حريق بسبب ماس كهربائي

09-12-2009

حريق بسبب ماس كهربائي

الحريق لم يلتهم أجساداً، ولم يرسل الأرواح التي تسكنها إلى السماء. ربما كان الوقت مبكراً على موت طفلين في الرابعة من العمر حرقاً وهم نيام. النار أتت على كلّ ممتلكات رياض عبد الرحمن «من الحصير إلى اللحاف».. غرفته الصغيرة في حي المبيض في سوق ساروجة تحوّلت إلى رماد ودخان أمام عينيه.

رياض، الذي اعتاد صباحاً على حمل أكياس الطحين على ظهره، حمل، صباح الأمس، طفليه من وسط النار إلى بيت الجيران، وشكر العناية الإلهية. لكن سرعان «ما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة»؛ لقد انهارت أعصابه وفقد توازنه، فتطوّع أهل حارته وأسعفوه إلى المستشفى، لأنَّ الجهات المعنية التي حضرت على «بساط الريح» إلى مكان الحريق لم تفكّر في إعطاء العناية البشرية لهذا «العتّال» المحمول بين أيدي رجال الحارة
«رجال الإطفاء حضروا خلال عشر دقائق، ولكن طلبهم من طوارئ الكهرباء بقطع التيار عن المنطقة لم يستجب له قبل ساعة تقريباً». هذا ما قاله شهود عيان من الجيران، حيث سارعوا إلى الاتصال بالطوارئ من هواتف منازلهم. في هذه الأثناء، كان رئيس المخفر أمر بإخراج سبع أسطوانات غاز من مستودع في بيت الرفاعي الملتصق ببيت المالح، ليهدّأ من الذعر الذي أصاب أهل الحي، والمدينة القديمة التي توافد أهلها تباعاً إلى مكان الحريق.
قال مختار الحي: «الحريق وقع أولاً في غرفة المواطن رياض عبد الرحمن (إحدى غرف المنزل الذي تملكه عائلة المالح)، حيث يتكون المنزل من سبع غرف تقطنها أربع عائلات».

هناء (إحدى قاطنات غرف المنزل السبع) والتي تضرّرت أيضاً بيَّنت أنَّ سبب الحريق هو «المدفأة الكهربائية التي تسبّبت بماس كهربائي». وفي حال كانت هذه الرواية صحيحة، فالمسؤولية تقع على المواطن رياض عبد الرحمن- بحسب الموظف في شركة طوارئ الكهرباء الذي رفض ذكر اسمه- «لأنَّ صاحب البيت هو المسؤول عن تمديدات الكهرباء داخل بيته، فالشركة قامت بتبديل الكابلات الخارجية في الحي كله منذ سنتين تقريباً».
 وينفي أهل الحارة هذه الرواية جملةً وتفصيلاً؛ لأنَّ طرقَ مسمار واحد في الحائط -على حد تعبير أحدهم- يعني «سين وجيم» من المحافظة وضبط شرطة، لأنَّ هذا يعدّ بمثابة قيام صاحب المنزل بترميم منزله. وهو ما تضع المحافظة أمامه قيوداً كثيرة.
الجارة وفيقة عرقسوسي (المصابة بالربو) كادت تختنق، وزوجها المريض بالقلب كاد يصاب بجلطة أثناء خروجهما بسرعة من المنزل.
المقدم وائل خالد (قائد فوج الإطفاء الذي حضر مع ثمانية عناصر من رجال الإطفاء المتخصصين في إخماد الحرائق في الحارات الشعبية القديمة) قال: «لم نتبيّن -نحن رجال الإطفاء- سبب الحريق، وإن كنا نتوقع أنَّ السبب ماس كهربائي. ولذلك لن نغادر المكان قبل تأمين الحريق»، علماً أنه تمَّ إحضار أربع سيارات إطفاء من فوجي النصر وخانجي.
محمد الكسم (خبير الوقاية من الحوادث) أكد أنَّ «البيوت في دمشق القديمة مبنية من (اللبن) والخشب، وهي مواد سريعة وشديدة الاشتعال، حيث تبيّن، من خلال مئات الحرائق التي جاءت على هذه البيوت، أنَّ انعدام شروط السلامة ومكافحة الحريق فيها، يحوّل الحريق، خلال عشر دقائق، إلى كارثة بشرية ومادية وتراثية». وأضاف الكسم: «طالبناً مراراً وتكراراً بإيجاد منظومة إنذار لاسلكي مبكر للحريق مرتبط بغرفة عمليات الإطفاء، بحيث تبلغ المنظومة آلياً بالحريق من اللحظة الأولى.. وتزويد جميع المنازل بمطافئ البودرة الرباعية النظامية والجيدة، وإحداث شبكة خزانات مياه وفوهات وخراطيم إطفاء في كلّ حي، بحيث يستطيع السكان إخماد الحريق بعد تدريبهم لوأده في مهده صغيراً قبل انتشاره وتحوّله إلى حريق كارثي».

ليس غريباً عمن يطيلون فتح أفواههم للمطالبة بحماية التراث أن لا يسمعوا إلا أصواتهم، فيكتفون بالصراخ: «دمشق القديمة».. بدل أن يعملوا على إيجاد منظومة لمكافحة الحرائق والحماية منها وتسهيل إجراءات ترميم المدينة، لأنَّ حماية التراث ليست مسؤولية المواطن بل واجبهم هم أيضاً.  
 «سوق ساروجة أو اسطنبول الصغرى حيٌّ دمشقي قديم، يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، صنّفته اليونسكو مؤخراً على لائحة «المواقع التراثية المحمية». وقبل ذلك بسنوات، وتحديداً في العام 1985، قامت محافظة دمشق بهدم بضعة منازل عند مدخل الحي، ومنح ساكنيها في المقابل أسهماً في مشاريع سكنية في ضواحي المدينة، واستملكت بعضها الآخر وأجّرته مقابل مبالغ زهيدة. كما تمَّ بيع أراضي الحي الواقعة في قلب المنطقة التجارية للمدينة لمقاولي البناء». 

دارين سليطن

المصدر: بلدنا
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...