بعثيو العراق مازالوا يكرهون بعثيي سوريا

20-02-2007

بعثيو العراق مازالوا يكرهون بعثيي سوريا

نفى مسؤول في «حزب البعث العربي الاشتراكي - القطر العراقي» ما تردد من انباء عن فصل (150) عضواً من اعضائه بتهمة «التآمر على الحزب والعمل على شق وحدته»، واصفاً الخبر بأنه «غير صحيح» و «ليس سوى شائعة». الا ان المسؤول (الذي عرّف عن نفسه باسم «الرفيق ابو أوس»...) قال بأن عدد الذين شملهم «قرار التجميد هم اقل من ثلث العدد المذكور» و»ان قراراً بفصلهم من الحزب لم يصدر حتى الآن باستثناء واحد منهم فقط» من دون ان يذكر اسمه، ويرجح ان يكون عضو القيادة القطرية محمد يونس الاحمد الذي تبنى مؤخراً، الدعوة الى «عقد مؤتمر غير رسمي، ولا قانوني، للحزب في دمشق، معتمداً على بعض البعثيين الموجودين خارج العراق، وفي سورية تحديداً، لانتخاب قيادة قطرية جديدة خلفاً للقيادة التي كان يرأسها صدام حسين». وأكد «ابو أوس» ان قرارات اخرى بحق آخرين ممن وصفهم بـ «المخالفين للنظام الداخلي للحزب، والمتحركين في اطار خطة اميركية لشق الحزب كانت خطوتها الاولى اغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين لتمهيد الجو لهؤلاء للتحرك الحر» – على حد تعبيره. فما حقيقة ما جرى ويجري في هذا الشأن؟

< كما كان متوقعاً فإن إعدام الرئيس السابق صدام حسين فجر بعض المواقف داخل تنظيمات «حزب البعث» في العراق. واذا كان ما يعرف بـ «قيادة قطر العراق» التي لا يعرف من بين اعضائها، ممن هم خارج قبضة القوات الاميركية، سوى شخصين، هما: عزة ابراهيم الدوري، بوصفه نائباً لأمين سر القطر، ومحمد يونس الاحمد، عضو القيادة، اصدرت بياناً في اعقاب تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين أواخر السنة الماضية، بايعت فيه عزة الدوري في منصب «أمين سر القطر» خلفاً لصدام، داعية اعضاء الحزب وكوادره وانصاره الى الوحدة والتعاضد لتفويت الفرصة على من سماهم البيان بالاعداء، فإن ما اعقب ذلك حمل اكثر من اشارة الى ان ما كان متوقعاً قد وقع وهو الانشقاق الذي سينشط في اتجاهه بعض القياديين السابقين، مستبقين ما يجري التحضير له من قبل ما يوصف بـ «القيادة الشرعية» لعقد مؤتمر عام للحزب لانتخاب قيادة جديدة تخلف القيادة السابقة. وتفيد معلومات رشحت عن أوساط سياسية عراقية قريبة من شخصيات بعثية ان «اتصالات تجري بين قياديين في الحزب لعقد مؤتمر قطري» لإعادة ترتيب «اوضاع الحزب الداخلية» بعد الضربة التي تلقاها جراء احتلال العراق، واعتقال معظم اعضاء قيادته وكوادره الاساسية. وتشير انباء الى انه تم ترشيح اليمن كمكان لعقد هذا المؤتمر حيث تقيم هناك بعض العناصر القيادية من الحزب. الا ان مصادر اخرى، وُصفت بالمطلعة، اشارت الى ان الدوري – بوصفه اميناً عاماً حالياً للحزب - يصر على عقد المؤتمر القطري الجديد في الأراضي العراقية، مُرجحة ان يحصل ذلك – اذا ما تم - في احد احياء العاصمة بغداد، او في منطقة قريبة منها حيث للحزب وجود كثيف فيها. وتشير هذه المصادر الى ان إصرار الدوري على عقد المؤتمر داخل العراق سيكون له اثر ايجابي كبير في اعضاء الحزب ومؤيديه، فضلاً عن كونه «يمثل تحدياً لكل من سلطة الاحتلال وسلطة الحكومة العراقية الحالية» على حد قول هذه المصادر.

في هذه الاثناء أكد بيان اصدره «حزب البعث في الاردن» على التمسك بـ «القيادة الشرعية» للحزب في العراق، ودعمه لها، لافتاً الى ان من يحاولون اليوم «شق وحدة الحزب»، في اشارة الى المؤتمر الذي عقدته مجموعة من البعثيين العراقيين المقيمين على الاراضي السورية، هم خونة، و «مؤتمرهم» «انشقاقي». اما الذين يقفون وراءه فهم – بحسب ما جاء في البيان - «يمثلون اجندة سياسية خارجية تفوح منها رائحة المحتل» الذي اكد البيان انه «فشل حتى الآن في النيل من وحدة البعث وموقفه، فذهب للاستعانة ببعض الاسماء المشبوهة» – وهي التسمية ذاتها التي اطلقت اواخر العام 1963 على من اعتبروا خارجين على الحزب في اعقاب ما جرى في «المؤتمر القومي السادس» الذي عقد، يومها في دمشق، وتبنى منطلقات فكرية جديدة اعتبرت، يومها اكثر قرباً من «الفكر اليساري - القومي»، وعرفت ضمن ادبيات الحزب بـ «المنطلقات النظرية».

وقد تمخض ذلك الانشقاق يومها عن «عاصفتين»، كانت الاولى في العراق، حيث اطيح بحكم «البعث» على يد عبد السلام عارف ومجموعة من العسكريين، بينهم بعثيون، وذلك في انقلاب 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، والثانية هي حركة 23 شباط (فبراير) 1966 في سورية، حيث أمسك «المنشقون» بالسلطة بقيادة صلاح جديد.

وقد برز من بين الاسماء الداعية الى «مؤتمر دمشق» الجــــديد ثلاثة هــــم: محمد يونس الاحمد، العضو في قــــيادة قطر العراق ايام حكم صدام، والعضــــو القيادي مزهـــر عواد، وغزوان الكبيسي، ومعهم (90) عضواً من اصل (300) عضو من اعضاء الحزب كانت الدعوة قد وجهت اليهم ليكونوا اعضاء في المؤتمر الذي رعته «القيادة السورية». «والهدف منه هو «انتخاب قيادة قطرية جــــديدة للحزب في العراق، ترتبط بالقيادة القومية في سورية»، معيدة «وحدة الحزب الذي ظــــل طيلة اكثر من اربعة عـــــقود موزعاً بين قيادتين قومــــيتين، احداهما في العراق والاخرى في سورية»، كما جاء على لســـان أحد الذين حضروا المؤتمر الذي اكد – معتذراً عن ذكر اســــمه، ان القضية هي «البحث عن وحدة الحزب وليست انشقاقاً».

الا ان بيانات حملت اسم «البعث» ممثلاً بقياداته القطرية في كل من العراق واليمن والاردن، على وجه التحديد، حمّلت الجانب السوري مسؤولية الدفع بهذا الاتجاه. كما صدر بيان عن «القيادة القومية» التي تمثل هذه الاطراف، جاء فيه: «ان مؤتمراً كهذا يجب ان تتم الدعوة اليه بالطرق القانونية، وليس بتمرد فردي على المؤسسة الحزبية، ولا تحت رعاية نظام» وصفه البيان بأنه «معاد للحزب، كما يعرف الجميع»، مضيفاً «ان مجرد احتضان النظام السوري لهذه الدعوة يؤكد انها جزء من مؤامرة الاحتلال لتصفية رمز العراق ضد الاحتلال، وهو الحزب، ودمجه بالنظام السوري»، الذي وصفه البيان بأنه «الحليف الطبيعي للنظام الصفوي في طهران».

وتتجه الأنظار في هذا الوقت الى اكثر من «فصيل بعثي» من المتضررين من «قيادة صدام للحزب»، ومنهم عدد غير قليل من «القيادات الوسطى» في الحزب، من الذين وصفوا بـ «المتخاذلين»، وجرت عملية فصلهم في شكل جماعي، والتشهير بهم في اوساط الحزب كونهم لم يتطوعوا للقتال الى جانب القوات المسلحة العراقية في الحرب مع ايران، وظلوا، منذ اوائل ثمانينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام في نيسان (ابريل) 2003 خارج تنظيمات الحزب، وبعيداً عن مواقع المسؤولية في الدولة.

كذلك هناك أعداد اخرى من «البعثيين» تم فصلهم من الحزب في أعقاب اعتقال العضو البارز في القيادتين القومية والقطرية عبد الخالق السامرائي في العام 1973، واتهامه بالتآمر على الحزب. ثم ما اعقب اعدامه وعدداً من القياديين الآخرين في اعقاب تسلم صدام مقاليد السلطة في تموز (يوليو) عام 1979، خلفاً للرئيس احمد حسن البكر. فضلاً عن اعداد من العسكريين، بينهم قادة ميدانيون برتب عسكرية عالية، تم عزلهم عن الخدمة في القوات المسلحة - وهؤلاء جميعاً يشكلون «قوة عددية» لا يستهان بها، حاول قسم منهم ان يشكل «تنظيماً بعثياً» بعد الاحتلال يطالب بعقد «مؤتمر قطري» للحزب يتم فيه نقد القيادة السابقة وانتخاب قيادة قطرية جديدة بديلاً عنها، لأن القيادة السابقة - بحسب رأي هذا التنظيم - «لم تعد صالحة لقيادة الحزب بعد كل ما ارتكبت من اخطاء ادت الى تراجع دور الحزب الفكري والعقائدي في الحياة السياسية العراقية». وشددوا على «تبني نهج جديد في الرؤية والعمل الحزبيين، وفتح ابواب الحوار مع القوى القومية الأخرى على الساحة السياسية العراقية والتي لها موقف واضح من الاحتلال».

هذا من جانب، ومن جانب آخر كانت هناك اعداد كبيرة من الحزبيين الذين ظلوا في اتصال مع الحياة الحزبية، وبينهم اسماء معروفة على مستوى الحزب، لها «اعتراضاتها غير المعلنة على نطاق واسع» على «نهج صدام» في قيادة الحزب وتوجيه مساره الفكري والتنظيمي، وهم يجدون اليوم الفرصة مؤاتية للإعلان عن مواقفهم وابداء آرائهم داخل اي مؤتمر للحزب يعقد قريباً، والسؤال هنا عن مدى قناعتهم (او ترحيبهم) بانشقاق الحزب (كالذي جرى في مؤتمر دمشق)، ام انهم يفضلون ان يتم ذلك بصيغة شرعية، لأن مطالبهم تنحصر بإصلاح اوضاع الحزب الداخلية؟

ثم - وهذا جانب آخر مهم - ان لحزب البعث تنظيمين، وقيادتين قوميتين واحدة في العراق والثانية في سورية، وكان المحللون السياسيون يطلقون على اتباع قيادة العراق تسمية «التنظيم العراقي»، وعلى اتباع القيادة السورية «التنظيم السوري» – ولا تزال الحال قائمة في تنظيمات «البعث» في مختلف الاقطار، عربية وغربية، التي للحزب تنظيمات فيها. والسؤال هنا: ماذا سيكون موقف هذه التنظيمات، بشقيها العراقي والسوري، بعد سقوط النظام في العراق والموقف السوري الراهن الذي بدأ «حركة تقارب» واضحة مع «الوضع القائم» في بغداد والحكومة العراقية، والتي هي، بحسب البعثيين بجميع اطرافهم، «سلطة احتلال تنفّذ اجندة المحتل».

هذا كله يتزامن مع حديث «المصالحة الوطنية» التي طرحت مشروعها «حكومة المالكي»، والتي تخضع اليوم لتجاذبات اطراف غير متوافقة على المبادئ الاساسية، ففي الوقت الذي تطرح فيه حكومة بوش، مع بعض الاطراف الوطنية الداخلة في العملية السياسية، ضرورة دخول جميع الاطراف في «عملية المصالحة» هذه، ما يستدعي الغاء او تعليق «قانون اجتثاث البعث»، تتجه اطراف اخرى (من الائتلاف الحاكم – باستثناء حزب الفضيلة) والأوساط الحاكمة ذاتها، نحو استبعاد «البعث» من العملية وترى فيه «حزباً محظوراً» بموجب قرار الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، الذي قضى بحله، كما حل الجيش العراقي وقوى الامن، مسلماً البلد للفوضى ولنفوذ الميليشيات المسلحة وقوات الاحتلال، الامر الذي يدعو بعض «الاطراف المعتدلة» المنضوية في العملية السياسية الحالية الى التساؤل: «المصالحة مع من اذا كنا نستثني منها اكبر واوسع تنظيم سياسي وفكري»، في اشارة الى «حزب البعث؟»، داعين الى اعادة النظر في المواقف المتشددة التي يرى أصحابها في «البعث» و «البعثيين» عدوهم الأول والأكبر.

ربيع الهاشم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...