مدرس جامعي يبتكر مادة لعلاج الأسنان مؤلفة من إسمنت وخمسة أكاسيد معدنية

10-10-2011

مدرس جامعي يبتكر مادة لعلاج الأسنان مؤلفة من إسمنت وخمسة أكاسيد معدنية

لا تتوقف الشجون التي يثيرها اختراع الدكتور «ميسور آل رشي» عند حواف المنغصات التقليدية التي تحيق بقطاع الابتكار الوطني، بل تتعداها إلى أبعاد عميقة، أسهم في تجسيدها ذلك التجاذب الذي شهدناه على مدى الأسبوعين الأخيرين حول قرار منع الاستيراد للسلع التي تزيد رسومها الجمركية على 5%.
 
بطبيعة الحال، يبدو من السهولة بمكان توقع طبيعة الاختراع الذي توصل إليه الدكتور آل رشي، هذا الطبيب الشاب الذي حصل في عام 2007 على درجة «الدكتوراه» من جامعة دمشق في تخصص «مداواة الأسنان» بتقدير ممتاز عن بحث سريري استغرق أربع سنوات بعنوان «التقييم السريري والشعاعي والنسيجي لمادة الـ(MTA) والاسمنت البورتلندي المحلي وماءات الكالسيوم كمواد تغطية لبية مباشرة عند الإنسان».
وفي حيثيات اختراعه «رقم 5770» بعنوان (مادة دوائية حديثة «مادة 5MO» ذات استخدامات واسعة في مجالات طب الأسنان)، يلفت ذلك التطابق مع البند الثالث من «قسم الصحة» في لائحة المواد التي استثنتها الحكومة من قرار تعليق الاستيراد «قبل إلغائه»، ونقرأ فيه: «الاسمنت السني وغيره من المنتجات المستعملة في حشو الأسنان والاسمنت المستعمل لترميم العظام».
لائحة الاستثناءات التي أرفقتها وزارة الاقتصاد والتجارة بقرار المنع «تبعا لاعتبارات «الضرورية.. وعدم وجود بديل محلي»، تثبت للمرة الألف أن المعنيين في الوزارة لم يلتفتوا يوماً إلى تشجيع البدائل المحلية ذات القيمة المضافة التنافسية مع مقابلاتها المستوردة، ما يثبت بدوره، وللمرة الألف أيضا، أن استسهال الحلول من عيار «منع الاستيراد» لتقييد استنزاف القطع، إنما يرتكز على استنزاف مواز لأدوات سيادية وقانونية تستسهلها الحكومة، وسط غياب مستمر للرؤى الاقتصادية المبتكرة التي ترتكز على مقومات السوق المحلية وإمكانياتها..
وفر كبير بالقطع والكلفة..
فهل يفعلها وزير الاقتصاد والتجارة؟
لأنه يعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى حاجتنا إلى حماية «القطع الأجنبي» من التبذير، قد تكون الفرصة مؤاتية أمام وزير الاقتصاد والتجارة للنظر إلى لوائح الاختراع التي انتجتها العقول الوطنية، عله يجد بين جنباتها ما يثلج مخاوفه حيال تبديده.
مادة «5MO» التي ابتكرها الدكتور آل رشي، تعد بديلا محليا من سلعة نستورد منها سنويا ملايين الغرامات لسد حاجتنا من حشوات التطبب السني، وللوقوف على حجم القطع الذي يستنزفه استيرادها، يكفي أن نعلم بأن كل «ضرس» أو «سن» مصاب في فم السوريين الـ23 مليوناً، يحتاج إلى غرام واحد من المادة المستوردة، آخذين بالحسبان سعره الذي يقارب 4 آلاف ليرة سورية.
ولعل رجال الاقتصاد أكثر القادرين على توقع حجم الوفر السنوي الهائل في القطع، إذا ما تم التوصل إلى صيغة استثمارية لإنتاج هذه المادة داخل سورية مستندين إلى الوفرة المحلية لموادها الأولية، بما يحقق، ليس فقط حماية للقطع، وإنما أيضاً خفضا في الكلفة الكلية للمنتج بحدود 70%، ما يخفف بدوره أكلاف التطبب على المواطنين ممن تمنعهم إمكانياتهم المادية -في أغلب الأحيان- من زيارة طبيب الأسنان الذي تئن علاقته بمرضاه تحت وطأة غلاء مواده الأولية.

مسيرة اختراع منافس
يقول الدكتور آل رشي الذي يرأس اللجنة العلمية في الجمعية السورية لمداواة الأسنان، في حديثه لـ«الوطن»: مادة «5MO» جديدة في طب الأسنان، وهي عبارة عن اسمنت مؤلف من خمسة أكاسيد معدنية أساسية حيوية تم ابتكارها بهدف استخدامها في العديد من المجالات في طب الأسنان». ويضيف آل رشي: «أحدثت مادة الـ«MTA» ثورة كبيرة في طب الأسنان تبعا لما أتاحته من استغناء عن استئصال لب السن وقلعه في كثير من الحالات التي تستوجب ذلك، إلا أن الغلاء الفاحش لثمنها ساهم في الحد من انتشارها واستخدامها في عيادات طب الأسنان بشكل واسع سواء على المستوى المحلي أم العالمي، الأمر الذي دفعني إلى ابتكار مادة «5MO» التي تمتلك الخواص العلاجية نفسها لـ«MTA» مع تفوقها في بعض الخواص الميكانيكية والفيزيائية والحيوية.
وفي سرد تاريخي يبين آل رشي أن مادة ماءات الكالسيوم اعتبرت لعقود طويلة من أهم المواد المستخدمة كمادة مغطية للب السني بسبب قبولها الحيوي وتحريضها على تشكيل جسرٍ من العاج الإصلاحي، حيث اختيرت كدواء نخبوي في بتر اللب والتغطية اللبية، إلا أن ذلك لم يخف بعض سيئاتها ومنها قابليتها للانحلال وخواصها الفيزيائية والكيميائية المتدنية نسبياً.
ومع بداية التسعينيات يضيف- آل رشي- ظهرت مادة الـ«MTA» لتكون تطوراً مهماً من حيث انسجامها الحيوي الرائع وفعاليتها العلاجية، مشيراً إلى أن الدراسات المخبرية أظهرت أن مادة الـ«MTA» ليست مجرد مادة حيادية فقط، بل يمكن أن تحرِّض تشكل النسيج الصلب بشكل فعال، ما أفضى إلى انتشارها الواسع عقب حصولها على الموافقة من منظمة الغذاء والدواء الأميركية عام 1998.
ويوضح آل رشي: إن التوصل لمادة «5MO» تم على خلفية بحث لنيل رسالة ماجستير في كلية طب الأسنان في جامعة دمشق بالتعاون مع المركز الإقليمي للأبحاث والتوجيه في منظمة الصحة العالمية خلال الأعوام «2003-2007»، تناولنا خلاله مقارنة بين مادة الـ«MTA» و«ماءات الكالسيوم» عند استخدامهما كضمادين فوق اللب الحي بعد بتر اللب في الأسنان الدائمة لدى الإنسان، ما أظهر تفوقا لمادة الـ«MTA» بشكل واضح في تحقيق الشفاء اللبي.
ويضيف آل رشي: إن الثمن الباهظ لـ«MTA» حيث يساوي الغرام الواحد منها قرابة 4 آلاف ليرة سورية «يكفي لعلاج سن واحدة» كان حافزاً للتفكير في ابتكار مادة تمتلك خواصها العلاجية نفسها، وما أمكن من تطوير في مناحيها الفيزيائية والميكانيكية والحيوية، بثمن أرخص.
ويبين آل رشي: من هنا عملت على تطوير مادة «Five Mineral Oxides-5MO» المؤلفة من خمسة أكاسيد معدنية أساسية، إضافة إلى مكونات إضافية من شأنها تحسين الخواص الفيزيائية والميكانيكية والحيوية وخواص التطبيق للمادة.

جدوى اقتصادية
ويبين الدكتور آل رشي أنه في بداية عام 2003 بدأت بالعمل على تحضير مادة «5MO» لاستخدامها كمادة بديلة من مادة الـ«MTA»، وذلك ضمن بحث خاص لنيل شهادة الدكتوراه بالتعاون مع جامعات دمشق والبعث والمعهد العالي للبحوث والدراسات وهيئة الطاقة الذرية.
وأشارت الدراسات التي استغرقت أربع سنوات إلى أن مادة «5MO» تمتلك خواص مادة «MTA» نفسها من حيث الاستخدامات وآلية التأثير وفوائد مادة «MTA»، بإضافة إيجابية في الخواص الميكانيكية وقابلية السد ومضادية الجراثيم، ناهيك عن كونها ذات ثمن أرخص بكثير يقترب من ثلث الكلفة.
وبين آل رشي أن الميزة الأساسية لمادة «5MO» هي وجود أوكسيد التيتانيوم بنسبة عالية، تلك المادة التي تضيف لها خواص عدة كالمتانة والقبول الحيوي النخبوي، والقوام اللزج للمزيج بخلاف مواد الـ«MTA» والـ «PC» ذات القوام الهش وصعبة التطبيق، وغير ذلك من الميزات ذات العلاقة بالخواص الفيزيائية والميكانيكية والحيوية.
وأشار آل رشي إلى أن مادة الـ«5MO» تستطب في التطبيقات السريرية كمادة تغطية مباشرة عند الانكشافات اللبية الصغيرة «أقل من2مم» عند الإنسان، وكضماد لبي بعد بتر اللب الحي في الانكشافات الواسعة، كما تستطب لسد ومعالجة انثقابات مفترق جذور الأسنان ومعالجة الامتصاصات الخارجية والداخلية في جذور الأسنان، إضافة إلى معالجة الانثقابات الجذرية وكمادة حشو راجع بعد عملية قطع الذروة، ومحرضة للتولد والتكلس الذروي.

حسان هاشم

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...