الهواتف العمومية.. ضرورة عصرية أم ترف؟

13-07-2008

الهواتف العمومية.. ضرورة عصرية أم ترف؟

مرّ عامان على انحسار خدمات الهواتف العمومية «التي عرفت باسم براق» عن زوايا مدينة دمشق، وبعيداً عن أسباب اندثار هذه الخدمات المهمة واختفاء جزء كبير منها عن أرصفة المدينة وأماكن الازدحامات العامة «مثل الجامعات ومراكز انطلاق الحافلات بين المحافظات»، فإن إعادة هذه الخدمة وتفعيل دورها المهم وتوفير خيارات متعددة من البطاقات مسبقة الدفع وإيجاد آليات لحمايتها، هي أمور تصب في خدمة المواطنين وقطاع الاتصالات في سورية بشكل عام، ولاسيما أن هذه الحصالات تشكل بخدماتها البسيطة متنفساً اتصالياً يساعد الناس على قضاء احتياجاتهم الضرورية، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود منهم الذين يجدون في الاتصالات الخليوية المرتفعة التكاليف ترفاً هم بغنى حقيقي عن اللجوء إليه.
 - حاولت المؤسسة العامة للاتصالات سد الفراغ الاستثماري في الهواتف العمومية عبر إعادة تفعيل عدد من الحصالات في المدن السورية، لكن جهودها اقتصرت على تقديم القليل من الخدمات لعدة أسباب «روتينية بمعظمها»، وقد حددت المؤسسة طريقةً واحدةً لاستخدام هذه الحصالات هي البطاقات المسبقة الدفع بهدف تفادي السرقات التي تعرضت لها الحصالات وتقليص الإزعاجات التي كان يتسبب بها البعض قدر الإمكان.
وفي هذا الصدد توجهنا إلى معاون مدير الشؤون الاستثمارية والحركة للأمور الفنية في المؤسسة العامة للاتصالات المهندس محمد البغدادي، وسألناه عن معوقات عمل القطاع العام في هذا القطاع المهم «الهواتف العمومية» فأشار إلى أن المؤسسة كانت قد أقرت بمشورة مجلس الوزراء عرض «قطاع الخدمات ذات التماس المباشر مع المواطنين للاستثمار من المتعهدين «القطاع الخاص» بعد حصولهم على التراخيص أو العقود اللازمة من المؤسسة العامة للاتصالات، وبناءً على هذا القرار وقعت عقود شركات الاتصال الخليوي والشبكات الذكية ومزودي الإنترنت وغيرها من الشركات الخدمية في قطاع الاتصالات» وسوّغ المهندس بغدادي ذلك بأن للقطاع الخاص مرونة أكبر من القطاع العام، ولاسيما في أمور تغيير التعرفات والتوزيع والتنافس، وضرب بغدادي مثالاً على ذلك بأن القانون لا يسمح للمؤسسة بتوزيع البطاقات مسبقة الدفع على البقاليات ما يعوق توزيع هذه البطاقات مشيراً إلى أن اقتصار توزيع هذه البطاقات «من فئات 200، 350، 500 ل.س» على مراكز المؤسسة في دمشق وعددها 14 مركزاً فقط وتغلق أبوابها عند الساعة الثالثة ظهراً.. الأمر الذي يعطل تخديم المواطنين».
وكان بعض المواطنين اشتكوا من ندرة بطاقات المؤسسة العامة للاتصالات من الفئات المنخفضة وسوّغ البغدادي ذلك بانتهاء الكمية التي كانت المؤسسة قد أصدرتها «250 ألف بطاقة من مختلف الفئات» ويذكر أن تكلفة البطاقة الواحدة «حسب المهندس» في أحسن العقود وصلت إلى 15.88 ل. س، الأمر الذي منع إصدار فئات أقل من 200 ل.س، في الوقت الذي تصعب إعادة تسيير استخدام العملة المعدنية في الحصالات الجديدة لأن القديمة تعرضت لأبشع أنواع الاحتيال والسرقة حيث كان اللصوص يقتلعون الحصالة كلها في بعض الأحيان.

6000 حصالة في أنحاء سورية كافة، بانتظار موافقة محافظة دمشق!
وعن مستجدات الوضع حول قطاع الهواتف العمومية أكد المهندس البغدادي أن المؤسسة وقعت في بداية 2008 عقدين مع متعهدين مختلفين بغية استثمار الهواتف العمومية «الحصالات» في كامل سورية بحيث يقدم كل متعهد منهما 3000 حصالة توزع في المحافظات وفق المخطط المبدئي التالي: «دمشق840، ريف دمشق360، حلب600، حمص300، حماة واللاذقية وإدلب150، طرطوس120، دير الزور ودرعا90، الحسكة60، الرقة45، السويداء30، القنيطرة15».
وأشار المهندس بغدادي إلى أن المؤسسة استمرت بعرض الإعلانات لاستثمار هذا القطاع لمدة أربع سنوات لكن التعاقد لم يتم إلا بعد أن رفعت المؤسسة هامش الربح للمتعهد الأمر الذي شجعه على التعاقد، وأضاف: «إن المتعهدين اللذين وقعا العقد مع المؤسسة باشرا أعمال التنفيذ منذ آذار الماضي»، مشيراً إلى أن «نظام إدارة الحصالات الذي سيتم تركيبه في دمشق، سيكون نظاماً مركزياً رقمياً تدار من خلاله شؤون جميع الحصالات في سورية، حيث ستربط الحصالات كافة بشبكة خاصة تسهل على الشركات المستثمرة القيام بأعمال المراقبة الفنية للحصالات وتوجيه كوادر الصيانة بسرعة إلى مواقع الخلل التقني» وعند سؤاله عن مدى صحة ابتداء أعمال التنفيذ في ظل غياب العمل على أرض الواقع، أضاف البغدادي: «إن التنفيذ على الأرض يحتاج إلى موافقة المحافظات وتحديداً موافقة محافظة دمشق التي تعتبر الأساس الواقعي الذي يمهد العمل للمتعهد قبل البدء بأعمال التنفيذ من حفر وتمديدات وخلافه» وأضاف بغدادي: «لغاية اليوم لم يحصل أي من المتعهدين على هذه الموافقة رغم حصول أحدهما على موافقة بعض المحافظات الأخرى ولكن ذلك لا يفيد لمباشرة أعمال التنفيذ».
ومن الجدير بالذكر أن المتعهد ملتزم أمام المؤسسة بتنفيذ العقد بنهاية آذار 2009، حيث لا تتجاوز مدة تنفيذ العقد عاماً، الأمر الذي يجعل العقدين الموقعين على المحك أمام ما قد يتعرضا له من عراقيل روتينية، خاصةً أن أحد المتعهدين أرسل كتاباً للمؤسسة يتحفظ فيه على التأخير الحاصل في محافظة دمشق يبين فيه أن موافقة المحافظة قد تأخرت بالصدور، وتلاه كتاب وجهته المؤسسة إلى المحافظة تطلب عبره تسهيل عمل المتعهدين ومنحهم الموافقات المطلوبة، وكتاب آخر وجهته المؤسسة إلى المتعهدين تطلب منهم عدم التريث ومباشرة العمل بالتوازي في كل المحافظات ريثما تمنح محافظة دمشق موافقتها لبدء العمل، لكن «حسب البغدادي» «لا يمكن البدء بالعمل ما لم توافق محافظة دمشق» لأن نظام التشغيل المركزي سيكون في دمشق.
وأكد البغدادي أن المؤسسة حرصت على المحافظة على مصلحة المواطن حين ألزمت المتعهد بتحمل كلف إنتاج البطاقات وألزمته أن يصدر بالحد الأدنى بطاقات من فئة 200 ل.س مع كامل الحرية بإصدار فئات أصغر.

- يجد بعض الناس في الهواتف العمومية شكلاً خدمياً حضارياً يصب في مصلحة كل من سكان المدينة وزائريها، ويطلبون من الجهات المختصة الإسراع في إعادة تفعيلها، خاصةً أنها كانت تسهل التواصل بين العمال المسافرين بين المحافظات «وما أكثرهم» وأهل هؤلاء العمال، إلى جانب الدور الكبير الذي كانت تلعبه هذه الهواتف العمومية في الجامعات، حيث ساعد رخص ثمن استخدامها «حين كانت موجودة» على تحقيق التواصل الذي قد يكون شديد الضرورة أحياناً بين الطلاب وأهلهم سواء أكانوا في محافظة أخرى أم في المحافظة نفسها. ومن جهة ثانية يجد أناس آخرون أن هذه الخدمات لم تعد ذات فائدة تذكر في عصر الموبايلات مشددين على أن اختفاءها عن الطرقات «أمر جيد» لأنه منع بعض «المنحرفين» الذين كانوا يستخدمونها بشكل يقلق راحة الناس في بيوتهم حين «يعاكسون» أبناءهم دون حسيب أو رقيب، على اعتبار أن مستخدم هذه الحصالات بعيدٌ كل البعد عن يد مؤسسات الرقابة في البلد. أما واقع الحال فيقول أن الخدمة التي تقدمها الهواتف العمومية تصنف بالضرورية، ولا تصح مقارنة هذه الخدمات بتلك التي تقدمها شركات الاتصال الخليوي في البلد، فهي في أضعف الإيمان أرخص من حيث التكلفة. وصحيح أن هذه الحصالات شكلت بعض الإزعاجات للناس فترة توافرها، لكنها خففت عبئاً كبيراً عن كاهل المضطرين وهم كثر، ولكن لابد من التأكيد ضرورة ابتداع طرق استخدام جديدة لها تكفل ضبط زمن التحدث عبرها بأن يكون مسقوفاً بدقيقتين أو ثلاث، إلى جانب اتباع آلية تسويقية تسهل الحصول على بطاقات استعمالها للمستفيدين، وخاصةً في ظل رفض فكرة استخدام العملة الحديدية فيها لأنها تعرض مستخدميها «كما كان سابقاً» لفقد جزء كبير من النقود التي كانت تبقى طي الماكينة الهاتفية، ناهيك عن جعل هذه الماكينة عرضةً لطمع بعض أصحاب النفوس المريضة الذين كان همهم سرقة ما فيها من «فراطة».

وسيم الدهان

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...