سعاد جروس: تكتب عن الدراما بالطول الملكي الفاخر

29-09-2006

سعاد جروس: تكتب عن الدراما بالطول الملكي الفاخر

الجمل ـ سعاد جروس : هذا العام, أراحتنا الدراما السورية بإنتاجها مسلسلاً واحداً فقط مدته أربع وعشرون ساعة مع التسهيلات. فمن الممكن مثلاً البدء بمتابعته في أي وقت وبأي جزء دون ان يؤثر ذلك على فهم تطور الأحداث. وهكذا بالإمكان الغرف من المتع النفيسة التي يوفرها التجوال اللامحدود من الماضي التليد الى الحاضر المجيد, على امتداد رقعة شاسعة لا تغفل الخيام العربية الأصيلة الأصلية إلى الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية, والأحياء العشوائية المتهالكة إلى الفيلات الفخمة الشاهقة والمتفاقمة, إلى السجون والمعتقلات ومنها إلى ساحات الاعتصام والحريات... إلخ, ناهيك عن وجوه الحياة المختلفة المتقدمة والمتخلفة بتناقضاتها الشديدة التجانس المتناغم, مع تشكيلة واسعة ومتنوعة من القضايا من جميع المقاسات ابتداء بالحجم ذي الإنتاج الضخم قياس الـXXXL ولغاية الأحجام الصغيرة من الـ(S) والسن المحير والولادي والحوامل.
دراما خصبة لم تفتها قصص الحب والكراهية والصراع على المال والنهب والفساد, ومشاكل المرأة والمراهق والعوانس والأرامل والمطلقات والأمهات والمتمردات الباحثات عن الذات والشباب, واللواتي يعانين من حياة محبطة وضائعة, بالإضافة إلى تدخل المخابرات في عمل الصحافة دون نسيان ما أضافه المال السعودي من قضايا تتعلق بنبذ العنف والإرهاب.
دراما لم تترك أحداً يعتب عليها, ولم تفلت شاردة ولا واردة في واقعنا الزاخر العامر بالأفراح والمسرات والمنغصات والكركبات إلا وتناولته من الحد الى الرد, ومن فوق لتحت لتدخله في طبختها الرمضانية, وما عليك عزيزي المشاهد إلا ان تجد الوقت لتتابع ما لذ وطاب من المائدة المتخمة بالممثلين والممثلات, تابع فقط ولا تفكر بشيء حتى بما تتابع, لا ترهق نفسك, فكل هذه المسلسلات صنعت لتسليتك ذهنياً وعقلياً وعاطفياً... تابع بلا كلل أو ملل... تابع دون توقف ولا تقنط من رحمة الله, لا بد من أن يأتي اليوم الأخير من الشهر الفضيل وتعرف في غمرة الدفق الكاسح للأحداث والصور, أسماء الأجزاء التي تتابعها من هذا المسلسل أو ذاك الذي يأتيك بالطول الملكي الفاخر, صحيح أن الممثلين هم أنفسهم وأمكنة التصوير ذاتها, والأساليب الإخراجية متطابقة 99,99€, حتى لا تتغير عليك الأجواء والتقنيات. لكن عليك أن تعلم أن هناك أربعين اسماً لتلك الأجزاء, وعرضها معاً على القنوات الثلاث وعلى الفضائيات العربية, إنما هو تمرين للذاكرة الوطنية, ليس على التذكر, وإنما على الصفح والنسيان والتشتت والضياع, كأفضل الوسائل لحلحلة أعصاب مواطنينا المكربجة والمشدودة من اليأس والتيئيس, إنها الطريقة المثلى لجعل المواطن نموذجياً وعزيزاً معززاً على قلب حكومتنا الرؤوم, يضع رأسه وينام ويرمي همومه إلى الأمام لتأخذها عجلة الزمان إلى الماضي, فلا يسأل عن مراوحة الإصلاح, ولا يتساءل عن التطوير في المكان, ولا عن زيادة أسباب الفقر والتعتير, ولا يشغل البال فيما يضنيه, بعد تخلصه من الأرق, فمن عجائب درامانا خصائصها العلاجية, فقد تصدت للتفكير عنه والنطق بلسانه, وتصدير صورة لائقة عنه للخارج, بنسخة منقحة ومحسنة ومزيدة, تعيد وتفتق وترتق قضاياه وهمومه إلى يوم الدين, لكن طالما الحكي ببلاش والدراما بذهب, لن تغير الدراما ما في قوم, إن لم تغير السلطة ما في نفسها, ولا بأس من شكوى هنا وبكوة هناك, تصلح موضوعاً لحلقة كوميديا تعكس مدى الانفتاح الرقابي وتوسع هوامش التعبير التي يرتع في أفيائها المثقفون والمبدعون, فيقولون تمثيلاً, ما يتداوله همساً جمهورنا الغفير الفقير, وهي من مزايا حرية التعبير المثير غير الخطير, لا يسعنا حيالها سوى الدعاء في ليلة القدر: اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال... ربي لا أسألك رد القضاء, بل اسألك اللطف فيه... اللهم عوضنا عن نشرات الأخبار وبرامج الستربتيز السياسي ومسلسلات الحروب الكلامية السقيمة, بدراما رمضانية عطوفة تعمل من المسلسل حفنة مسلسلات, وتقدم ما يطلبه المشاهدون والمستمعون لدرء شر بوش ورايس وشيراك وبلير, وأخيرا ميريكل, وكل ما يصيبنا في المخططات الدولية من صفق وصفع وركل... ومن يطعم العشرة لن تبقى لديه واحدة للأكل... اللهم لا تتركنا, وأعنا على متابعة كل أنواع المسلسلات المسليات منها وغير المسليات, وساعدنا على تذكر محاسن دولتنا بعد الأكل وقبل النوم وفي الحمام, ودرِّبنا على تجاهل السيئات المغمورة منها وحمد الحسنات المحسنات, فإنما الأعمال بالنيات.
أما العبرة الختامية, فألا تغرنا مظاهر الحياة الهالكة والمتهالكة من حولنا, فلا حياة دون ممات, واسألوا فلاسفة المسلسلات.
 


بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...