صباح قباني: أصدقاء العمر الجميل

05-04-2007

صباح قباني: أصدقاء العمر الجميل

ما ان تذكر اسم عبد السلام العجيلي حتى يتوهج أمامك كل مايأسرك فيه: الحديث الطلي الممتع،والذاكرة الأدبية المدهشة، والخلق النبيل الأصيل، والتعليق الذكي الساحر.

ولابد لك أن تتذكر ماقاله فيه صديقه الشاعر الراحل. نزار:( عبد السلام: هو أروع بدوي عرفه الحضر، وأروع حضري عرفه البداة). 
 حين تجالسه وتصغي إليه بقلبك وبسمعك وهو يسرد، بلغته العذبة المتدفقة، كما تدفق الفرات، والتي تغمرك كما نسائم البادية أيام الربيع، قصصاً من الشرق ومن الغرب، والتي تكون مزيجاً ثراً من ذكرياته، وطرائف أسفاره، وقراءاته التراثية والحديثة، ويطرز ذلك كله بأشعار يبهرك كيف يجود بها مخزونه الأدبي العجيب؛ أمام هذا كله تجدك توقن أن مجموعته الرائعة( أحاديث العشيات) ليست مجرد كتاب أخرجه للناس منذ خمسين عاماً وانتهى الأمر، وإنما هو حديث متصل متجدد سنة بعد سنة يمتع به المتحلقين حوله من رفاق العمر والسمر. ومن حظي العظيم أنني كنت واحداً من هؤلاء الذين سعدوا بصحبته الحلوة في سنوات ذلك العمر الجميل، وبالجلوس إليه في أماكن شتى من الارض جمعتنا. وكنت عندما ألتقيه. مهما طالت فترات الغياب، أجده هو هو نفسه: الانسان النبيل الأصيل، الوفي لاصدقائه يسأل عنهم حيثما يكونون. فلا يتغير ولايتبدل،سواء التقيته في بولفار سان ميشيل في الحي اللاتيني في باريس. أو في دمشق، أو في واشنطن أو في الرقة، وسواء كان نائباً أو وزيراً، ومسؤولاً سياسياً مهماً أو طبيباً في عيادته الريفية الوادعة. ‏

أما حرصه على اللغة العربية، ووفاؤه لها، فكان شيئاً يفوق الوصف. كان يريد لهذه اللغة أن تبقى سليمة صافية لاتشوبها الشوائب. ‏

ولعل أجمل ماقام به، غيره على لغتنا الجليلية، هو حين بعث ببرقية الى الرئيس جمال عبد الناصر يتأسى فيها على أن الرئيس سمح بأن يكون نشيد الجمهورية العربية المتحدة الوليدة مكتوباً باللهجة العامية الدارجة. ‏

وعندما كنت اعمل في الاذاعة السورية في أواخر الاربعينيات، كان مدير الاذاعة حينذاك صديقه الحميم الأدبي الكبير فؤاد الشائب، ودأب العجيلي، الحريص على سمعة صديقه واذاعته، على لفت نظره من وقت لآخر الى أخطاء لغوية ولفظية يقع فيها المذيعون. وكان أكثر ما يؤذي سمعه حين يجعل المذيع حرف الذال زاياً ويقول:( هنا إذاعة دمشق!) وكان يهتف إلينا من( الرقة) ليشير الى تلك الهفوات التي انطلقت من عندنا، وهكذا رحنا الاستاذ الشائب وأنا، بدورنا نتشدد مع المذيعين ليصلحوا ما اعوج من لسانهم، فأصبحوا ، وهم يهمون بدخول الاستوديو لقراءة نشرة الأخبار أو حديث أدبي، يحذرون بعضهم بعضاً ويقولون:( انتبهوا ياشباب... الدكتور عبد السلام يسمعكم!).‏

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...