سوسيولوجيا الرهبة وأنماط ثقافة الخوف

15-05-2011

سوسيولوجيا الرهبة وأنماط ثقافة الخوف

لا يخفي الكاتب منير الحافظ في كتابه الأخير (سوسيولوجيا الرهبة) الصعوبة التي يواجهها أي باحث في هذا المجال خاصة إذا ما رغب في الدراسة بالتفصيل عن هذه القضية الإشكالية ويرى أن من الجيد دائماً البدء في السؤال وذلك للتعرف على شبكة العلاقات بين الذات البشرية والطبيعة أي العلاقة السجالية بين الانسان والوجود السؤال الذي كان شاغل الذهن البشري على مر العصور منذ مراحله البدائية والتي كان يطرح فيها على شكل تأملات سطحية وصولاً إلى أهم سؤال طرح في التاريخ كما صاغه سارتر الذي قال من هو الآخر؟ وهل هو ما يفصل بين الأنا وذاته؟ وبغض النظر عن سلسلة الإجابات المحتملة التي جاءتنا بعد الفيلسوف الكبير جان بول سارتر يرى الكاتب أن أهم عائق يقف بوجه سيلان الإجابة هو الخوف حيث إن الإنسان يدرك بصورة عفوية أنه مسكون بالرهبة بحكم طبيعته الفطرية أولاً والمكتسبات من علاقته الحسية المباشرة مع الوجود ثانياً وإذا كان قد انبرى في البدء إلى الأسطورة وهو يتطلع في التحرر من أسرية مخاوفه المحكومة بالنواميس المقدسة بالرغم من قناعته الدفينة أنه آيل إلى العدم وبحث عن سعادته حتى في سياقات المعرفة التي مارسها بغاية التعبير الأمثل على السعادة ولم ينفك عن ممارسة طقوس ورقى لدراما شعائرية بحثاً عن توازنه الداخلي المفقود.

ثقافة الرهاب ‏
يتطرق البحث إلى ثقافة الرهاب من عدة محاور كأساطير ثقافة الخوف، ورهاب المقدس ورهاب العدمية وقيمة الجميل في رهاب الجليل والرهاب الوظيفي في البناء الاجتماعي والثقافة بين رهبة المقدس ورهبة التراث وغيرها وفي قسم رهاب تاريخ الحداثة يتحدث الكاتب عن الشعور بالانتماء والخوف كإيقاع زمني في السلوك الأٍسطوري القديم في الأول يدخل في صلب معايير الحداثة على حد تعبير (بيتر بيرغر) وفقدان الشعور بالمكان الذي هو حالة يكف خلالها المرء حرفياً عن معرفة من هو بحيث تصبح الحقيقة موضع شك ويتهدد خطر الفراغ من المعنى كما قال كلارك صاحب كتاب التنوير الآتي من الشرق ويتابع الكاتب: إن فلاسفة الضمير يرون أن البحث عن السعادة هو الغاية الوحيدة من بحث الإنسان نفسه عن شبح الخوف وهكذا يشهد التاريخ على سبيل المثال ما يدفعه ثمناً لهذا العناء والبؤس لقد تمرد القس (ميلليه) على التعاليم الدينية المسيحية- وتصدى له رجال الكنيسة- معتبراً أن هذه الممارسات ليست من وحي إلهي وإنما تمزق عن الأصل لا يسمح به ثم مجدت الكنيسة فيما بعد المجازر والمحارق فالشأن نفسه يتكرر في كل مرحلة تاريخية حداثية ناشئة وهذا ما نشهده اليوم من ظاهرة العولمة وتبنيها ثقافات مشوبة بالقلق والريبة تجاه فقدان معايير منظمة لقيمة الذات الإنسانية ولكن الكاتب يرى أن القلق تجاه العولمة قلق مشروع لدى الشرقيين ويعزو الأمر لعدة أسباب منها التشكيك الذي يمارسه الغرب في التراث ومقدسات وأدبيات الحضارة الشرقية ثم الرواسب التي علقت في قاع الذاكرة الغربية والتي تنظر إلى الشرق منذ العصور الوسطى على أنه أشبه بعالم تسكن كهوفه روح الآلهات العنيفة والمخيفة أيضاً، ولكن الغرب برأي الكاتب كان ولا يزال في سعي دائم للانتقال من التقاليد الثقافية التي رسختها الأسطورة في الذاكرة الجمعية إلى تأسيس منظومة ثقافية متحررة وإزالة (جين الخوف الأسطوري) في العقل التنويري الجديد.. ‏

اليقينيات المذهبية ‏
أما بالنسبة إلى الخوف كإيقاع زمني محدد لتطور ثقافة العصور الأولى فيبحث الكاتب في فكرة السلوك الأسطوري واليقينيات المذهبية والخوف من السقوط كمعايير لتلك الحقب الزمنية المختلفة، وكذلك الخلاص من ملكوت الأرض والتأمل الذي يتصاعد روحياً وهو ممتلئ بالرغبة بالتخلص من الشعور بالذنب منذ أسطورة البدء التي أفصحت عن طرد آدم وحواء من الفردوس بسبب تناولهما تفاحة الشهوة (رمز المعرفة).. ‏

ومن الجدير بالاهتمام أيضاً تطرق الكتاب إلى موضوعة التشكيلات الاجتماعية لما تحتوي من معارف تساعد على استبيان المقومات العقلية للتشكيلات والعوامل التي ساهمت في تأسيسها وبنائها، وإبراز عملية انتقالات الوعي العقلاني الذي هو القاسم المشترك في تنظيم سيرورة التطور المجتمعي.. ‏

الكتاب: سوسيولوجيا الرهبة ‏

الكاتب: منير الحافظ ‏

دار النايا 2011 ‏

كندة السوادي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...