ما هو موقع دمشق وأنقرة على خط الصراع القوقازي

16-08-2008

ما هو موقع دمشق وأنقرة على خط الصراع القوقازي

الجمل: يعتبر شرق المتوسط بمثابة المنطقة الفرعية الشرق أوسطية الأكثر تأثراً في العالم بتداعيات الوقائع والأحداث والتطورات الجارية في السياسة الدولية ولجهة هذه الحساسية وتحديداً بالنسبة لسوريا، فإنها تمثل الكيان الشرق متوسطي الرئيسي لجهة حيوية التعامل مع الأحداث الدولية وتداعياتها.
* النزاع القوقازي: أبرز التساؤلات الحرجة:
حتى الآن ظلت التحليلات تتطرق لملف الصراع القوقازي الدائر حالياً بين جورجيا وروسيا وفي أحسن الأحوال تجاوزت بعض التحليلات هذا المنظور الإخباري – التقريري إلى منظور الصراع بين روسيا وأمريكا.
التدقيق الفاحص في مضمون الإشارات المتعلقة بوقائع الصراع القوقازي ومحاولة تأطير البنية الداخلية وبيئة الصراع الخارجية يمكن أن يساعدنا في التعرف على بعض الأسئلة الحرجة المتعلقة بالوضع الراهن ومن أبرز هذه الأسئلة:
• هل ستنسحب القوات الروسية من جورجيا؟
حتى الآن لا توجد إجابة قاطعة حول هذا السؤال مع ملاحظة أن روسيا ما تزال متمسكة بضرورة الاحتفاظ بوجودها العسكري في جورجيا لجهة حماية الأقليات الموجودة في منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية.
• هل ستتخلى أمريكا عن جورجيا؟
حتى الآن لا توجد إجابة قاطعة حول هذا السؤال مع ملاحظة أن واشنطن ولأول مرة منذ فترة طويلة بدت وهي أكثر سلبية إزاء حلفائها المخلصين مثل جورجيا.
• هل سيسقط نظام الرئيس ساخاشفيلي الموالي لأمريكا؟
حتى الآن لا توجد إجابة قاطعة مع ملاحظة أن الضغط الداخلي على النظام يمكن أن يهدأ إذا وجد النظام الدعم الخارجي الأمريكي – الأوروبي المطلوب.
* النزاع القوقازي وإشكالية تعارض النظريات التفسيرية:
انقسمت التحليلات السياسية إزاء صراع جورجيا – روسيا إلى فريقين هما:
• القائلون بالنظرية التفسيرية التي تزعم بأن روسيا هي الرابحة وجورجيا هي الخاسرة بدليل المعطيات العسكرية – الأمنية الميدانية القائمة حالياً في المسرح الجورجي ويتحدث أصحاب هذه النظرية حالياً عن خطة سلام جورجيا ومدى فعاليتها في إدارة دفة الأزمة القوقازية خلال الفترة المقبلة التي ستشهد برأيهم صعود النفوذ الروسي في القوقاز وتراجع النفوذ الأمريكي.
• القائلون بالنظرية التفسيرية التي تزعم بأن واشنطن قد استطاعت استغلال وتوظيف سيناريو هزيمة جورجيا من أجل المضي قدماً في تنفيذ مخطط تطويق روسيا وبالتالي فإن موسكو ميدفيديف – بوتين قد وقعت في الفخ الذي نصبته لها واشنطن بدليل أن أوكرانيا وبولندا أصبحتا ضمن دائرة النفوذ الأمريكي التام خاصة أن العملية العسكرية الروسية ضد جورجيا قد دفعت أوكرانيا وبولندا إلى الشعور بمخاطر احتمالات عودة النفوذ الروسي ومن ثم سارعتا إلى الموافقة على الشروط الأمريكية والقبول بنشر بطاريات مشروع الدفاع الصاروخي الأمريكي ضمن أراضيهما على النحو الذي سيشكل خطراً وتحدياً حقيقياً على الأمن الروسي يتطابق تماماً مع إذا كانت روسيا قد نشرت بطاريات صواريخها الموجهة ضد أمريكا في كوبا والمكسيك وكندا.
* سوريا والصراع القوقازي:
من المتوقع أن تتأثر سوريا وتؤثر في الصراع القوقازي طالما أن سوريا لم تكن غائبة عن هذه المنطقة وتؤكد معطيات الخبرة التاريخية أن سوريا كانت دائماً تمثل جزءاً متفاعلاً مع ما يحدث في هذه المنطق وحالياً نجد أن الكثير من شعوب القوقاز قد هاجرت بفعل الظروف المختلفة واستقرت في سوريا وثمة مثال واضح لذلك في حالة ذوي الأصول الأرمنية الذين أصبحوا ضمن شعوب منطقة شرق المتوسط في سوريا ولبنان وغيرهما.
موجة الهجرة والنزوح بفعل تأثيرات وضغوط النزاع الجورجي – الروسي ما زالت ضمن المنطقة القوقازية ولكن في حالة اتساع دائرة الصراع والنزاع فإن سوريا وتركيا ستأخذان بلا شك حصتهما من اللاجئين والنازحين كما جرت العادة منذ مئات السنين.
* سوريا والتداعيات الجيوبوليتيكية للصراع القوقازي:
يرتبط المنظور السوري لمعطيات وقائع وأحداث وتطورات السياسة الدولية والإقليمية ارتباطاً وثيقاً بالصراع العربي – الإسرائيلي وذلك لأن سوريا وبكل بساطة ووضوح تخوض صراعاً مع محور واشنطن – تل أبيب من أجل استرداد حقوقهما العادلة المشروعة وهذا الجانب يمثل أحد المحددات والثوابت الرئيسية للسياسة الخارجية السورية وبكلمات أخرى فإن سوريا غير مطالبة بمساندة من يساند محور واشنطن – تل أبيب في استهدافه ضد سوريا. وحتى الآن يمكن رصد المحاور الآتية لتداعيات الصراع القوقازي:
• بدأ الموقف التركي يميل بوضوح إلى جانب الموقف الأمريكي – الإسرائيلي إزاء الصراع وحتى الآن لا توجد تفسيرات واضحة حول طبيعة هذا الموقف وما هو موجود لا يتعدى مجرد التساؤلات الآتية:
- هل الموقف التركي نابع من خصوصية علاقات تركيا مع منطقة القوقاز؟
- هل الموقف التركي نابع من مفهوم حماية المصالح التركية المتعلقة بمشروعات تمرير النفط والغاز ضمن أراضيه وهو ما تتصارع حوله واشنطن وموسكو؟
- هل الموقف التركي نابع من خصوصية الوضع الداخلي التركي خاصةً وأن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد نجا بأعجوبة من مصيدة المحكمة الدستورية العليا التركية التي تم نصب شراكها بواسطة محور تل أبيب – واشنطن وبالتالي أصبحت أنقرة تحاول السير أكثر فأكثر إلى جانب محور واشنطن – تل أبيب تفادياً للمصاعب والعمل أكثر فأكثر لإقناع هذا المحور بعدم ضرورة استهداف أنقرة طالما أنها ستلتزم بالوقوف إلى جانب المشروع الأمريكي في مواجهة مشروع النفوذ الروسي على القوقاز. وكما نعلم فإن سوريا أكثر اهتماماً بضرورة إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق متوسطية وبالتالي فإن وقوف أنقرة إلى جانب محور واشنطن – تل أبيب سيشكل ضرراً بالغاً لأمن واستقرار شرق المتوسط والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأدنى المتمثل في إيران إضافةً إلى احتمالات تغذية نزعة التعنت الإسرائيلي في محادثات السلام السورية – الإسرائيلية غير المباشرة والجارية الآن برعاية تركية.
• نشر بطاريات الدفاع الصاروخي في أوكرانيا وبولندا إضافةً إلى تشيكيا سيترتب عليه إضعاف القوة الاستراتيجية الروسية وهو أمر سيترتب عليه إضعاف السياسة الخارجية الروسية إزاء شتى مناطق العالم بما في ذلك منطقة شرق المتوسط وتحديداً سوريا، الأمر الذي سيعزز احتمالات ضرب إيران وتعزيز أطماع إسرائيل ونواياها الهادفة إلى شن الحروب العدوانية التوسعية.
• راهن محور واشنطن – تل أبيب على دعم نظام الرئيس الجورجي ساخاشفيلي من أجل تنفيذ مخطط نقل نفط بحر قزوين وآسيا الوسطى إلى تركيا ثم إسرائيل ونجح هذا المحور في تأسيس حلف غوام العسكري – الأمني الذي يضم جورجيا وأذربيجان إضافةً إلى ثلاثة دول أخرى، والخطوة الثانية هي إقامة شراكة أمنية – عسكرية بين حلف غوام وإسرائيل وشراكة أخرى بين حلف الناتو وحلف غوام وبعدها تكون إسرائيل قد وجدت الذرائع والمبررات للتدخل في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى وتمهيداً لذلك، أسس الفكر الاستراتيجي العسكري – الأمني الإسرائيلي نظرية تأمين الحدود الشمالية وهو مفهوم سائل منفتح ينظر إلى المنطقة الممتدة من إسرائيل وحتى القوقاز وآسيا الوسطى باعتبارها تتدرج ضمن الحدود الشمالية الإسرائيلية وتأسيساً على ذلك فإن سقوط نظام ساخاشفيلي سيترتب عليه بالضرورة انهيار نظرية تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية إضافةً إلى انهيار مشروع تمديد شبكة أنابيب النفط إلى إسرائيل.
عموماً، على الصعيد الكلي فمن المتوقع أن تنطوي أزمة جورجيا على الكثير من التداعيات الحرجة التأثير على مسار التفاعلات الدولية وعلى وجه الخصوص مشروع محور واشنطن – تل أبيب المتعلق بالأداء السلوكي السياسي إزاء الأقاليم السياسية وتشير التسريبات إلى أن الخلافات قد دبت في أوساط الإدارة الأمريكية حول الطريقة المثلى للتعامل مع موسكو وحلفائها ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما ألقى بظلاله على حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وعلى وجه الخصوص معسكر الجمهوريين بزعامة المرشح جون ماكين الذين رأوا في تصرف موسكو تحدياً خطيراً للمصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي يتوجب الرد عليه باتخاذ المزيد من الإجراءات الحازمة ضد موسكو.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...