تساؤلات عن الحل الأمني

11-08-2011

تساؤلات عن الحل الأمني

الجمل - عمار سليمان علي: دأب المعارضون البارزون للنظام السوري على ترديد مقولة أنهم يرفضون الحل الأمني, وعلى مطالبة النظام بإيقاف هذا الحل, واعتبر أكثرهم أن ذلك شرط ضروري ينبغي وضعه موضع التنفيذ قبل القبول بإجراء أي حوار معه, لأنه بنظرهم شرط لازم لتهيئة البيئة الضرورية لإنجاح ذلك الحوار, وصولاً إلى الحل السياسي المنشود. وإذ تشدد بعضهم فطالب بسحب عناصر الجيش والقوى الأمنية من المدن وإعادة الجيش إلى ثكناته, تراخى البعض الآخر قليلاً فقبل بمبدأ وجود الجيش وانتشاره في بعض المناطق الساخنة.
بالمحصلة يتفق المعارضون على أن الحل الأمني هو مشكلة وليس حلاً.
من جهة أخرى, يعوّل المعارضون بشكل كبير على أي انشقاق يحدث أو يحتمل أن يحدث في الجيش, فهم يهللون لأي مجند أو ضابط أو صف ضابط يعلن انشقاقه, حتى ولو كان الأمر من بنات خيال الجزيرة أو العربية, كما حدث في مرات ليست بالقليلة طيلة الأشهر الماضية, والأهم الأهم أنهم يشيعون بقوة فكرة أن شهداء الجيش والقوى الأمنية لا يسقطون على أيدي مجموعات مسلحة تشكل حجر الأساس في الرواية الرسمية التي يصر أغلبية المعارضين على اعتبارها كاذبة كلياً, ويجزمون أن تلك المجموعات المسلحة غير موجودة إلا في خيال الدنيا والإخبارية السورية, أما اولئك الشهداء فهم يسقطون ـ وفق روايتهم أو رواياتهم ـ في مواجهات تحدث بين الموالين والمنشقين, أو بين الأمن والجيش, وتتسرب من شقوق تلك الروايات رائحة نشوة كبيرة بتلك الانشقاقات ورهانات على ما يمكن أن تؤدي إليه.
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة تلك الروايات, التي من الواضح أنها تستند إلى تحليل سياسي وليس إلى وقائع وأدلة قاطعة, فإنهم هنا عند هذه النقطة, يسقطون في تناقض قاتل. فتشجيع الانشقاق العسكري والتهليل له وللمواجهات بين المنشقين والموالين, وما يمكن أن تحصده تلك المواجهات  من ضحايا عسكريين ومدنيين, وتخريب وتدمير للمنشآت والممتلكات, ألا يعتبر في خاتمة المطاف رهاناً ـ مضمراً أو معلناً ـ من قبلهم على الحل الأمني (العسكري) لتغيير الموازين وتحقيق الغايات؟! أم إنهم يعتبرون الحل الأمني من جانب النظام شراً مطلقاً, ومن جانب المنشقين ـ إذا وجدوا ـ خيراً مطلقاً؟!
ألا يناقض أولئك المعارضون أنفسهم بأنفسهم عندما يراهنون على حل أمني (عسكري) انشقاقي؟! فيما هم يعتبرونه ـ عندما تمارسه السلطة ـ المشكلة التي تقف حجر عثرة في طريق الحل السياسي, وتمنع قبولهم بالحوار المعوّل عليه وحده, ولا على شيء غيره, للخروج من نفق الأزمة بأقل الخسائر الممكنة, وبما يوصلنا فعلاً إلى سوريا جديدة لا إلى ليبيا جديدة أو إلى عراق جديد.
ومن وجهة النظر الأخلاقية, إذا كان أولئك المعارضون يحمّلون النظام المسؤولية الكاملة عن أي قطرة دم تسقط نتيجة اتباعه للحل الأمني في معالجة الأوضاع المتفجرة, حسب ما هو مثبت في بياناتهم ومقالاتهم وتصريحاتهم الغزيرة. ففي المقابل: ألا يتحمل أولئك المعارضون المراهنون والمشجعون والساكتون (اقرأ: الموافقون ضمناً) على الحل الأمني (العسكري) الانشقاقي (إذا جاز التعبير), ألا يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن الضحايا والخسائر التي نجمت أو قد تنجم عن أي بوادر انشقاق ومواجهات حدثت أو يمكن أن تحدث أو يعمل بعضهم على أن تحدث, بالسراج والفتيلة؟!
هل من الحكمة وهل من التوازن السياسي والأخلاقي اعتبار الحل الأمني (العسكري) مشكلة من جهة وحلاً من جهة أخرى؟!
أليس علينا جميعاً أن نتعظ بما قاد إليه الخيار الأمني (العسكري) الانشقاقي في ليبيا من كوارث وإخفاقات ودماء ذهبت (مع الأسف) هدراً؟! أقول ذلك مع كل الاحترام لكل نقطة دم (بريئة) أريقت أو سوف تراق في أي مكان, خاصة في أرض سوريا الحبيبة. وأشدد بقوة على كلمة "بريئة", لأن الدماء غير البريئة التي أريقت أو سوف تراق, لا تستحق الاحترام, بل تستحق المحاكمة والمحاسبة, ولو في عالم الغيب, أو أمام محكمة الضمير. ويستحق المحاسبة والمحاكمة أيضاً, وربما بشكل أكبر, كل من يتاجر بتلك الدماء البريئة منها وغير البريئة.

التعليقات

كلامك با استاذ عمار جاء في الصميم وأصاب الهدف تماماً ...وارجو ان يجد آذاناً صاغية وعقول منفتحة عند بعض المعارضين بالرغم من يأسي منهم.

المقالة: متوازنة، ومتكاملة، ومختصرة،... وأوصلت الرسالة التي تريد إيصالها إلى المتلقي المحلي والعربي.. حيَّكَ الله دكنور عمَّار علي..والشكر موصول لموقع الجمل ومديره الكاتب النبيل نبيل صالح على اهتمامه بالأقلام الجادة...

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...