مدرسة حكومية بمصر تفرض الحجاب على طالباتها المسيحيات

14-03-2007

مدرسة حكومية بمصر تفرض الحجاب على طالباتها المسيحيات

لا تندهش إذا قالت لك طالبة محجبة بمدرسة العياط الثانوية الصناعية أن اسمها «ماريان» أو «جاكلين» ولا تتعجب إذا لمحت صليبا على معصم أخرى محجبة بالمدرسة أو معلقا على صدرها.. لا تدقق فيه.. نعم إنه صليب وليس مفتاح الحياة أو شكلاً يشبه الصليب.. فالحجاب فى المدرسة الثانوية الصناعية للبنات الحكومية بالعياط هو فرض على كل طالبة مسيحية كانت أو مسلمة! ففيما يبدو أن مدرسة العياط الثانوية بنات تحرص على تطبيق مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فغطاء الرأس كما يقول مدير المدرسة هو فرض على الكل حتى لا يكون هناك فرق بين المسلمة والمسيحية وأن هذه تعليمات وزارية وينفذها، بينما يؤكد مستشار الوزير أن فرض الحجاب هو انتهاك صريح للقانون يستوجب العقوبة وتقول التلميذات المسيحيات إن امتناعهن عن ارتداء الحجاب يعرضهن إلى عقوبة تصل إلى المد على القدمين وتباينت ردود أفعال الأهالى.

فكما تعودت تلميذات المدرسة على الرضوخ للمناهج التعليمية المكدسة دون اعتراض أو حتى تساؤل وكما يحضرن الحصص الثمانية المفروضة عليهن رغم عدم الاستفادة من معظمها وكما لم يفكرن فى إشهار قانون منع الضرب فى وجوه مدرسيهن لم يخطر على بالهن أن يعترضن على ارتداء الحجاب الذى تفرضه إدارة المدرسة عليهن تحت مسمى الإيشارب أو غطاء الرأس. إحدى الطالبات التى خرجت من الفصل بمنتهى السهولة ولنقل إن اسمها «مارى» حتى لا نعرضها للتعسف من قبل الإدارة.. سألناها لماذا ترتدين هذا الإيشارب؟ أجابت بنظرات خوف تشوبها علامات استفهام وقد أخذت تحكم رابطة الإيشارب: «يجب أن نرتدى الحجاب كلنا فى المدرسة».
ــ لكنك مسيحية؟!
ــ يقولون لنا يجب أن نرتديه كلنا.. لا يقولون مسيحية أو مسلمة
. ــ ماذا إذا لم ترتديه؟
ــ تشخط الأبلة فى وجهى وتقول لى غطى نفسك.. شعرك عريان.
ــ وماذا إذا لم تستجيبى؟
ــ تضربنى.
ــ على يديك؟
ــ نعم وعلى رجلى فى بعض الأحيان.
ــ ألم تفكرى فى الاعتراض؟
ــ لا.. فكلنا نرتديه وخلاص.. تعودنا عليه وليس فى يدينا شىء.

تشابهت معظم ردود الفتيات مع ردود «مارى» فجاءت هكذا.. «لا نستطيع أن نخلع الحجاب.. يعاقبوننا».. «أخلعه أحياناً عندما تكون المدرسة خارج الفصل وأرتديه فور دخولها».. «بالطبع لا نرتديه خارج المدرسة بل نتخلص منه على باب المدرسة».. «يشددون عليه جداً خاصة فى طابور الصباح وبعدها نرخيه بعض الشىء».. «لازم نلبسه أول ما نشوف أبلة «عزيزة».. فهى أكثر واحدة تشدد على الإيشارب. وإجابة عن السؤال لماذا لا ترفضن ارتداءه أو حتى تبدين اعتراضكن عليه؟! قالت الفتيات: «من باب الحفاظ على كرامتنا».. «عشان مانتهزأش».. «كلها سنتين ونخلص منهم.. على إيه العناد ووجع القلب» وطالبة واحدة قالت: «أنا لا أرتديه إلا فى طوابير الصباح وأخلعه بعد ذلك وأضعه فى حقيبتى ولا أرتديه إلا حينما تطلب منى الأبلة أن أرتديه». بينما تعجبت بعضهن من السؤال وهؤلاء أجبن باستنكار «عادى يعنى.. إيه المشكلة؟»... «لماذا نعترض فنحن نرتديه مثل بقية الطالبات».

لا تحدق هكذا داخل الفصل.. فهذه حصة دين مسيحى وهذه التلميذة المحجبة الواقفة بجانب التختة تقرأ جزءاً من كتاب الدين المسيحى وليس جزءا من كتاب القراءة أو التاريخ.. فالطالبات فى هذه المدرسة لا يخلعن الحجاب حتى داخل حصة الدين المسيحى.. فكيف يبررن موقفهن إذا دخل عليهن شخص من الإدارة؟

اللافت للانتباه أن غطاء الرأس هو القطعة الوحيدة فى الزى المدرسى التى تشدد عليها إدارة المدرسة ويحرص المدرسون على التأكد من وجودها بل ربما أهم وظيفة لطوابير الصباح هى التأكد من أن كل الطالبات ترتدين الحجاب والوظيفة الأساسية لأبلة «عزيزة» التى ترتعب الطالبات بمجرد رؤيتها هى التشديد على غطاء الرأس وفيما عدا ذلك لا يهم.. فهناك طالبات ترتدين «مريلة» وأخريات ترتدين «جيب» وبعضهن يرتدى العباية والخمار وهناك من ترتدى قميصا ومن ترتدى «بلوفر».. لا يهم.. المهم غطاء الرأس. بل من الواضح أن تغطية الشعر هو القانون الوحيد الذى تحرص الإدارة على تنفيذه، ففى أثناء اليوم الدراسى تجد عشرات الرؤوس البيضاء يجرين فى الطرقات ويتنقلن بين الفصول فى حرية تامة وبين الحين والآخر تظهر مدرسة فى الأفق تصرخ فى وجوههن فيتدافعن إلى الفصول ولا تمر بضع دقائق حتى يخرج غيرهن، هذا فضلاً عن دخولنا المدرسة بل والتجول بين الفصول دون أن يعترض أحد.

ولم ينكر مدير المدرسة التنفيذى «مجدى فكرى» قيام مدرسته بإجبار المسيحيات على ارتداء الحجاب بل أكد أنها تعليمات يجب أن ينفذها.. والذى سألناه عن شروط الزى المدرسى فى مدرستكم؟
أجاب: مدرستنا بصفتها مدرسة ثانوى ترتدى الطالبات زيا عبارة عن (بلوزة) بيضاء و (جيب) كحلى وغطاء للرأس وممنوع طبعا (البنطلون) والكلام ده أو أى اكسسوارات.

من الذى يحدد هذه المواصفات؟
ــ هى مواصفات عامة من الإدارة التعليمية يجب أن ننفذها.

هل هذه المواصفات تتضمن غطاء الرأس؟
ــ نعم (قالها بشىء من الغمغمة).

وما عقوبة من يخالف هذه المواصفات؟
ــ العقوبة من المفترض أن تكون وكما قال السيد الوزير هى الطرد من المدرسة.. فمخالفة الزى المدرسى هو الشىء الوحيد الذى تكون عقوبته الطرد طبقاً للقرارات الوزارية.. لكننا بالطبع لا نطبق ذلك بدقة هنا فلدينا طالبات من مختلف القرى والطبقات.

ألا يعترض أهالى الطالبات غير المسلمات على مسألة غطاء الرأس هذه؟
ــ لا.. لا يعترضون والحمد لله، بل على العكس يكونون مبسوطين.. فالطالبات يجب أن يكنَّ واحدا بحيث لا أفرق بين المسلمة وغير المسلمة وكلهن يلتزمن.. هذه تعليمات وننفذها.

لكن «غريب فرج» المدير غير التنفيذى بالمدرسة نفى تماماً ما تأكد لدينا من أن المدرسة تفرض غطاء الرأس على غير المسلمات مشدداً على أنهم يتركون الطالبات على حريتهن. إلا أن إحدى خريجات المدرسة وتدعى «هبة» تقول: إن بعض أهالى الطالبات المسيحيات أبدوا اعتراضهم على إجبار بناتهم على ارتداء غطاء الرأس فأصدر المدير آنذاك قراراً بأن على من لا تريد أن ترتدى الحجاب أن تحضر خطابا موقعا من والدها يفيد بذلك مما حل المشكلة لفترة إلا أن الأمر تغير وعاد الوضع على ما هو عليه. ويجيب «عبد الونيس» رئيس الإدارة التعليمية بالعياط عن سؤالنا بتساؤل وذلك بعد صمت طويل وتدخين نصف سيجارة: «هو غطاء الرأس جزء من الزى المدرسى؟.. لم أسمع عن ذلك من قبل» ونفى علمه عن ذلك محيلاً المسئولية إلى رئيس إدارة التعليم الفنى بالمديرية «مهدى عبد الحميد» والذى نفى حق أى مدرسة فى فرض غطاء الرأس فتغطية الشعر هى حرية شخصية فأنا لا أستطيع أن أجبر طالبة مسيحية أن ترتديه. وبمواجهته بالقوانين التعسفية التى تطبقها المدرسة الثانوية الصناعية بنات وكلام مديرها عاد وقال: «نعم غطاء الرأس كان أحد أجزاء الزى المدرسى المنصوص عليها فى القرار الذى أرسلته إلينا وزارة التربية والتعليم فى عهد د. «حسين كامل بهاء الدين» والذى مازلنا نعمل بمقتضاه حيث ينص القرار على أن يكون الزى المدرسى «جيب» كحلى و«بلوزة» بيضاء وغطاء رأس أبيض.

وتفسيراً لتناقض كلام «مهدى» وهمهمة «مجدى» وتساؤل رئيس الإدارة التعليمية يشرح «حسن البيلاوى» مستشار وزير التربية والتعليم هذا اللبس قائلاً: «هناك تعليمات وقرارات وزارية تضع شرطاً لارتداء غطاء الرأس وهو أن يكون لونه أبيض.. فعبارة غطاء شعر أبيض تعنى أن من تريد أن ترتدى غطاء شعر يجب أن تلتزم باللون الأبيض حتى يتماشى مع لون البلوزة البيضاء وليس معناها أن غطاء الرأس هو جزء إلزامى من الزى المدرسى» كما أن ناظر المدرسة الذى يفرض الحجاب على الطالبات هو يخالف بذلك كل القوانين والقرارات الوزارية ويعرض نفسه إلى عقوبة تصل إلى النقل الفورى. أما أهالى أولئك الطالبات الذين يعيشون فى القرى المحيطة بالعياط ومعظمهم من البسطاء والأميين فقد اختلفت أراؤهم، فمنهم من يرى أن ذلك أفضل لبناته فهم صعايدة وغطاء الرأس عادة ريفية ومنهم من هو ممتعض لكنه لا يعلن امتعاضه خوفاً على مستقبل البنات ومنهم من حاول إبداء رأيه وفشل فى تغيير الأمر الواقع.

تقول إحدى الأمهات وقد اندهشت من سؤالى «ولِمَ لا؟ طالما أن المدرسة لا تجبرهن على فعل شىء معيب فلماذا نتضايق؟» وقالت أخرى: «غطاء الرأس ليس شيئاً معيباً».. وتساءلت إحداهن: «وماله مادامت المدرسة تريد ذلك.. ما المشكلة.. ما أنا أغطى شعرى». وتفسر هذه الردود ما قاله مدير المدرسة من أن أهالى الطالبات المسيحيات يكونون (مبسوطين) من فرض المدرسة لغطاء الرأس وتشديدها عليه.. إلا أن ما قاله السيد المدير لم يكن الحقيقة كلها ولا حتى نصفها حيث جاءت ردود البعض الآخر من الأهالى وهم الأكثر لتعبر عن قلة الحيلة والاضطرار للرضوخ فكان كلامهم من عينة «نعمل إيه طب مش هنقاتل معاهم».. «عيالنا يتبهدلوا لو اشتكينا.. إحنا مش ناقصين».. «إحنا غلابة ومانقدرش نعترض على القانون».. وأم يبدو عليها أنها متعلمة قالت: «يعنى نعمل فتنة طائفية؟» وغير ذلك من الردود الشبيهة. المدرستان الوحيدتان اللتان تفرضان الحجاب كجزء من الزى المدرسى كما أكد لنا أهالى العياط وقريتى «بمها» و«طهما» المحيطتين بها هما المدرسة الثانوية الصناعية وأخرى إعدادية تدعى مدرسة «الروضة الإعدادية» «بقرية متانيا».. إذ تقول والدة إحدى طالبات الصف الأول الإعدادى بمدرسة الروضة الإعدادية: «حاولت أن أشتكى وأن أعترض على إجبار طفلتى على تغطية شعرها إلا أن المدرسة أصرت على موقفها وقالت لا دخول إلى المدرسة إلا بغطاء الرأس».. وقالت إحدى الفتيات: «أنا أختى فى الصف الثانى الإعدادى وتعانى من هذا الموضوع.. إما غطاء الرأس أو العقوبة والطرد من الفصل».. إلا أنهم أجمعوا على أن مدارس الثانوى العام والتجارى لا يجبرون الطالبات على ارتداء غطاء الرأس بل على العكس ففى مدارس البنات أحياناً تخلع المسلمات الحجاب وهذا ما تأكدنا منه بزيارة قصيرة إلى المدرسة الثانوية التجارية والتى أكدت مديرتها أن المسيحيات يكشفن شعرهن دون أى اعتراض من إدارة المدرسة، مما يزيل احتمال أن يكون فرض غطاء الرأس عرفاً أو ثقافة ريفية.

ويعلق القمص «مكارى» كاهن كنيسة العياط على ذلك قائلاً: إنه تأتيه بعض الشكاوى من الحين للآخر لكنها قليلة جداً وأكد أنه لم يتدخل فى مثل هذا الأمر من قبل وأنه لا ينوى أن يتدخل وذلك لأن الكنيسة بالعياط بها الكثير من المشاكل وهناك كنائس فى قرى العياط مازالت فى حاجة إلى استخراج تراخيص رسمية مما اعتبره مشاكل أضخم بكثير من فرض غطاء الرأس على المسيحيات فزوجته وهى من عائلة كهنة وقمامصة تغطى شعرها فى الشارع.

لكننى أتحدث عن أطفال إعدادى؟
ــ إيه المشكلة.. مادام مش بيعملوا حاجة غلط.. فيه حاجات أهم بكتير. وتعليقاً على ذلك أوضح د. «حسن البيلاوى» أن سبب وجود مثل هذه الانتهاكات هو سلبية الأهل الذين للأسف لا يبلغوننا عنها خاصة فى المدن والقرى الصغيرة التى يكون الموظف الحكومى بها له هيبة، هذا فضلاً عن أن عادة ما يرجع ناظر المدرسة مثل هذه القرارات إلى الدين والفضيلة.. فالقهر له أساليب وألوان متعددة.. وهذه القضية مهمة جداً والأهالى الذين يصمتون عن ذلك هم يشاركون فى دفن صغارهم. مدرستا العياط الحكوميتان ليستا الحالتين الوحيدتين من نوعهما فقد سبق وحاولت بعض المدارس فرض الحجاب حتى تم منعهم من ذلك من قبل الوزارة بالفعل.. فقد تسببت مدرسة «القلج الإعدادية المشتركة» منذ ست سنوات فى إثارة مشكلة بين الأقباط والمسلمين لإصرار ناظرها آنذاك على فرض الحجاب على المسيحيات مما جعلها جديرة بأن تسمى مدرسة «القلق» الإعدادية.

الأسر المسيحية كعادة الأقباط تلجأ إلى الكنيسة فى الأزمات بدلاً من مؤسسات الدولة لذلك توجهنا إلى كنيسة العذراء والقديس أبانوب الموجودة بالصفوة إلا أن كل محاولات كاهن الكنيسة بإقناع ناظر مدرسة القلج بالتخلى عن قراراته باءت بالفشل وعلل موقفه بأن هذا هو الزى المدرسى وليس له علاقة بالدين. المشكلة لم تتوقف عند فرض غطاء الرأس بل إن المشكلة الأكبر والتى تسببت فى الفتنة بين الطلبة هى الشعار الذى كانوا يرددونه فى طوابير الصباح «الله إلهنا والإسلام ديننا ومحمد نبينا والقرآن كتابنا!» والذى أصر عليه ناظر مدرسة القلج هو شعار المدرسة منذ ما يزيد على عشرين عاماً ولن يتغير!»..

وظل الوضع على ما هو عليه حتى صدرت قرارات بتغيير الناظر وجاء مكانه الناظر الحالى الذى ألغى كل هذه القرارات كما أكدت لنا طالبات المدرسة..
ويؤكد «فرج عبد الحليم» مدير إدارة الخانكة التعليمية التى تتبعها مدرسة القلج ذلك قائلاً: «نحن لا نجبر أحداً على ارتداء غطاء للرأس فمن تريد أن تغطى شعرها فهى حرة» وأى مدرسة تفرض الحجاب يكون ذلك بناء على توجه شخصى من ناظر المدرسة وهو توجه مرفوض. ويقول مدرس بإحدى المدارس الحكومية بـ «خصوص» والذى طلب عدم ذكر اسمه أن ناظر المدرسة ضرب طالبة مسيحية لأنها رفضت إرتداء غطاء الرأس مما تسبب فى إصدار قرار فورى بتحويله إلى التحقيق ونقله بعد ذلك.

ديانا الضبع

المصدر: روز اليوسف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...