بعد عامين على صدوره : إعادة قراءة قانون محاسبة سورية

02-07-2006

بعد عامين على صدوره : إعادة قراءة قانون محاسبة سورية

الجمل: قام الرئيس الأمريكي جورج بوش في الحادي عشر من أيار عام 2004 بالتوقيع على الأمر التنفيذي لـ (قانون محاسبة سورية والحفاظ على سيادة لبنان) الذي قام بتمريره والمصادفة عليه مجلس النواب الأمريكي في يوم 12 كانون الأول عام 2003.
وقد صرح الرئيس بوش حينها قائلاً: «اليوم وقعت على قانون مجلس النواب رقم 1828م، والذي يحمل اسم –قانون محاسبة سورية والحفاظ على سيادة لبنان لعام 2003م- وهو قانون يهدف من أجل تقوية وتعزيز قدرة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القيام باستحداث وتطبيق سياسية خارجية نافذة الفعالية...».
بعد ذلك، تصاعدت الحملات الأمريكية التي تستهدف سورية، بقدر كبير، ولجأت الإدارة الأمريكية إلى كل الوسائل والأساليب غير المشروعة، بحيث لم تتورع عن فبركة الاتهامات وتزوير الأدلة من أجل إدانة سورية، وإقناع الرأي العام العالمي بـ (صدق) توجهاتها في التعامل مع سورية باعتبارها من الدول الراعية للإرهاب.
وبعد مرور عامين ونصف، كانت النتيجة لا شيء، فقد فشلت كل المحاولات، وعلى ما يبدو بدلاً من توريط سورية، فقد تورطت الإدارة الأمريكية مع أعضاء الكونغرس المعادين لسورية، وجماعات اللوبي الصهيوني، حيث أصبحوا يكيلون الاتهامات للإدارة الأمريكية باعتبارها قد تراخت ولم تقم باستغلال الفرص المتاحة خلال فترة العامين الماضيين بالمستوى المطلوب، لمضايقة سورية.
ونرى في إحدى الدراسات التي أعدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بنود شبيهة بالدراسات التحليلية لقانون محاسبة سورية، حيث تتهم الدراسة الإدارة الأمريكية الحالية، بالتباطؤ في تطبيق قانون مجلس النواب الأمريكي ووضعه موضع التنفيذ، هذا وقد احتوت الدراسة على عدة مفاصل، أبرزها:
• التردد منذ لحظة البداية:
تحاول الدراسة اتهام إدارة الرئيس بوش بأنها كانت بالأساس غير مؤيدة لصدور قانون محاسبة سورية، بعد قيام الكونغرس الأمريكي بالمصادقة عليه. وتشير الدراسة مدللة على ذلك بحقيقة أن الرئيس بوش كان في ذلك الوقت راغباً في حماية نفوذ سلطة إدارته التنفيذية، بما يجعلها تسيطر وتضع يدها بالكامل على الملف السوري، وتنفرد به بعيداً عن تدخل المؤسسات التشريعية الأمريكية.
كذلك ترى الدراسة أن إدارة الرئيس بوش قد راوغت كثيراً إزاء عملية التوقيع على الأمر التنفيذي للقانون، وذلك لأنها تعرف مسبقاً أن صدور هذا القانون سوف يؤدي إلى إنهاء تعاون سورية في الحرب ضد تنظيم القاعدة آنذاك ، ويؤكد هذه الحقيقة أن الإدارة الأمريكية قد تقدمت بطلب إلى الكونغرس الأمريكي في نسيان عام 2002م، تحثه فيه على عدم المضي في المواضيع المتعلقة بسورية، لأن ذلك سوف يؤدي إلى إعاقة حرية حركة من البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأمريكية.
وهنا تضيف الدراسة انتقاداً آخراً يتمثل في زعمها بأن الإدارة الأمريكية لم تتحرك من أجل وضع العقوبات موضع التنفيذ إلا في أيار عام 2004م، وذلك لأن توقيع الرئيس بوش للأمر التنفيذي قد كان بعد صدور القانون بحوالي خمسة أشهر.
وقد كانت الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس بوش آنذاك:
- منع كل الصادرات الأمريكية إلى سورية ما عدا الأدوية والأغذية.
- منع الطائرات السورية من الإقلاع أو الهبوط في المطارات الأمريكية.
• الأمر التنفيذي رقم (13338) من قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة (IEEPA):
ترى الدراسة، بأن توقيع الرئيس بوش على الأمر التنفيذي، يمثل في حد ذاته إعلان الإدارة الأمريكية لحالة طوارئ إزاء سورية، لاسيما أن وزارة الخارجية الأمريكية قد قامت على التو بالتشاور مع وزارة الخزانة الأمريكية، والتي أصدرت بعد ذلك قراراً بتجميد الأرصدة السورية، وعلى هذه الخلفية تتهم الدراسة الإدارة الأمريكية بالتلكؤ وعدم القيام بتطبيق هذا القرار إلا في تموز عام 2005.
• قانون الوطنية الأمريكية: الفصل 311- المتعلق بالعقوبات:
ترى الدراسة بأن هذا القانون يلزم الإدارة الأمريكية بمعاقبة الشركات الأمريكية التي لم تلتزم بتطبيق العقوبات ضد سورية، على خلفية أن عملية تطبيق العقوبات ضد البنك التجاري السوري، وبنك سورية –لبنان، لم تتم إلا في آذار عام 2006م.
من المعلوم أن الإدارة الأمريكية لم تترك باباً إلا طرقته من أجل معاقبة سورية، ولم تقم بتطبيق قانون محاسبة سورية فحسب، بل أشرفت على رعاية سلسلة من المبادرات الهادفة إلى تكثيف وتشديد الضغوط ضد سورية، وبالذات عن طريق الأمم المتحدة، وذلك عندما أدت الضغوط الأمريكية على مجلس الأمن إلى دفعه لإصدار عددٍ من القرارات التي تستهدف سورية والمصالح السورية، وأيضاً بفضل جهود الإدارة الأمريكية في عام 2004م، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1559، وأردف ذلك بالقرار 1595، والقرار 1636، وكانت جميعها تسعى بشكل مباشر إلى استهداف ومعاقبة سورية.
كذلك ظلت الإدارة الأمريكية ناشطة وغارقة حتى أذنيها في دعم الإفراد والجماعات المعارضة لسورية، ومن أبرزها اللقاء العلني الذي تم بين «اليزابيث تشيني» مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، والمدعو «فريد الغادري» ، بالإضافة إلى اللقاءات المتكررة بين بعض كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية وأفراد وجماعات المعارضة السورية، وذلك على مستوى البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وكان من ثمرة هذه اللقاءات أن تبرعت الإدارة الأمريكية بتقديم مبلغ خمسة ملايين دولار لتمويل ما يُسمى بـ (المجتمع المدني السوري).
وطوال هذه الفترة ظل المسؤولون الأمريكيون يشنون هجوماً متزايداً ضمن الحملة السياسية الأمريكية المسعورة التي لم تحدث بعد صدور قانون محاسبة سورية، وإنما تمتد جذورها التاريخية لفترة تتجاوز نصف قرن، حيث تعود بدايتها الأولى لأيام حرب 1948م، ولازالت مستمرة حتى اليوم، وقد تورطت فيه كل الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية...
لم تكن الحملة ضد سورية بوساطة بوش حصراً ووزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، إنما شارك فيها سفراء أمريكا في الخارج، وعلى سبيل المثال، السفير الأمريكي في العراق «زلماي خليل زاده» -الأفغاني الأصل والمجنس أمريكياً- يقول: (على سورية أن تقدر الثمن الذي سوف تدفعه من جراء عرقلتها لنجاحاتنا في العراق...) ثم يضيف: (لقد بدأ الوقت ينفد أمام دمشق لكي تقرر في هذه المسألة..).
وأخيراً نقول: رغم ولاء إدارة بوش التي يقودها المحافظون الجدد من اليهود الأمريكيين وأعضاء «الإيباك» اللوبي الصهيوني، وإخلاصهما الشديد لإسرائيل، الذي جعل هذه الإدارة لا تدخر وسعاً، وتعمل ليلاً ونهاراً من أجل استهداف سورية، إلا أن أنصار إسرائيل في أمريكا لم يغفروا لها فشلها في عملية نسج خيوط المؤامرة ضد سورية بعد مقتل الحريري.. وهكذا انقلب السحر على الساحر، وأصبح الرئيس بوش في نظر البعض هو السبب في عدم نجاح المؤامرة ضد سورية.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...