معركة المتن ودورة العنف اللبناني

08-08-2007

معركة المتن ودورة العنف اللبناني

الجمل:   شهد لبنان خلال الأيام الماضية معركة انتخابية ساخنة في دائرتي المتن وبيروت، وقد فاز في دائرة المتن مرشح المعارضة، وفي دائرة بيروت مرشح قوى 14 آذار المؤيدة لحكومة السنيورة.
• خلفيات المنافسة الانتخابية:
بسبب تصاعد حالة التوتر والانقسام بين معسكرين في  الشارع اللبناني, بحيث الرأي العام ينقسم ضمن موقفين رئيسيين: الحكومة ومؤيدوها، والمعارضة ومؤيدوها، فقد كانت هذه الانتخابات في نظر البعض بمثابة سيناريو مصغر لما يمكن أن يحدث في الانتخابات الرئاسية اللبنانية التي اقترب موعدها.
خلال الفترة الماضية، حدثت بعض التطورات الدراماتيكية التي أسهمت بقدر كبير في تشكيل الرأي العام اللبناني بهذا الشكل المنقسم، وتتمثل أبرز هذه الاحداث في الآتي:
- تصاعد حدة ضغوط الأزمة الاقتصادية بسبب الفساد وارتفاع معدلات الدين العام اللبناني إلى أرقام خيالية.
- مؤتمر باريس الأول للمانحين، والذي قدمت فيه الأطراف الغربية وأمريكا الوعود بـ(الدعم المالي) الكبير للاقتصاد اللبناني، وفقاً لـ(شروط) لم يتم الإعلان عنها.
- بدأت بعض الأطراف اللبنانية المرتبطة بأمريكا والغرب وإسرائيل تتحدث عن ضرورة خروج القوات السورية من  لبنان، ونزع أسلحة المقاومة وحزب الله.
- اغتيال الحريري، ومسارعة الأطراف اللبنانية المرتبطة بالغرب باتهام سورية قبل البدء بالتحقيقات الجنائية.
- تدخل أمريكا وبريطانيا وفرنسا علناً في الشأن اللبناني وقيامهم بدفع مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار 1559.
- خروج القوات السورية من لبنان.
- استمرار الاغتيالات السياسية الغامضة.
- لجنة التحقيق الدولية الأولى برئاسة المحقق اليهودي الألماني تتورط في التعامل مع شهود الزور واستخدام الأدلة الكاذبة.
- العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، وهزيمة الجيش الإسرائيلي على يد حزب الله اللبناني.
- تنظيم المعارضة اللبنانية للمسيرات الاجتماعية ضد حكومة السنيورة.
- نشر القوات الدولية في جنوب لبنان ومحاولات توسيع صلاحيتها ونطاق اختصاصها.
- هجوم الجيش اللبناني ضد جماعة فتح الإسلام، التي تبين أن زعماء قوى 14 آذار هم الذين كانوا يشرفون عليها.
- تجاوز حكومة السنيورة وقوى 14 آذار للشرعية اللبنانية، ومخاطبة الأمم المتحدة بدعم أمريكي غربي على النحو الذي أدى إلى استصدار قرار المحكمة الدولية وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
تميزت جميع هذه الأحداث بالخلفيات الغامضة، والتحركات المريبة على النحو الذي أكد الشكوك حول وجود بصمات الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وجهاز المخابرات الخارجية الفرنسي، وما لم يعد سراً طوال هذه الفترة الدعم الكبير الذي تقدمه أمريكا- فرنسا- بريطانيا- إسرائيل لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار، وظلت الحكومة الإسرائيلية تتحدث علناً على لسان رئيس وزراءها ايهود اولمرت وزيرة خارجيتها تسيبي ليفني عن ضرورة دعم إسرائيل لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
• الصراع اللبناني واتجاهات التعبئة وحشد الضغوط الأزموية:
تشكلت البيئة السياسية الداخلية اللبنانية، وفقاً لوجود معسكرين، أحدهما يتمسك بالثوابت الوطنية وحق لبنان في الدفاع والمقاومة المشروعة ضد إسرائيل، والثاني يتمسك بثوابت المشروع الإسرائيلي في المنطقة، والمدعوم أمريكياً وفرنسياً وبريطانياً، وقد استطاع المعسكر الأول كسب تأييد الشعب اللبناني على النحو الذي قلب موازين الرأي العام اللبناني والعربي، أما المعسكر الثاني فقد استطاع الحصول على المزيد من التأييد الإعلامي الإسرائيلي- الأمريكي- الغربي، والوعود بتقديم الدعم المالي والمادي.
- اتجاهات التعبئة: تمثلت في مسار يسعى من أجل حشد المؤيدين للثوابت الوطنية اللبنانية، ومسار آخر يسعى لتبني الثوابت الأجنبية التي تجعل من لبنان (دولة فاشلة) تؤجر مزايا النسبية للقوى الخارجية، بحيث يصبح لبنان مركزاً لشن الحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والنفسية ضد سورية والمقاومة الفلسطينية، وأيضاً ضد لبنان نفسه، عن طريق تجريده من السلاح وجعله أعزلاً في مواجهة العدوان ومخاطر التهديدات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة.
- حشد الضغوط الأزموية: استخدم معسكر الثوابت الوطنية والمقاومة الشارع اللبناني، على النحو الذي شكل ضغطاً كبيراً على حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، واستخدم معسكر حكومة السنيورة وقوى 14 آذار الماكينات الإعلامية داخل وخارج لبنان في الترويج لنظرية المؤامرة التي تحاول تسويق العداء لسورية وإيران ولحلفائهما اللبنانيين باعتبارهم المسؤولين عن الأزمة اللبنانية، إضافة إلى استخدام هذا المعسكر لأسلوب (الردع السياسي الأجنبي) الذي تمثل في تردد زعماء هذا المعسكر على واشنطن وباريس واللقاء مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض وقصر الاليزيه والوقوف إلى جانبهم أمام كاميرات الإعلام والصحافة العالمية وهم يدلون بتصريحاتهم النارية ضد سورية وإيران وحزب الله، ويبشرون بالشرق الأوسط الجديد.. وهناك أمثلة كثيرة لسيناريوهات الردع السياسي في تصريحات بوش وديك تشيني وكوندوليزا رايس، وطوني بلير، وجاك شيراك، وساركوزي عندما كان وزيراً للداخلية.
• معركة المتن- بيروت، والتداعيات:
كتب الصحفي البريطاني المختص في الشؤون اللبنانية روبرت فيسك بالأمس مقالا ًفي صحيفة الاندبنتدنت البريطانية، حمل عنوان (انعدام الثقة يزكي وقود دورة العنف في لبنان)، واليوم أضاف مقالاً جديداً على نفس الصحيفة حمل عنوان (اللبنانيون يسددون ضربة للحكومة المدعومة بواسطة الولايات المتحدة).
- تحدث روبرت فيسك في المقالة الأولى الصادرة بالأمس متسائلاً بخبث حول هل سيقوم المسيحيون اللبنانيون بمواجهة بعضهم البعض، ومروجاً بشكل خفي لما ظل يريده الغرب من المسيحيين اللبنانيين، والذي يتمثل في ضرورة بقاء المسيحيين اللبنانيين ضمن دائرة (القطيع) الذي يظل دائماً رهناً لإشارة مرجعية (بكركي) التي تعمل رهناً لإشارة فرنسا، وقد أكدت التطورات الجارية في تاريخ لبنان المعاصر، أن المجتمع المسيحي اللبناني قادر على التصرف باستقلالية واستخدام الخيارات العاقلة الرشيدة التي تدعم وتعزز استقلال ووطنية لبنان. وعلى ما يبدو –وكعادة البريطانيين- فقد حاول روبرت فيسك أن يتملص من هذه الملاحظة، مستخدماً المقابلة في الوصف الوظيفي المزدوج لميشيل عون، زعيم التيار الوطني الحر، والذي قال فيه بأن ميشيل عون كان يطالب بتحرير لبنان من سورية في حرب عام 1990 الكارثية، أصبح الآن على وشك رئيس سورية في لبنان، ولكن روبرت فيسك أخطأ خطأ فادحاً عندما وصف سيناريو رئاسة عون في لبنان بأنه سوف يشكل لحظة مزعجة تجلب الصداع.
- تحدث روبرت فيسك في المقالة الثانية الصادرة اليوم قائلاً: لقد صوت الفلسطينيون لحماس في الوقت الذي كان متوقعاً فيه تصويتهم لصالح السلطة الفلسطينية التي يتزعمها محمود عباس، والآن تماماً فعل المسيحيون الموارنة اللبنانيون ذلك عندما صوتوا لصالح الرجل الذي يعارض حكومة السنيورة، وتبلغ سطحية روبرت فيسك في هذا التصريح مداها، على خلفية أن روبر فيسك ظل يكتب بشكل يومي في صحيفة الاندبندنت البريطانية عن كل الأحداث والوقائع التي حدثت في لبنان، وبسبب وجوده الطويل الذي تجاوز العشرة أعوام، كان يجب  ألا يندهش، خاصة وأن أبجديات العلوم السياسية والتاريخية التي يتلقاها طلاب الثانويات البريطانية يدركون جيداً أن الأحداث والوقائع تؤثر في الرأي العام وتتأثر به، وبالتالي فقد كان على الصحفي البريطاني الضليع في الشؤون اللبنانية أن يحلل الوقائع تحليلاً يتميز بالمصداقية والتناسق العلمي، بدلاً من التشديد على الادعاءات الغربية التي تطالب الموارنة اللبنانيين بإلغاء عقولهم وعدم ممارسة حقهم في التفكير من أجل بلدهم والتصرف كـ(قطيع) خلف مرجعية بكركي التي لن تقدم لهم شيئاً سوى تسويق العداء لسورية والفلسطينيين والعرب، إنفاذاً للإملاءات الفرنسية- الوحيدة الاتجاه.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...