إلى حسم قرارهم في اجتماع إسطنبول، الذي بدأ أمس ويستمر ثلاثة أيام، حول المشاركة في مؤتمر جنيف. ويجري كل ذلك وسط نداءات أطلقها نشطاء في الداخل تدعو لعدم المشاركة في «جنيف 2» ما لم يكن هناك توازن على الأرض أو سيطرة أوسع للمعارضة تجعلها في موقع القوة، وهو رأي مدعوم من بعض كتائب «الجيش الحر»، وهي التي تربط التفاوض بما تحققه من مكاسب على الأرض.

«تنسيقيات الثورة» بين الانسحاب والغياب

إذا كانت مواقف القوى السياسية للمعارضة بعيدة عن خيارات الشارع الثائر، فإن القوى الميدانية والتي يفترض بها أن تمثل «الثورة» قد اتخذت موقفاً أكثر تشدداً، وذلك بالرغم من مشاركة بعضها في اجتماعات الائتلاف في إسطنبول وقبله في مؤتمر مدريد.
وقد أعلن «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية»، وهو التنظيم الثوري الوحيد المشارك مع غياب «لجان التنسيق المحلية» و«الهيئة العامة للثورة السورية»، انسحابه من اللقاء التشاوري في مدريد، ورفض التوقيع على البيان الختامي، لأنه لا يقبل بأي شكل من أشكال التفاوض مع النظام، و«التنازل عن ثوابت الثورة».
وبحسب ممثل «اتحاد التنسيقيات» في اللقاء التشاوري فإن دعم مقاتلي «الجيش السوري الحر في سوريا يعتبر من أهم الأولويات في أي ورقة تفاوض مع أي طرف لفرض شروطنا السياسية بدلاً من استجداء الحل من الخارج». هذا الموقف ينسجم مع رؤية العديد من نشطاء الثورة الذين يرون في مؤتمر جنيف تكراراً لما سبقه من اجتماعات، مهلة جديدة للنظام للاستمرار في قضائه على «الثورة».
ووفقاً للنشطاء فإن أي حل يكون النظام طرفاً فيه يعتبر لاغياً وبحكم الميت. وهؤلاء سبق لهم أن انتقدوا دعوات الحل السياسي، كما مبادرة الخطيب للتفاوض في شهر شباط الماضي.
ولكن هذا الرأي قد لا ينسحب على بقية القوى الثورية، التي لا تبدي تفاؤلاً بالحل السياسي بقدر ما تشدد على ضرورة توحيد الصفوف وإنهاء حالة الاستجداء والصراخ في المحافل الدولية لطلب السلاح من دون فائدة، مع التركيز على خطاب جامع لكل القوى المدنية والإسلامية.
أما «الجيش الحر» فيبدو منقسماً بين مجموعاته. البعض يربط مشاركته في جنيف بجدية تسليح المعارضة بمعدات ثقيلة كمضادات الدروع والدبابات ومضادات الطيران، وهو تيار يمثله رئيس الأركان سليم إدريس. وفي المقابل، تبدو مجموعات أخرى غير معنية على الإطلاق بما يحدث في أروقة السياسة، وخصوصاً الكتائب السلفية مثل «لواء الإسلام» و«كتائب أحرار الشام»، بقدر ما هي معنية بالمعارك على الأرض في جبهات الغوطة والقصير وحوران وغيرها.

مفاجأة الخطيب لم ترض الداخل

كما توقع كثيرون أطلق رئيس الائتلاف المستقيل معاذ الخطيب مبادرة جديدة، كان قد تحدث عنها منذ فترة. وتنص مبادرته، التي جاءت في 16 بنداً، على خطة للانتقال السلمي للسلطة تبدأ بتسليم الرئيس السوري بشار الأسد صلاحياته لنائبه أو لرئيس الحكومة خلال 20 يوماً، مع حل مجلس الشعب ونقل كل الصلاحيات التنفيذية للشخص المكلف قيادة البلاد في هذه الفترة. ويترافق مع ذلك إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، ثم مغادرة الرئيس للبلاد ومعه 500 شخص إلى أي بلد يرغب باستضافتهم.
ولكن اقتراح الخطيب لم يلق قبولاً في أوساط الشارع المعارض في الداخل، بل لعله بدا سبباً إضافياً لتراجع شعبيته أكثر، خصوصاً بعد إصراره على عدم توضيح أسباب استقالته، ثم هجومه الحاد على رفاقه في الائتلاف والمجالس العسكرية.
ويرى نشطاء معارضون أن المبادرة قد تكون مقبولة من الناحية النظرية، ولكنها تفتقر للتطبيق الواقعي على الأرض، خصوصاً أنها ستكون بحكم المرفوضة أولاً من النظام، وثانياً من المجتمع الدولي. ويضاف إلى ذلك، أن من شأنها التسبب في انقسام جديد في صفوف الائتلاف بشكل خاص والمعارضة بشكل عام.
والأهم، بحسب رأي البعض، هو أن الخطيب والائتلاف والمعارضة عموماً قد فقدوا رصيدهم في الشارع، وباتت الكلمة الأولى للسلاح ومقاتلي الكتائب. والكتائب المقاتلة تصر على الحل العسكري، لكنها تفتقر للذخيرة والسلاح النوعي والتنظيم في كثير من المناطق، وتواجه مشكلة الاختلاف الواضح في الأهداف المستقبلية بين دولة مدنية أو إسلامية.
وفي النهاية، سيتجه أقطاب المعارضة إلى المدينة الأوروبية بوفود مستقلة على الأغلب، وكل منهم يحمل معه أوراقه للحل السياسي سواء أكانت مكتوبة بأياد سورية أو إقليمية ودولية. وفي المقابل لن يكون لدى أبناء الشارع المعارض في الداخل الوقت لمتابعة ما سيجري، ربما لأنهم مشغولون بإحصاء ضحايا القصف والتفجيرات المتنقلة. ويبقى السؤال الأهم: هل سيحسم المؤتمر مأساة البلاد أم أنه سيكون البداية لسلسلة مؤتمرات تعيش هي وأصحابها في واد والشارع في واد آخر؟

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...