مردود تقاطعات السياسات الاميركية على بلاد الشام

30-12-2011

مردود تقاطعات السياسات الاميركية على بلاد الشام

بعد أن حقق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مبتغاه في تمويل المحكمة الدولية، وفّر لنفسه دعماً دولياً وأممياً واضحاً ونقل الموقفين الاميركي والفرنسي الى مساندة مكشوفة له ولّدت تساؤلاً وارباكاً في اوساط المعارضة اللبنانية. فخطوة ميقاتي هذه خرّبت حسابات المعارضة التي كانت ترتكز الى أنّ "حكومة حزب الله" لا يمكنها ان توافق على تمويل "المحكمة الدولية"، وبالتالي فان غياب مثل هذا التمويل يستدرج الحضور الدولي والغربي الى الوضع اللبناني ويفرض تدابير قاسية وعقوبات مالية ويحشر حزب الله ويُخرج رئيس الحكومة من معادلة التمايز عن فريق الرابع عشر من آذار. وعندها تصبح الساحتين اللبنانية والسورية في حالة مواجهة مع الغرب والمجتمع الدولي وتفتح بوابات "دفرسوار انساني" على الداخل السوري من الشمال اللبناني.

لا شك ان حزب الله لم يستسغ أن يلوّح رئيس الحكومة بالاستقالة من الحكومة من على شاشة "ال.بي.سي." اذا لم يتم تمويل المحكمة. لكن الحزب البراغماتي في المسائل الداخلية أدرك أنّ بقاء الحكومة هو الانسب في ظل الاولويات التي يرسمها وفي سياق رفضه للمحكمة الدولية اساساً وخصوصاً انه ينتظر مراجعة بروتوكول التعاون بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة حول المحكمة الدولية. كما انه يرى ان الظروف اصبحت مؤاتية لفتح ملف "شهود الزور".

إنّ أعقد ملفّين شكّلا تحدياً فعلياً لميقاتي كانا تمويل المحكمة وموضوع الاجور. وقد استطاع فريقا الحكومة ان يتقاسما الملفين بحيث ليس هناك من رابح او خاسر، انما يبقى بقاء الحكومة حتى اشعار آخر القاسم المشترك بين الفريقين داخل الحكومة.

لا احد يستطيع ان ينفي ان الوضع في لبنان مقلق ويتأثر بما يجري في الداخل العربي وخصوصاً مع صعود المذهبية. كما ان هذا الوضع يتأثر الى حد بعيد بكون الدول الكبرى على اختلافها سواء الولايات المتحدة الاميركية او الاتحاد الاوروبي او روسيا واليابان تعاني من ازمات اقتصادية ومالية حادة ما يجعل من منطقة الشرق الاوسط مكاناً للنزاع الدولي والتنافس بسبب السباق على النفط. وهكذا دخلت سوريا في دائرة النزاع الدولي بحيث ان موسكو تعتبر نفسها في نفس الخندق مع دمشق سيما وانها تستقرئ انعكاس الصراعات المذهبية الوافدة على مكوّناتها الداخلية كما انها تحرص على الحفاظ على ما منحتها اياه سوريا من اطلالة فريدة على بحر المتوسط بعد ان فقدت موقفعها الليبي في خليج سرت. وهكذا فان الوضع السوري اصبح يندرج في "معادلة اوسع من سوريا تمتد من الجنوب اللبناني (المقاومة) الى العراق وايران وروسيا وبما في ذلك الصين". وهذا يعني ان الحسابات الغربية ومعها الحسابات الخليجية (قطر) كان تحققها يفترض عزل سوريا. وهذا غير ممكن في ظل المعادلة الجديدة. ومن الطبيعي في حالة كهذه ان نشهد تفككاً في الموقف الدولي الغربي-الخليجي من سوريا وان تتمايز المملكة العربية السعودية عن قطر وان تكون الرياض عنصراً اساسياً في الحسابات الروسية بحثاً عن "تسوية" مقبولة يتم فيها مستقبلاً اعادة الحرارة الى العلاقة السعودية-السورية-المصرية التي تشكل ضمانة دور للنظام العربي الذي يكاد يغيب بالكامل عن الاجندة الدولية للمنطقة.

وبالفعل تثبت التجربة خطأ الحسابات الغربية حول علاقة "الثورات العربية بالديمقراطية". فالتجربة في كل من ليبيا وتونس والمغرب ومصر واليمن توحي كلها بان الاتجاه الفعلي هو نحو "انظمة سلفية" يتم فيها الغاء الآخر ومعه "الاقليات" وتنتفي فيه فكرة المواطنية الجامعة وحتى التعددية السياسية والفكرية. واما كلام الغرب عن "ضمانات للاقليات" فدليل اضافي على عدم معرفته الحقيقية لاوضاع المنطقة او انه يعرف ولكنه يبغي اخفاء الصراعات بين مكوناتها لرسم سايكس-بيكو جديد. والارجح ان يجد الغرب الاميركي نفسه امام مراجعة جديدة لحساباته وسياساته. فـ"القاعدة" تطل برأسها في كل مكان وتجد في "الحراك العربي" ظرفاً مؤاتياً لاضعاف السياسة الاميركية في المنطقة والانظمة السياسية المرتبطة بها استناداً الى النظرية التي تقول: "الحراك العربي يُخرجنا من سجن سيء الى سجن افضل اما التحرر النهائي فلا يكون الا في اقامة حكم حدّ الشرع...".

أياً يكن الامر ثمة مؤشرات على "تغيير" ما في السياسة الاميركية. فواشنطن قرأت الانفجارين الامنيين في دمشق من زاوية معرفتها باساليب "القاعدة" كما انها بدعوتها الى تغليب الاستقرار في لبنان وتحييده عن الازمة السورية تحسب الخطى وتترجم ذلك بتردد ملحوظ من جانب الجامعة العربية التي ينتقدها حالياً المجلس الانتقالي السوري ويطالبها بتدخل خارجي كأنه لا يدري بان مثل هذا التدخل اصبح من الماضي البعيد.

أخيراً فان سقوط نظرية "صفر مشاكل" مع "المحيط" التي طرحها وزير الخارجية التركي كخريطة طريق تكشف سوء القراءة السياسية التركية. فما يتبين هو تراكم الازمات التركية مع "المحيط"، علاقة سيئة بسوريا وفرنسا وبقبرص واليونان والعراق وروسيا والاكراد. كما ان الولايات المتحدة الاميركية التي اوكلت الى تركيا وقطر بالنيابة عنها "الملف السوري" تجد نفسها الآن معنية بمعالجة مشاكل حليفيها وتستعين بايران في امكنة اخرى وخصوصاً في تغليب الاستقرار الاوسطي واللبناني والعراقي وايجاد المخارج للمأزق الاميركي في افغانستان.

عبد الهادي محفوظ- رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...