تجارة القبور لاتزال حاضرة رغم كلِّ المحاولات

02-12-2010

تجارة القبور لاتزال حاضرة رغم كلِّ المحاولات

تطرَّقنا، سابقاً، إلى قضية تجارة القبور بغير علم أصحابها. وكذلك تحدَّثنا عن أسباب ونتائج هذه التجارة، ومن يتحمَّل مسؤوليتها.. إلا أنَّ هذه القضية مازالت حاضرة؛ وذلك على الرغم من كلّ المحاولات، للحدّ منها والقضاء عليها.. إلا أنَّ تلك المحاولات لم تستطع القضاء على هذه الظاهرة كلياً. والسبب، في استمرارها، يعود إلى عدة أسباب، منها ما يتعلق بشكل إدارة الأزمة من قبل الجهات المعنية (هذا من ناحية)، وبارتفاع تكاليف الدفن من ناحية أخرى، وارتفاع سعر القبور الذي له دورٌ أساسي في تفشّي ظاهرة المتاجرة بالمدافن. كلُّ ذلك شجَّع المواطنين على بذل جهود إضافية للمحافظة على حياتهم، خوفاً من ألا يجدوا قبراً في حال موتهم.
وهذا الأمر دفع العديد من المواطنين إلى تفقّد قبورهم بشكل دوري، خوفاً من أن تُفقد أو يتمّ الاستيلاء عليها من قبل الآخرين.
 

(أ.ح) مواطن من منطقة جوبر، ذهب لتفقد قبر عائلته في مقبرة القابون، ليصدم بتهديم قبرين منها، وإزالة شواهدهما. وبعد سجال طويل مع حارس المقبرة، استطاع الحصول على ورقة إثبات تؤكّد ملكيته لهذين القبرين.
وقد حصلت «بلدنا» على نسخة منها. ولكن، المشكلة التي واجهته كانت في مكتب دفن الموتى؛ حيث لم يتمّ العثور على أي إثباتات تؤكّد ملكيته لهذين القبرين. وطلب منه الموظف العامل في المكتب إحضارَ وثائق وثبوتيات، حتى يستطيع المكتب تثبيت حقّه بملكية القبور، والإسراع بإحضار هذه الوثائق قبل أن يتمّ التصرف بالقبور أو بيعها بطريقة غير شرعية.
السيد (أ.ح) قام بتصوير القبرين كخطوة مبدئية. وقد حصلت «بلدنا» على نسخة من هذه الصور، لتكون دليلاً على ملكيته لهذه القبور، بينما يتسنّى له تثبيت حقّه في مكتب الدفن.
وأكد السيد (أ.ح) أنَّ «الموظف، في مكتب دفن الموتى، قد نبَّهه إلى ضرورة تثبيت حقّه لتلك القبور في المكتب؛ لأنه، في حال تأخره، قد يضيع حقه بالقبرين»، مشيراً إلى أنَّ «الأهالي في تلك المنطقة والمناطق الأخرى المجاورة لها، مثل برزة البلد والقابون وجوبر، يتعاملون مباشرة مع حراس المقابر، قبل تبليغ المكتب بحادثة الوفاة. وهذا السلوك يسمح بالكثير من التلاعب بموضوع حقوق القبور. وقد لا يستطيع المكتب التدخل في الوقت المناسب. وتتعقّد القضية حال تمَّ إشغال هذين القبرين من قبل جثتين حديثتي الوفاة». الموضوع يتحمَّل جوانب متعدّدة. فالعديد من المواطنين استهجنوا مثل هذه الحوادث، مؤكدين أنَّ للمقابر حرمات لا يجوز انتهاكها في أيّ حال من الأحوال، مهما كانت المبررات؛ معبّرين عن امتعاضهم عن ارتفاع أسعار القبور، والإجراءات البيروقراطية التي تأخذ بعض الوقت، حال حصول حادثة وفاة، مؤكدين أنَّ «هذه الظاهرة حديثة في المجتمع السوري، وهي لم تكن موجودة من قبل»، محمّلين السبب في هذا إلى الظرف الاقتصادي وشظف العيش، الذي يدفع بالأحياء إلى المتاجرة بموتاهم، متمنين الرحمة للأحياء والأموات على حدّ سواء.


المهندس غسان معمول (المدير السابق لمكتب دفن الموتى)، قال: «في العام1994 تمَّ جرد كافة المقابر الموجودة في مدينة دمشق، وإعطاء أرقام تسلسلية. وتمَّ هذا الأمر بوجود الحفّار، ولجنة الحي التي تتبع لها كل مقبرة. وتمَّ الإعلان عن هذا الأمر بكافة الوسائل الإعلامية، وعن طريق خطباء المساجد، لتبليغ المواطنين بضرورة تأكيد حقّهم في القبور. وفي العام 2001، تمَّ إعادة تقييم وضع كافة المقابر، وشُكّلت لجنة دائمة لقبول الاعتراضات من قبل المواطنين، في حال كان هناك هضم للحق. واستمرَّ عمل هذه اللجان إلى العام 2004.
وكانت اللجنة مستعدة لقبول أيّ شكوى من قبل المواطنين». وأكَّد المهندس معمول أنَّ «هذه الحوادث تتركّز، بشكل كبير، في المناطق الريفية المتاخمة لمدينة دمشق. فطبيعة البنية الاجتماعية لهذه البلدات ما تزال زراعية. ومواطنو تلك المناطق لا يهتمون كثيراً بمسألة تثبيت حقوقهم بالدوائر الرسمية.  لكن الدولة قد استوفت، بشكل كبير، كلَّ متطلبات هذا الأمر. والفترة الزمنية، التي منحتها وصلت إلى عشر سنوات. والجهات المسؤولة تتابع باستمرار هذا الموضوع.
كذلك سيتمّ، في المستقبل القريب، تشكيلُ لجنة لمتابعة الحالات التي لم يتمّ تثبيتها إلى الآن». وشدَّد معمول على أنَّ «المواطنين يتحمّلون الكثير من المسؤولية تجاه ضياع حقوقهم.  فعدم المتابعة والمعرفة وتحميل كلّ الأخطاء للجهات الرسمية، هو هروب من المسؤولية»، مشيراً إلى أنَّ «المحافظة لا تستطيع ضمان حقّ لأي مواطن، ما لم يكن مثبتاً بدلائل قطعية تضمنه لصاحبه». 
 
عدد القبور في مدينة دمشق يصل حالياً إلى 30000 قبر. وقد بدأ عمل مكتب الدفن في العام 1955. وقبلها لم يكن هناك أيّ تسجيل لأيّ حالة وفاة.

همام حداد

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...