حديث سوريا والإخوان من مصر إلى بلاد الشام

04-02-2013

حديث سوريا والإخوان من مصر إلى بلاد الشام

ليس بإمكان مصر ألا تفكّر في سوريا. كما ليس بإمكان سوريا ألا تنزح إلى مصر. تاريخ ما بينهما أكبر منهما. جمعهما غزاتهما ودينهما. العثماني هنا والمماليك هنا والعباسي هنا وهنا الصليبي. البريطاني هنا والفرنسي، الفاطمي هنا والمتنبي هنا. تاريخ واحد بجناحين. تحطّ الطائرة على وقع صلوات الحلبيات والدمشقيات. طائرة لبنان المصرية مليئة بالسوريين. بعضهم أتوا يفتحون مشروعاً تجارياً بأموالهم الباقية. بعضهم يزور فرعاً من العائلة.
مصورات غزاويات خلال حفل تخريج لطلاب من المدرسة العسكرية الشهر الماضي (محمود همص ــ أ ف ب)
وبعضهم بات يعيش هنا. «الله أكبر إنها القاهرة»، تصرخ الأم، وتنادي على طفلتها، تعالي لتري القاهرة. يستفز المنظر. يستفز، أن تعجبهم القاهرة، وحلب تنزف. وما الذي يميّز القاهرة؟ أكثر المدن تلوّثاً. أكثر المجتمعات كبتاً جنسياً. أكثر الشعوب محبة بالإكرامية. كيف تستعيضون عن سوريا بمصر؟

المذهبيّة السورية المصرية

منذ عامين كان الشارع المصري قد بدأ يكره حزب الله، لكنه لم يكن يتكلم عن الشيعة والعلويين. لا يمكن تفرقة المرض هذا. هل التقطوا العدوى من نزوحنا إلى هنا أم من إعلامنا؟ أم أننا معهم نلتقط الوباء من الفضائيات التكفيرية الخليجية؟ يصرخ أحمد وهو ليس متشدداً ولا سلفياً ولا إخوانياً، يصرخ بعيون مستديرة: «لا لا لا، أنا رأيتهم هؤلاء ليسوا مثلنا، الشيعة ليسوا مثلنا ولا يصلّون مثلنا».
يصرخ أحمد المصري عن الشيعة، وفي وسط مدينته مقام الإمام الحسين. وفي وسط مدينته أرقى العمارة الفاطمية وأعتقها. وفي قلب القاهرة، حيث قهر الفاطميون العباسيين. الدين هنا لم يعد أفيوناً. بات مهلوساً أفقد الناس بصيرتهم وجزءاً من تاريخهم.
المذهبية هذه لا تقف عند حدود مواطن مصري يمشي «على البركة» كارهاً الشيعة لأنهم «مختلفون». بل إن موظف الخارجية المصرية لا يسلم من هذا. يجلس في مقعده متكلماً عن «الشيعة في لبنان»، وعن أن حزب الله هو الذي أيقظ الفتنة هذه لأنه شكر سوريا يوم 8 آذار 2005 بينما كانت دماء رفيق الحريري تسرح على شط بيروت.
المصري لا يتدخل في شؤون السوري وحسب، بل يضع إسقاطاته وأحكامه عليها. يظن أنه أولى منه بالمعروف، وأنه يدرك مصيبته أكثر منه. «ربنا ياخدو» يرفع يديه بالدعاء على الرئيس السوري بشار الأسد، معبّراً عن تضامنه مع الدم السوري. وفي الوقت نفسه تفتح مرافئه لبواخر السلاح الراحلة نحو طرابلس ومن طرابلس إلى حمص، وكأن السلاح ذاك لا يهدر دماً. تفتح مؤتمراته ومنتدياته لدعم النازحين السوريين، ويحضرها موظف عند الملك البحريني الذي بدوره يقتل شعبه المطالب بالحرية. ازدواجية المعايير سيدة الشخصية المصرية في الموضوع السوري.

الإيراني ومصر

في قلعة الجمهورية الإسلامية، مدينة «قم» المقدسة، يهمس الرأس الإيراني مبتسماً: لا مانع من أن نلتقي بالإخوان المصريين. لا مانع أن نختلف بشأن سوريا، ولكن يمكن أن نتفق على أن نختلف. ما تريده الجمهورية الإسلامية هو بناء علاقة، ولا مانع من أن تتباين وجهات النظر. وفي القاهرة، عبر مذياع سيارة الأجرة تعلن النشرة: زيارة الوفد الإيراني، التدخل الإيراني، السيادة المصرية. وفي الأروقة السياسية والدبلوماسية يدور النقاش: «الإيراني يتقرّب من مصر».
وفي مصر شخصيات إسلامية تنظر إلى الموضوع السنّي الشيعي بطريقة مختلفة. في مصر، نموذج لحكم إسلامي يحاكي نموذج الحكم الإسلامي الإيراني. لم يكن محمد مرسي ودوداً في زيارته لطهران، ولكن ذلك لم يعن للإيراني قطع الحبل مع مرسي. فالإيراني اليوم يضخّ ماله واهتمامه، كما إلى سوريا، إلى مصر. يريد أن يتعرّف إلى صوفيتها وسلفيتها وإخوانيتها وقبطيتها. الإيراني يدرك أن الإخواني قادر على قرص الأميركي أكثر من مبارك.
يحاول العقل الإيراني أن يلاعب السيادة الإسلامية المصرية. إيران فوّضت إلى مصر مشروع حل لسوريا. دفعت بها لعرض الحل. إيران سوف ترضى عن مصر سورياً، شرط قبولها مصرياً. سوف تسمع حقداً كبيراً على حزب الله في مصر. وكذلك على إيران. ولكن تحت الحقد هذا، سوف ترى أن مصر لم تركن إلى ناصية مستقرة، وأن اللعب الإقليمي يدور فيها، وأنها لم تنه كل مساوماتها بعد. وحين تقول للمصري الدبلوماسي إنك كنت في إيران، سوف يفتح أذنيه جيداً ويسأل: وماذا قالوا عنّا؟
هناك حلبة مشتركة اليوم، سلاحها إيراني وأوكسيجينها مصري، واسمها غزة. بعيداً عن الكلام الشارعي في مصر، اسأل أهل حماس وقادتها عن مصر وإيران، سوف يبتسمون. ففي هذا الملف، هم السلطان.

سينا الفلسطينية

إن كنت تكره سلام كامب ديفيد ومن بابه تحقد على المصريين، فلن يتغير شيء في بالك حين تأتي وتسألهم عن إسرائيل. الغالبية المصرية فخورة بإنجاز «ساداتها» الذي جلب بالسلم ما لم تجلبه الحرب: حصّل أراضي سيناء، يقولون. وما الذي حصّلته الحرب؟ ولماذا نحاربهم؟ من أجل الفلسطينيين؟ الآن الفلسطينيون سوف يأخذون منّا سينا. والإخوان يحبّونهم. الإخوان لا فرق بينهم وبين حماس، وربما يهبونهم سينا. من يدري؟
تلك مخاوف مصرية باتت معروفة ومحكية في كل مكان. شباب مصر ورجالها وعمالها وفلاحوها يتكلمون هكذا. من يُرد أن يزيد الغل على الإخوان من الساسة، يرفع هذا «البعبع» أيضاً. وفي مصر، سيناء تعني آلاف الشهداء من القوات المسلحة أيام الحرب، وحساسيتها عالية. رغم أن معظم من يتغنّون بسيناء لم تطأ أقدامهم أرض رفح، ليدركوا أن سيناء وغزة واحد.
قبل أن تصل إلى سيناء، وقبل أن تصل إلى «كوبري السلام» الذي بناه مبارك فوق قناة السويس ليصل مصر المصرية بمصر الفلسطينية، سوف تعرج بك السيارة إلى إحدى استراحات الإسماعيلية، وهناك، لن تدرك إن كنت في مصر أو في فلسطين. هناك، قبل «الجسر الذي يسمونه كوبري، تصل أيها المسافر إلى فلسطين».
كل مسافر في سينا فلسطيني. باتت مصر ما بعد مبارك أكثر ترحيباً بالفلسطينيين. ما بعد الإسماعيلية، والسويس والعريش، تصل السيارة إلى معبر رفح. لا يسمح لك المصري بأن تدخل من فلسطين إن كنت رجلاً في عمر معيّن. وكذلك، لا يسمح لك بدخول فلسطين إن كنت أجنبياً. مزاجية المعبر وظلمه فتحا في الأرض أنفاقاً.

ما لا تعرفونه عن غزة

قل غزة، وقل ما الصورة التي تأتي على ذهنك: حصار؟ حرب؟ فقر؟ موت؟ حماس؟ صور لمتضامنين؟ غزة ليست ندب صدور وقماط شهيد وحسب. غزة حياة تدور، سياسة دولية تتعانق على شاطئ مليء بالعشاق. غزة حيث تقف فلسطين على رؤوس الأصابع فوق حرير أصفر اسمه صحراء سيناء. غزة التي ترفع رايات قطر على مراكب صياديها وتخلّد قتلى الأسطول التركي على مينائها بتمثال. هل طلّقت إيران وتزوّجت من قطر؟ هل سافر أطباء غزة يساندون النزوح السوري عند الحدود التركية؟ هل تستقبل غزة نازحي المخيمات الفلسطينية من سوريا؟
سلطانة في السياسة باتت، وباحة للإعلام. كلهم يعملون في الصحافة. يقولون إن غزة لحركة حماس. طبعاً، لكن صاروخ فجر 5 خرج على سواعد الجهاد الإسلامي مستهدفاً سماء تل أبيب. في القتال لم تعد حماس وحدها. سرايا القدس هنا أيضاً. وكذلك، فلو كانت كل غزة حمساوية، لما حشدت ذكرى انطلاقة حركة فتح مليونية في ساحة السرايا منذ أسابيع. ثم إن هناك أغاني راب وناشطين يعارضون السلطة الحمساوية علناً، ويعتقلون لأجل ذلك. وثمة إرث يساري جبهاوي موجود ومنتشر. متناقضة كالفلسطيني. تغضب وتضحك. تتأسلم وتنفتح. أغاني في المقاهي وألوان في الملابس، وحفّ الشوارب قائم على أيّ حال.
الخوف على سوريا حاضر هنا أيضاً. وللعلم، قد تلتقي بأعداد من «الشبيحة» المدافعين عن النظام السوري هنا، أكثر مما قد تلتقي بهم في بيروت. أهل غزة يخافون على برنامج المقاومة المستهدف في سوريا. فرغم أن بعضهم يسافر ليدرّب الجيش الحر في إدلب ويموت هناك، بعضهم يدعو على الجيش الحر ويسأل الله أن يحمي الجيش العربي السوري.
أما الفقر، فليس سمة الكل. وفي غزة أحياء كالرمال مثلاً، تشبه في رقيّها حيّي المنارة والروشة البيروتيين. في غزة متاجر غالية وسيارات جميلة ومستثمرون جدد. خطة الحكومة الاقتصادية واضحة: من يُرد أن يستثمر، نحن نشاركه.
أهل غزة يدركون التباين في موقف حماس. ما يقوله عن سوريا مشعل وهنية، ليس بالضرورة ما يقوله محمود الزهار أو الجعبري. ثمة من لا يريد أن ينكث بالوعود والعلاقات الودّية مع إيران، وثمة من يدعو لسوريا بالخلاص من هذه الدوامة. ورغم معارضة بعض الغزاويين، لم يحاولوا أن يسقطوا نظامهم. كأنهم مستسلمون بسعادة لحكم حكومتهم.
لا تنسى غزة القديمة تاريخها. المسجد العمري والكنيسة البيزنطية. عمر المسيحية هنا ألف وستمئة عام، وبقيت حفنة 4 آلاف مسيحي تعيش ضمن غزة. أورثوذكسيّو غزة يسألون عن ميشال عون وسمير جعجع واللقاء الأورثوذكسي اللبناني، ويصرخون: كلنا مع بشار الأسد. في غزة التي تظنون أنها حمساوية، نبيذ وعرق وحشيشة كيف. في غزة يسار ويمين ومجتمع مدني. حماس هي السلطة، والمقاومة، والأمر الواقع، ولكن حماس ليست غزة. حين تبدأ الحرب، الكل يصلي لأن يحمي الله سواعد حماس، الرصاص يوحّدهم. لكن يمكن اعتبار غزة حمساوية بقدر ما يمكن اعتبار مصر إخوانية.

غدي فرنسيس

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...