حروب القرن 21 ومخاطرها

07-03-2007

حروب القرن 21 ومخاطرها

كتاب "حروب القرن الحادي والعشرين" (مخاوف واخطار جديدة)، ترجمة انطوان أبو زيد، عن "دار التنوير"، في 240 صفحة، 2007، هو لإنياسيو رامونيه، أحد ابرز المثقفين العالميين ورئيس تحرير جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، يحاول فيه تقصي المرحلة التي يمر بها العالم واستخلاص أبرز الخصائص التي تميز كوكبنا مطلع القرن الـ21 وخصوصاً بعد هجمات 11 ايلول. انطلاقاً من وصف الواقع حيث تحتل الولايات المتحدة مرتبة الامبراطورية العالمية للمرة الاولى في التاريخ، يترتب على ذلك: اضعاف الأمم المتحدة، غياب فاعلية المنحى التسووي في المنازعات، لتأتي الحلول المطروحة من طريق الضغط والحرب والعنف. يلاحظ رامونيه ان هذه السلطة الامبراطورية تملك القوة الجبارة التقنية وتعجز عن السيطرة، بما يؤدي الى بروز ظاهرة العولمة حيث الفاعلية للشركات المدمجة التي تحلم بالسيطرة على العالم.
ازاء هذا الواقع، ما هي أدوات حروب القرن الحادي والعشرين، وآفاقها؟ قبل أن يجيب رامونيه عن هذا السؤال، يقارن بين ابطال النظام القديم (الاشراف والاكليروس والعامة) وابطال النظام الجديد (تحالفات الدول والمشاريع الشاملة والمنظمات غير الحكومية)، ويرسم الاطار للابطال الجدد وهم منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي والهيئات الدولية. ويعتبر ان ثمة افراغاً للديموقراطية من محتواها من دون ان ينتبه الناس أو يعي المسؤولون السياسيون ابعاد ذلك، علماً ان تقنيات الاعلام والمعلوماتية تؤدي الى قمع الفكر.
يطرح رامونيه السؤال: مَن يسود العالم اليوم؟ ليجيب: جغراسياً، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. اقتصادياً، الولايات المتحدة والمانيا واليابان. وفي الحالتين تبدو الولايات المتحدة في مركز الهيمنة والصدارة. هذا بدوره يقود الى سؤال التبدل في احوال العالم بما يتعلق بالثروة. اذ ان ثروات الأمم الجديدة تقوم على ما سمّاه رامونيه "استثمار المادة الرمادية"، اي المعرفة والابحاث والقدرة على التجديد وليس على انتاج المواد الاولية او العوامل التقليدية الجغرافية والديموغرافية.
في رأيه، ان ما يحدث اليوم هو "الثورة الرأسمالية الثانية"، التي تحمل تحولات في ثلاثة مستويات، في المجال التقني (معلوماتية رقمية)، في المجال الاقتصادي المصرفي (العولمة والموللة)، وفي المجال الاجتماعي الذي بات قائماً على شبكات وعلائق لا على تراتبيات.
لكن هذا التطور التغييري الملحوظ في العالم جلب معه التحديات الكبرى التي تواجهها البشرية مطلع القرن الجديد. واضافة الى المشكلات الداخلية في كل بلد، مثل استبعاد الجماعات وازمات الهوية وتحويل السلطة، فثمة تدهور البيئة واختلالها، والنقص في مياه الشفة وانعكاسات ذلك على المنازعات الاجتماعية والاقتصادية، وموت الغابات، والتقنية المفرطة التي تؤدي الى فقدان الناس معنى العيش معاً واحساسهم بالشأن العام.
هذه المقدمات تعني ان العالم في ازمة عميقة. ويستشهد رامونيه في وصفها بما قاله غرامشي ذات يوم "حين يموت العجوز ويتردد المحدث في الولادة". أو بحسب توكفيل "حين لا يضيء الماضي الحاضر فإن للروح ان تمضي في الظلمات". لكن كيف يكون الحل للخروج من عنق الزجاجة؟ في رأي رامونيه ان الناس يحتاجون الى حالمين يفكرون والى مفكرين يحلمون، والى تحطيم الايديولوجيا الليبيرالية من خلال هندسة جديدة للمفاهيم وايجاد مشروع وقضية.
يحلل رامونيه ابعاد عملية 11 ايلول والحرب العالمية ضد الارهاب. ويستنتج بجرأة بطلان مقولة ان الارهاب ليس سوى الارهاب الاسلامي، وان ما يحدث في الحرب ضد الارهاب هو في معنى ما، قطيعة فاصلة بين حقبتين، وبالتالي وداعاً للحريات والاهداف النبيلة، وان السيادة انتقلت من الله الى الأمة لتتركز في الفرد. وثمة بروز لما يسمّيه الشبكة - الدولة أو الفرد – الدولة، ويعطي مثالاً على ذلك تجربة بن لادن.
يخصص رامونيه في كتابه فصلاً خاصاً عن الشرق الادنى عنوانه "حرب المئة عام الجديدة"، ويرمي انتقاداته في الصراع العربي - الاسرائيلي وخصوصاً سياسة الاستيطان او ما يطلق عليه "سياسات تشريع التعذيب والتمييز العنصري والقمع قانونياً من قبل دولة اسرائيل" (ص 92)، ويمضي متسائلاً: هل اسرائيل مشروع اخلاقي؟ ليناقش الوضع الايراني والاصلاحات المتوخاة والصراع بين الاصلاحيين والمحافظين والى اين يمكن أن يصل الصراع، وهل تندفع ايران نحو العمل الديبلوماسي على حساب العمل العسكري والدعم الذي تؤمنه لـ"حزب الله" والمنظمات الفلسطينية؟.
يصف رامونيه الوضع في الشرق الاوسط بأنه مجال الفرص الضائعة وبأن السلام ليس في المتناول. ويكمن السبب في التعنت الاسرائيلي، وفي عدم قيام الولايات المتحدة بدور الوسيط العادل بين الطرفين، وفي غياب الاستراتيجيا الاميركية في الشرق الاوسط. اما ما يقترحه للسلام فهو في تعايش دولتين عربية واسرائيلية. ويرى ان ثمة يداً عربية ممدودة للمصافحة واذ تقدم اسرائيل "فانها تنقذ الشعبين من دمار معلن" (ص118).
ينتقد رامونيه العولمة ومعاداتها، من حيث انها حرب اجتماعية كونية تتجلى بوادرها في اقتصاد جديد وبروز شركات عملاقة ودول قزمة ورؤساء مطاردين من بينوشيه الى حسين حبري وارييل شارون وفوجيموري وحتى جاك شيراك. ويعزو ذلك الى ان في مقابل العولمة المالية تتنامى ايضاً عولمة للتطلب الاخلاقي (ص 143). لكن ما الحل؟ الوقوف الى جانب بعض الحالمين الجدد بالمطلق، على غرار مدينة بورتو اليغريه، الذين يذكّرون الناس بأن الاقتصاد ليس عالمياً وحده بل ان حماية البيئة والتفاوت الاجتماعي وحقوق الانسان هي شواغل عالمية يجب الامساك بزمامها.
يميز رامونيه في حروب القرن الحادي والعشرين بين حرب يخوضها القوي على الضعيف (شمال الاطلسي ضد يوغوسلافيا) وحروب يشنها الضعيف على الاضعف (صربيا على كوسوفو). الاولى تقنية الكترونية والثانية مجازر وتهجير واغتصاب واعدامات جماعية. والى ذلك، هناك المعايير المزدوجة، ويبررها بالسياسة الدولية وضرورة الدفاع عن المصالح العليا للاتحاد وتوسيع نطاق الديموقراطية، وهو مفهوم صاغته اميركا في 1999 وجوهره الخضوع للهيمنة. يناقش رامونيه اسباب الحروب الحديثة ويجد ان حلف شمال الاطلسي مثلاً استفاد من غطاء التدخل الانساني في حرب كوسوفو لخرق سيادة الدول وانظمة الامم المتحدة. ويسأل: كيف يمكن التوفيق بين الاهتمام الانساني واستخدام القوة؟ وهل يمكن ان يكون ثمة عمليات قصف اخلاقية؟ لينهي كتابه بالتهديدات التي تواجه العالم، وهي: السلاح النووي، التهديدات التي تطال الهوية، الرعب من المرض والكوارث والبيئة والجوع، وحروب الارهاب.
ويسأل كيف يمكن تحقيق مجتمع متمدن نفسياً؟ وما هو الانسان؟ واي نوع من البشر ينبغي ان نصنع؟ وماذا بعد الكائن البشري؟ وهل يمكن أن يتغير العالم؟ يدعو رامونيه الى التمرد، ويرى ان ثمة جنيناً من المجتمع المدني الدولي آخذاً في التشكل، وان مطلب العدالة والمساواة يعود بقوة الى العالم، وان هناك مطالبة بجيل جديد من الحقوق (طبيعة محمية وبيئة غير ملوثة والتنمية) وبالعمل لأجل بناء مستقبل مختلف يقوم على مبدأ التنمية المستدامة وتجريد السلطة المالية من سلاحها، وبتصور توزيع جديد للعمل والعائدات، وباعادة المكانة الى دول الجنوب الفقير، والاستثمار في المدارس والمساكن والصحة، وايضاً محكمة جزائية دولية وتحرير المرأة ووقاية البيئة والتلاعبات الوراثية.
كتاب "حروب القرن الحادي والعشرين" يضيء على المخاوف والأخطار المحدقة بالانسان والقابليات الممكنة لتفاديها. ويقدم مؤلِّفه رامونيه نظرة شمولية وتفصيلية ورؤية تستلهم الواقع والتاريخ والثقافة والانسان. وينهض تحليله على أسس موضوعية متوازنة لاستشراف الافق والمصير الانساني والاجتماعي في زمن التغييرات والتحولات الكبرى. والأهم، ان رامونيه يُبقي مثاليات الماضي والرهانات الاخلاقية حاضرة دوماً في افكاره، باعتبارها اهدافا سياسية ملموسة في القرن الحادي والعشرين.

 

سليمان بختي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...