"مصداقية" أوباما: "الإمبراطور عارٍ"

13-09-2013

"مصداقية" أوباما: "الإمبراطور عارٍ"

الجمل- بيبي إسكوبار- ترجمة: د.مالك سلمان:
 
ليس هناك أي شيء مأساوي حول رئاسة أوباما قادر على استحضار المواهب التحليلية لبلوتارك جديد أو غيبين جديد. فالأمر أشبه بإحدى مهازل بيرانديللو, نوع من "شخصية تبحث عن مؤلف".
والمرشحون لدور "المؤلف" معروفون جيداً – من اللوبي الإسرائيلي إلى آل سعود, ومن النخبة المختارة للمجَمَع الصناعي- العسكري- الأمني إلى النخبة المصرفية- المالية, التي تشكل "أسياد الكون". باراك المسكين ليس إلا صفراً على الشمال, موظفاً في الإمبراطورية, يكاد سجل "قراراته" لا يتجاوز تلك الابتسامة الشهيرة التي يطلقها في جلسات التصوير.
ليس هناك أي شيء "مأساوي" حول حقيقة أنه خلال هذا الأسبوع – احتفاءً بالذكرى الثانية عشر لأحداث أيلول – ستصارع هذه الرئاسة من أجل "مصداقيتها" في القصف عبر محاولتها إغواء الصقور الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي بينما يصادف أن معظم المحرضين على الحرب اليوم هم من الديمقراطيين.
الجمهوريون محتارون بين دعم الرئيس الذي يحبون أن يكرهوه, وتوجيه ضربة قاسية له – بقدر ما هم متشوقون لاتباع تعليمات أسيادهم, من "لجنة العلاقات العامة الأمريكية- الإسرائيلية" ("إيباك") إلى شركات الصناعة العسكرية. ومرة أخرى, هذه مهزلة – ناتجة عن حقيقة أن الرجلَ الذي انتخبَ لينهي الحروب يتحرق شوقاً لشن حرب جديدة. ومرة أخرى من دون تصويت في الأمم المتحدة.
إن "استراتيجية" البيت الأبيض في هذا الأسبوع التفاوضي الهام تتلخص في التالي: إقناع الكونغرس الأمريكي أن على الولايات المتحدة أن تشنَ حرباً على سوريا لمعاقبة "دكتاتور شرير" – ومرة أخرى, على شاكلة هتلر – لقتله الأطفال بالغاز. والدليل؟ "لا يقبل الجدل".
لكنه ليس "دامغاً". وليس حتى "دون أدنى شك". فكما اعترف رئيس أركان أوباما دينيس مكدوناه, بلهجة رصينة, يتلخص الأمر في "اختبار قائم على الحس السليم القوي, بغض النظر عن المعلومات الاستخبارية, يشير إلى أن النظام هو الذي نفذ هذا الهجوم".
فإذا كان هذا متعلقاً فعلاً ﺑ "الحس السليم", لم يتم إطلاع الرئيس على مكونات هذا الحس السليم من قبل عصابة المرضى النفسيين المحيطين به, التي تم جمعها من قبل مجموعة من ضباط الاستخبارات الأمريكيين السابقين الموثوقين, والتي تقوض كل "الدلائل" المقدَمة وتدحضها من باب اليقين. ولكي نستحضر مهزلة حصلت قبل 12 عاماً, الأمر أشبه بقضية "الحقائق المفبركة حول السياسة".
ولتعقيد هذه المهزلة, فإن هذا الموضوع ليس حول سوريا بقدر ما يتعلق ﺑ "توجيه رسالة إلى إيران", أي: "إذا بدكون تضللو تتخرينو علينا, بدنا نضربوكن".
اتبعوا "البلوتوقراطيين" ("حكومة الأثرياء")
ثم هناك مهزلة "المصداقية". عملت إدارة أوباما على توريط العالم كله في الشبكة التي قامت بحياكتها, من خلال إصرارها بأن المسؤولية عن "الخط الأحمر" الذي رسمه الرئيس بشكل متهور هي مسؤولية كونية. لكن "العالم" المزعج لا يصدق ذلك على الإطلاق.
الشارع العربي لا يصدق ذلك لأنه يرى النفاق المتأصل فيه؛ السرعة اليائسة في "معاقبة" حكومة بشار الأسد السورية, مع تبرير كل ما ترتكبه "دولة" إسرائيل العنصرية في فلسطين المحتلة.
والعالم الإسلامي لا يصدق ذلك لأنه يرى بوضوح أن عملية الشيطنة لا تنطبق إلا على المسلمين – من عرفات, إلى بن لادن, إلى صدام, والقذافي, والآن الأسد. إذ لا يمكن أن ينطبق ذلك على الطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار, التي كانت ذكية بقدر كافٍ لكي تهندسَ "افتتاحية"؛ وفي اليوم التالي كان الغربيون يصطفون لتقبيل طرف ثوب حكام بورما.
ولن ينطبق ذلك أبداً على دكتاتورية إسلام كريموف في أوزبكستان "لأننا" بحاجة دائمة إلى إغوائه كواحد من عرصاتنا وإبعاده عن روسيا والصين.
لكنه ينطبق, أحياناً, على سلالة كيم في كوريا الشمالية, ولكن بلا أية عواقب – لأن هؤلاء آسيويون مجانين يمكن أن يردوا على أي هجوم أمريكي.
ولا يصدق ذلك الرأي العام الواعي في العالم النامي لأنهم يرون بوضوح, من خلال السجل التاريخي, أن واشنطن لا يمكن أن تأبهَ للعرب الذين يقتلون العرب, أو المسلمين الذين يقتلون المسلمين, إلخ. وتشكل الحرب الإيرانية- العراقية (1980- 1988) خير دليل على ذلك.
في قمة "مجموعة العشرين" الأسبوع الماضي, أكدت مجموعة "بريكس" الناشئة – البرازيل, روسيا, الهند, الصين, جنوب أفريقيا – بوضوح أن الحرب على سوريا من دون موافقة مجلس الأمن/الأمم المتحدة تجعل من أوباما مجرمَ حرب.
وحتى بين الكلاب الإفرنجية الأوروبية, فإن "الدعم" المقدم للبيت الأبيض محدود جداً. فقد قال كل من آنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية) والكلب المسعور الفرنسي فرانسوا أولاند إن القرار يعود إلى الأمم المتحدة. فالاتحاد الأوروبي ككل يريد حلاً سياسياً. ومن المفيد أن نتذكر أن بمقدور الاتحاد الأوروبي في بروكسل إصدار مذكرات اعتقال بحق رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي الذين يرتكبون جرائم حرب. لا بد أن أحداً ما في باريس قد حذرَ الكلبَ المسعور أولاند من المخاطرة بالتعرض للملاحقة فيما بعد.
"الشر" كصنف سياسي شيء جدير بالعقول الميتة. فالسؤال الأساسي الآن يدور حول محور مثيري الحروب – واشنطن, وإسرائيل, وآل سعود. فهل يتمكن اللوبي الإسرائيلي, واللوبي السعودي القوي والأكثر تستراً, والمحافظون الجدد (من فيلم "عودة الموتى الأحياء") من إقناع الكونغرس الأمريكي بشن الحرب التي يريدونها؟
ثم هناك قضية "القاعدة"  الأكثر غرابة – وهي كلمة عربية تشير بشكل رئيس إلى قاعدة بيانات تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية بأسماء المجاهدين الذين دربتهم الولايات المتحدة وباكستان والسعودية خلال الثمانينيات من القرن الماضي: البُعبُع المناسب المشكل من عدة قوميات والذي "شرَعَ" "الحرب الكونية على الإرهاب" خلال سنوات بوش؛ و"الافتتاحية" لانتقال القاعدة إلى العراق؛ والآن, دون أي وسطاء؛ و "سي آي إيه" وإدارة أوباما تقاتلان جنباً إلى جنب مع القاعدة في سوريا. لا عجبَ أن مصطلح "السي آي إيدة" قد انتشر كالفيروس المعدي.
مع تراكم مهزلة فوق مهزلة فوق مهزلة في "برج بابل" الأمريكي, فإن "المصداقية الأمريكية" هي المهزلة الكبرى على الإطلاق. فمن الناحية السياسية, لا أحد يعرف كيف سيتم ملء الفراغ. ولن يكون بواسطة الأمم المتحدة. ولن يكون بواسطة دول "البريكس". ولا عبر "مجموعة العشرين" – المقسمة بشكل جدي؛ فعلى الأقل هناك لاعبون متعددو الأقطاب يحملون أعباءَ أثقلَ من تلك التي تتحملها كلاب أمريكا الإفرنجية.
سيتطلب إعادة ترميم "المصداقية الأمريكية" الكثير من الجهد في حال امتلكت إدارة أوباما الشجاعة الكافية لإرغام آل سعود وقطر (المكونة من "300 شخصاً وقناة تلفزيونية", تبعاً للتعريف الملحمي الذي قدمه الأمير بندر بن سلطان السعودي – الملقب ببندر بوش) لإنهاء تسليحهما للمتمردين الأصوليين والجهاديين التكفيريين بشكل كامل, والقبول بإيران على طاولة المفاوضات في مؤتمر للسلام "جنيف2" في سوريا. لكن ذلك لن يحدث, لأنه يتعدى المهزلة.
ومرة أخرى؛ أوباما اليائس ليس سوى صبي من ورق. إذ إن البلوتوقراطيين المهيمنين منزعجون جداً الآن. فالنظام يذوب, وعليهم أن يتصرفوا بسرعة كبيرة.
يريدون سوريا خانعة على شاكلة الملكيات النفطية. يريدون ضرب روسيا بقوة – ومن ثم يناقشون الدفاع الصاروخي والنفوذ الروسي في أوروبا الشرقية من موقع القوة. يريدون ضربَ إيران بقوة – ومن ثم يتابعون في إصدار الإنذارات من موقع القوة. يريدون تسهيلَ محاولة إسرائيلية أخرى لاحتلال جنوب لبنان (إنه الماء, ياغبي). يريدون خط أنابيب غاز عملاقاً من قطر إلى الزبائن الأوروبيين لا يمر عبر سوريا وإيران و "غازبروم". وفوق كل شيء, الأمر كله متعلق بالسيطرة على الموارد الطبيعية وأقنية التوزيع.
هذه دوافع حقيقية – ولا علاقة لها بالمهزلة. إذ يتم استخدام المهزلة فقط لقتل أية إمكانية للدبلوماسية الحقيقية والنقاش السياسي الحقيقي. المهزلة هي قناع نظري – كما في حالة الإمبريالية "الإنسانية" – النسخة "المقبولة" لسنوات هيمنة ديك تشيني.
وكأن ديك تشيني لم يغادر المبنى؛ فالصبي الورقي باراك هو ديك تشيني بوجه "إنساني". النتيجة الجيدة الوحيدة في هذه الحكاية الحزينة هي أن "المجتمع الدولي" الحقيقي, في كافة أنحاء العالم, قد رأى الإمبراطورَ العاري بكل بهائه (الهزلي).

تُرجم عن ("إيشا تايمز", 9 أيلول/سبتمبر 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...