خلافات داخلية في فتح حول «إعلان صنعاء»

25-03-2008

خلافات داخلية في فتح حول «إعلان صنعاء»

يثير «إعلان صنعاء» بين حماس وفتح آمالاً ومخاوف لدى الكثيرين من الفلسطينيين، الذين يرون بغضب كيف أن الصراع بين هذين الفصيلين الرائدين أوصل القضية الفلسطينية إلى قعر التدهور في نظر أهلها من الفلسطينيين والعرب، وأضعف تعاطف الكثير من القوى الأجنبية معها.
ولا ريب أن هذا الإعلان كسر، من الناحية العملية، حاجزاً نفسياً وقف حتى الآن حجر عثرة أمام استئناف الحوار بين الطرفين، ومنع قيام حوار وطني شامل. ومع ذلك، فإن ردود الفعل الداخلية حول الإعلان يظهر أن التقدم الذي تحقق بإزالة هذا الحاجز النفسي، قد لا يجد ترجمة عملية له، على الأقل في وقت قريب. فالحوار الفلسطيني الداخلي لم يعد منذ أمد حوارا داخليا، بقدر ما فرض عليه أن يكون بين طرفين ينتميان إلى معسكرين متصارعين على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما أن
ضعف الطرفين الفلسطينيين في المعادلتين الإقليمية والدولية، لا يمنحهما الكثير من الاستقلالية في اختيار سبل التواصل أو الاتفاق، ولهذا السبب فإن ما جرى في صنعاء يدفع للاعتقاد بأنه بقدر ما يشكل فاتحة توافق فلسطيني بقدر ما يظهر ضعف العامل الداخلي.
أرادت القيادة اليمنية لاعتبارات كثيرة، وليست للمرة الأولى، المساهمة في خلق توافق فلسطيني، ولهذا احتضنت العاصمة اليمنية منذ سنوات الكثير من جولات الحوار بين حماس وفتح، أو بين حماس و«منظمة التحرير الفلسطينية». وبدت صنعاء، على الأقل في الآونة الأخيرة، وكأنها الجهة الوحيدة القادرة على جمع الفلسطينيين من دون أن تحسب على أي من محوري الصراع الإقليمي. ولكن ذلك لا يعني أن الطرفين الفلسطينيين تصرفا على أساس الإيمان بضرورة التوصل إلى حل وسط معقول بينهما.
فقد كان اختيار الوفد الفلسطيني الممثل لمنظمة التحرير للتفاوض مع حماس، نوعاً من الشرك المنصوب للحركة الإسلامية، لإظهار أن الحوار قائم بين «الكيان المعنوي» للشعب الفلسطيني وبين الحركة. وربما لهذا السبب أصرت حماس على التعامل مع هذا الوفد وكأنه غير قائم، بحيث حصرت تركيزها على ممثل فتح في الوفد وهمشت دور الآخرين.
واعتمد سلوك حماس هذا على اقتناع لدى قيادتها، جرى التعبير عنه أكثر من مرة، بأن فتح وحماس تمثلان «أكثر من 96 في المئة» من الشعب الفلسطيني. وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الاقتناع، فإن هذا التكتيك هو في الواقع استمرار لذاك الذي أوصل إلى اتفاق مكة. ومن البديهي أن هذا لم يكن ليقود منطقياً إلى أكثر من شراكة بين الطرفين، تكفل لحماس ثقلاً مرجحاً ويوفر لها منطلقاً لإعلان أنها كانت على حق في مواضع الصراع السابقة.
وبديهي أن من اختار الوفد المفاوض بالطريقة التي كان عليها، أراد من ناحية الإيحاء بأن الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير تقف جميعها إلى جانب فتح في مواجهة حماس. ويمكن لمن يعرف أبجديات العمل الفلسطيني، وموقع الفصائل الفلسطينية في صنع القرار، أن يرى ابتعاد هذا التشكيل عن الجدية في الحل. فمنظمة التحرير بتكوينها الحالي ليست أكثر من شكل ضعيف المحتوى عاجز عن الفعل الناجع، والأهم أنه ليست هناك أي نوايا حقيقية لإصلاح هذه المنظمة أو تفعيل دورها. فالمنظمة، برغم تاريخها وعدم استنفاد دورها، تعجز لأسباب بنيوية وتنظيمية عن أداء الدور التاريخي المرصود لها، بسبب إفراغها المتواصل من المضمون، وجراء ازدواجية التعاطي معها في كل ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية.
وفي جميع الأحوال، فإن تضارب المواقف في السلطة الفلسطينية إزاء الموقف من «إعلان صنعاء» يشهد، ليس فقط على حجم الخلاف داخل هذه السلطة، وإنما عن استمراره وتعمقه. فهناك في فتح من يؤمن بحق بوجوب التصالح والتحاور مع حماس، بهدف حماية ما تبقى من مصالح وطنية فلسطينية، ولكن هناك في فتح والسلطة من يرى أن لا مصلحة البتة في التحاور مع حماس، وبالتالي ينبغي تعزيز الصراع معها بقصد إلحاق الهزيمة بها.
ويبدو أن هذا الخلاف ظهر على أشده في صنعاء. فقد وافق رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام الأحمد على «إعلان صنعاء» الذي اقترب من موقف حماس من المبادرة اليمنية أكثر من اقترابه من موقف قيادة السلطة. وقد يكون هناك من فهم أن الاقتراب في الشكل من موقف الحركة الإسلامية قد يقود في الجوهر إلى اقتراب حماس من موقف فتح تجاه الحل الذي تضمنته المبادرة اليمنية.
ولكن ليس هناك من يعرف بدقة موازين القوى بين الأطراف الفاعلة في فتح والسلطة، بحيث يقدر احتمالات نجاح المبادرة اليمنية أو فشلها. فما أن تم الإعلان عن اتفاق صنعاء، الذي رأى في المبادرة اليمنية إطاراً للحوار، حتى بادرت القوى المقربة من الرئاسة الفلسطينية إلى إعلان أن المبادرة للتنفيذ وليست للحوار. بل إن المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، نمر حماد، سارع للقول بأن الاتفاق تم من وراء ظهر الرئاسة، بما يوحي بأن الأحمد ليس مخولاً التوقيع عليه، فيما أشار رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض مع اسرائيل أحمد قريع الى ان الأحمد وقع على الاتفاق بعدما أخفق في التحدث الى عباس، الذي «كان مشغولاً في استضافة» نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني.
ورد الأحمد مشددا على أن «السيد نمر حماد لا يعرف شيئاً»، ومؤكداً انه اتصل بعباس قبل توقيع الاتفاق، امس الاول وبعده، فيما اعتبر المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري ان «تصريحات الرئاسة حول المبادرة اليمنية بعد التوقيع عليها... تمثل خروجاً وتنكراً سريعاً لإعلان صنعاء».
والحقيقة أن موقف الأحمد لا يعبر عن موقف عباس، الذي يتعرض لتجاذبات هائلة من جانب مستشاريه المتناقضي التوجهات. وبرغم انعدام الصلة المباشرة بين «إعلان صنعاء» والوضع الداخلي في فتح، فإن الصلات غير المباشرة كبيرة وكثيفة. وفي هذا السياق يمكن رؤية موقف اللجنة المركزية لفتح من قضية روحي فتوح، الذي أعفته من مسؤولياته ومهامه الحركية بعدما أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ضبطت ألفي هاتف خلوي في سيارته، والصراعات الدائرة في المجلس الثوري لفتح وقاعدتها حول المؤتمر المزمع عقده. فهناك من يريد حل الأزمة مع حماس للتفرغ من أجل إصلاح فتح، وهناك من يريد الصراع مع حماس من أجل تكريس سيطرته على فتح.
وفي كل الأحوال، ثمة حاجة لملاحظة أن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما باتوا لاعبين مركزيين في الحوار الفلسطيني. ولهذا السبب أعلنت مصادر إسرائيلية أنها لن تسمح بتوافق رسمي على تقاسم الحكم في السلطة الفلسطينية مع حماس، مخيرة عباس بين الشراكة مع حماس أو مواصلة المفاوضات معها. وطبيعي أن الموقف الأميركي معروف، وهو الذي كان يمنع الحوار الحقيقي بين الأطراف الفلسطينية.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...