تركيا تستنجد بـ«الأطلسي» لماذا؟

24-04-2012

تركيا تستنجد بـ«الأطلسي» لماذا؟

كرر رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة في الآونة الأخيرة الإشارة إلى دور حلف شمال الأطلسي في الدفاع عن أنقرة، ضد التهديدات الخارجية للحدود التركية.
وهذه الإشارات ليست جديدة أو مرتبطة بالوضع في سوريا، بل سبق لأردوغان نفسه قبل سنتين أو ثلاث أن أشار إلى ذلك رداً على سؤال حول التهديد الإيراني لتركيا في حال امتلاكها قنبلة نووية، فأعلن بوضوح أن تركيا ستحمي نفسها بمظلة حلف شمال الأطلسي.
كما اعتبر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن دخول الحلف الأطلسي كعامل في العلاقات التركية ـ السورية تطور جديد ومهم. وأكد رفض أنقرة مشاركة إسرائيل في القمة المقبلة للحلف لأن الدولة العبرية لم تعتذر عن مقتل أتراك في العام 2010 خلال الهجوم الإسرائيلي على الأسطول الإنساني الذي كان متجهاً إلى قطاع غزة. وقال «من غير الوارد بالنسبة لتركيا ان تنطلق في تعاون مع إسرائيل في حلف شمال الأطلسي أو أي منظمة دولية أخرى» لأن هذه الدولة قتلت مواطنين أتراكاً في المياه الدولية. وأكد انه طالما ان المطالب التركية بتقديم اعتذارات رسمية ودفع تعويضات عن مقتل رعاياها، لم تحترم فإنه «لا يمكن اعتبار إسرائيل شريكاً».
ومع ان أنقرة تدرك جيداً أن إيران لا تريد امتلاك قنبلة نووية، وأنها إذا امتلكتها فهي لا تشكل تهديداً لتركيا، غير أن تهديد تركيا بالاستنجاد بحلف شمال الأطلسي في مواجهة خطر بضع رصاصات اخترقت الحدود التركية من الجانب السوري أمر يبعث على التساؤل عن مغزى تصريحات أردوغان بالذات، ذلك أن الرصاصات السورية لم تكن تستهدف انتهاك الحدود التركية، وهي «طبيعية» في سياق المواجهة المسلحة بين الجيش السوري النظامي والمسلحين المنتمين إلى «الجيش السوري الحر» الذي يتخذ من تركيا قاعدة له للتدريب والتسليح والتوجيه ويتسلل عبرها إلى الداخل السوري. وبالتالي فإن احتمالات حدوث اشتباكات بين الجيش السوري والمسلحين عند، أو بالقرب من خط الحدود بين تركيا وسوريا، ليس مسألة مستبعدة.
لكن السؤال، هل أن سوريا تستهدف الداخل التركي؟ الجواب واضح، وهو أن سوريا المنهمكة بأحداثها الداخلية ليس من مصلحتها ان تفتعل مشكلة مع بلد مثل تركيا، يعيش مسؤولوه على فوّهة من الانفعالات غير المبررة التي تنتظر أصغر فرصة لكي تضيّق على النظام السوري تمهيداً للتخلص منه.
غير أن الاستنجاد بحلف شمال الأطلسي في لحظة توتر، واشتباك صغير جداً، لا يليق ببلد يطرح نفسه مؤسساً لنظام إقليمي جديد، وينشــد دوراً عالميـاً فقــد الكثير من عناصر نجاحه بعدما «فات بالحيط» مع معظم جيرانه.
في العام 1998 كانت القوة الضاربة لحزب العمال الكردستاني موجودة في سوريا، وكان زعيم «الكردستاني» عبد الله أوجلان في دمشق. وكانت فترة التسعينيات عصيبة جداً على تركيا، ولوقف الدعم السوري للأكراد ذهب قادة القــوات المسلــحة والمسؤولون السياسيون إلى الاسكندرون وأطلقوا من هناك تهديدات ضد سوريا انتهت إلى إنهاء تواجد المسلحين الأكراد وإخراج أوجلان من سوريا.
اعتمدت تركيا على ثقتها بنفسها وبجيشها في مواجهة قضية صعبة وحساسة، ولم يفكر احد من مسؤوليها التلويح بحلف شمال الأطلسي لتهديد سوريا. اليوم يعرف المسؤولون الأتراك جيداً ان تلك الرصاصات العابرة للحدود لا تشكل أدنى خطر على تركيا. وفي مقاييس انتهاك السيادة فإن دعم أنقرة «للجيش السوري الحر» وللمعارضة السورية السياسية يشكل انتهاكاً للسيادة السورية واستفزازاً خطيراً، بخلاف تلك الرصاصات المتفرقة التي تحدث عنها أردوغان وداود اوغلو.
ولعلّ التلويح بالاستنجاد بـ«الأطلسي» ليس مبرراً في ظل انشغال الجيش السوري بالوضع الداخلي، وعدم قدرته على مواجهة عدوان خارجي كبير. لذلك ربما يجب البحث أبعد من تهديد سوريا في مسألة استنجاد أردوغان بالحلف.
ينطلق الاستنجاد بـ«الأطلسي» من كون سوريا بلداً له حدود مع تركيا الأطلسية. وفي هذا الإطار يمكن تطبيق قاعدة الاستنجاد بالحلف على أي خطر تعتبر أنقرة أنها في مواجهته من جانب أي بلد لها حدود مشتركة معه. وفي الأوضاع التي تشهدها المنطقة، ولا سيما منذ اندلاع الثورات العربية وتردي العلاقات التركية مع معظم جيرانها، فإن منطق الاستنجاد بـ«الأطلسي» قائم.
تعرف تركيا ان أي توتر للعلاقات مع اليونان وبلغاريا ورومانيا، وكلها دول أطلسية، لن يضع الحلف في مواجهة تركيا. أما في مواجهة إسرائيل، فالأرجح ان أي توتر مع أنقرة ليس فقط لن يستدعي وقوف «الأطلسي» بجانب تركيا بل سيكون الحلف نفسه مع إسرائيل غير الأطلسية في مواجهة تركيا الأطلسية. وفي العلاقات مع أرمينيا فإن العامل الديني سيمنع أنقرة من الاستنجاد بالحلف، لذلك لن يبقى أمام تركيا احتمال لطلب نجدة «الأطلسي» سوى التوترات التي تحصل مع سوريا والعراق وإيران.
وبما أن دعوة أنقرة للحلف لحمايتها من سوريا المنشغلة بنفسها أمر مهين لتركيا القوية، فإنه من غير المستبعد أن يكون تهديد أردوغان الاستنجاد بـ«الأطلسي» تجاه دمشق يهدف إلى توجيه رسالة غير مباشرة إلى إيران، بعد الخلاف الشديد معها حول الوضع في سوريا. حيث تدرك تركيا ان انكساراً خطيراً قد طرأ على علاقاتها مع سوريا والعراق وإيران، وأن مثل هذا الكسر ليس قابلا للعلاج، في المستقبل المنظور، بل ان أنقرة تخشى من ان ترتد شظايا التوترات في المنطقة، خصوصا إذا تواصلت وتفاقمت، على وضعها الداخلي.
اذا كان ممكناً في السابق ابتلاع استنجاد الفئات المتشددة من العلمانيين والوصايات العسكرية السابقة في تركيا بحلف شمال الأطلسي ضد «عدو» آخر، فإنه من المعيب ان نفكر لحظة ان سلطة إسلامية في تركيا هي التي تقوم بذلك وضد دول مسلمة، بما يؤكد أن امتلاك البُعد «الأطلسي» هو أحد الشروط الواجبة لوصول الإسلاميين إلى السلطة، بدءاً من باكستان وصولا إلى تركيا مروراً ببلدان»الربيع العربي» الأطلسية!.

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...