حمّامات حمص القديمة وذكريات أهل الحارة

10-03-2016

حمّامات حمص القديمة وذكريات أهل الحارة

«متل صبي الحمّام، إيد من ورا وإيد من قدّام». لعلّ هذا المثل الشعبي من أشهر ما قيل في الحمّامات الشعبية، ويروي في تفاصيله قصة الصبي الذي يعمل في الحمّام العام، ويظل عارياً فيغطي جسمه بيديه.. هذا على الأقل ما روي في حمص.
وكانت الحمامات الشعبية في حارات حمص بمثابة مجتمع آخر داخل المدينة الكبيرة، وذلك من خلال اجتماع العائلات الحمصية فيها في أيام محددة من الأسبوع، حيث تحجز عائلة فلان مقصورة في جزء من الحمام وعائلة أخرى مقصورةً مجاورة.
طرائف أهل حمص حول قصص الحمامات لم تتوقف أبداً، ومنها أنه حين كان يتم مثلاً حجز مقصورات متجاورة لعائلتين على خلاف، كان يسمع بعض الضجيج والمعاتبة من قبل «القيمة» على الحمام، حين تصر على عدم خروج العائلتين من دون مصالحة داخل الحمام.
وكانت حمامات حمص الشعبية تشكل متنّفس حرية كبيرا للنساء بعيداً عن ضغوط الرجال في الخارج، حيث خصص يوم الاثنين من كل أسبوع لهنّ فقط بطاقم نسائي كامل، كما كان لـ «داية» الحارة معاملة خاصة في الحمام حينها من حيث الاهتمام وطريقة التعامل.
وكانت النساء يحملن معهن «الزوادة» إلى رحلة الحمام التي تشبه نزهة حقيقية. أما الوجبة المفضلة في هذه الرحلة فظلت «برغل وبندورة» أو «المجدّرة» وذلك حتى ثمانينيات القرن الماضي، إلى جانب المخللات، أما الرجال فكانت زيارتهم للحمامات في حمص مساء يوم الخميس من كل أسبوع بمثابة سهرة جماعية لـ «شباب الحارة» يشربون فيها الشاي والنرجيلة ويلعبون الطاولة والشدّة وغيرها من لعب التسالي.
اعتادت النساء على استخدام الحمام «الجوّاني» أكثر من «البرّاني» نظراً لأن طريقة إغلاقه من الداخل أكثر إحكاماً «للتستّر»، على عكس الرجال الذين استخدموا «البرّاني» أكثر. هكذا، لعب وجود الحمام في منطقة معينة دوراً في قلة أو كثرة زواره.
ووثق زكريا مينو هذه الأحداث التي عاشها في الحمامات الشعبية في حمص، كونه ابن «الدّاية»، فسمح له في طفولته الدخول مع النساء إلى الحمام.
ويتذكر زكريا لعبة شهيرة داخل هذه الحمامات بعنوان «امسكني»، تعتمد على لفّ المنشفة الشخصية وضرب كل شخص للآخر، وهي ظلت اللعبة المفضلة في الحمام العام من قبل الجميع.
يقول: «لم يكن لدينا حمام في المنزل بل كان هناك ما سُمّي عتبة تحمّمنا والدتنا فيها، وهي منطقة بمستوى منخفض عن بقية الغرف وتصل بينها، حيث يسخن لنا الماء، وكنا نستحم من دون صابون نظراً لغلاء سعره، وكان يعوض بالشنان».
ويتابع زكريا: «عندما كنت صغيراً في المدرسة كنت أرافق والدتي لحجز مقصورة عائلتنا في الحمام، وأحمل البقجة التي تتضمن ثيابنا إلى الحمام الذي غالباً ما كان جامع العثماني لأنه في طرف سوق النساء وليس وسط الزحمة، لأن من يذهب إلى حمام وسط السوق، يعلم به كل سكان المدينة».
على الرغم من تعلّق الناس في القرن الماضي بحمص للذهاب إلى حماماتها، فقد شهدت فترة الستينيات رد فعل سلبيا تجاهها، بعد اتهامات لها بمخالفة الآداب العامة، وهي اتهامات ساقها أصحاب هذه الحمامات بين بعضهم لإبعاد الزبائن عن الحمامات المنافسة، ومن أشهرها «العصيّاتي» و «الصغير» و «العثماني».
ويعود الحمام الأخير إلى فترة الاحتلال العثماني الذي أدخل الحمامات إلى حمص، أما المماليك قبلهم فلم يدخلوا فكرة الحمامات الشعبية، بل تكرّست في عهدهم ظاهرة «حمامات الملوك» التي عرفتها قصورهم فقط.
وشهدت ثمانينيات القرن الماضي تطوراً في شكل الحمام وتعرفة دخوله التي ارتفعت بشكل كبير لتصل إلى 300 ليرة سورية للشخص الواحد، في الوقت الذي كانت فيه ربع الليرة السورية تشكل أحياناً مدخول عائلة بأكملها ليوم واحد، وهو ما أدى إلى حالة نفور من الحمامات، ترافقت مع تطور الحمامات المنزلية، وتقلص المدينة القديمة لتنحسر في سوق تجاري قديم وسط حمص.
سنوات الحرب السورية وضعت حمامات حمص في قلب المعارك، فشهدت تخريباً كبيراً، إلا أن «بنية» هذه الحمامات القوية المعتمدة على الحجر البازلتي الأزرق الذي تشتهر به حمص، ساعدت على أن تحفظ لها اساساتها وجهوزيتها للاستخدام مجدداً، كما يجري حالياً ترميم الأسواق القديمة تمهيداً لإعادة بعضها إلى الخدمة داخل المدينة القديمة.

سومر العلي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...