مهرجان «سان امور» في هولندا وبلجيكا

13-03-2007

مهرجان «سان امور» في هولندا وبلجيكا

لا يكتفي البلجيكيون بعيد الحب أو "ڤالنتاين داي" كي يحتفوا بالحب في ما بينهم، إنما يحوّلون شهر شباط كله عيداً للحب في صوره العديدة، لكن بطريقة تشتبك أكثر مع الثقافة والخلق الأدبي والموسيقى، والدليل مهرجان "سان امور - Saint Amour" الذي انعقد أخيرا، وهو المهرجان الذي يقام في الإقليم الفلمنكي المتحدث باللغة الهولندية تحت العنوان ذاته منذ أكثر من عشرين عاماً، ويملك شعبية واسعة بين الجمهور العادي، لما له من طرافة وثقل ثقافي وأدبي قلَّما تجده في المهرجانات الثقافية العديدة في بلجيكا. بدأ المهرجان في مدينة أنتويرب في الشمال واختتم لقاءاته في مدينة آلست جنوب الإقليم الفلمنكي، مطوّفاً بشعرائه وكتّابه في إحدى عشرة مدينة في المملكة البلجيكية، متخذاً من تيمة الحب محوراً رئيسياً للقاءاته الأدبية التي بلغت هذه السنة أحد عشر لقاءً، حيث تمت دعوة ثمانية من الشعراء والروائيين البلجيكيين والهولنديين، ليقرأوا قصائدهم ومقتطفات من أعمالهم الروائية على الجمهور، في لقاءات نظّمت في الشوارع والميادين والمقاهي والمراكز الثقافية والمسارح.
الطريف في المهرجان هذه السنة كان إنشاء جائزة تمنح لأفضل مشهد جنسي تضمنته رواية صادرة حديثاً، وقررت لجنة من المحكمين والنقاد اختيار خمسة مشاهد من خمس روايات جديدة صادرة سواء في بلجيكا أو هولندا ليصوّت عليها جمهور المهرجان، على أن تُقرأ المشاهد الخمسة في كل لقاء لضيوف المهرجان مع الجمهور، فيما يطلب من الجمهور والحاضرين انتخاب المشهد الأفضل من وجهة نظرهم الشخصية. المشاهد الخمسة من روايات: "فيلدمان وأنا" للروائي المغربي الأصل الهولندي الجنسية عبدالقادر بنعلي (من مواليد 1975)، "أحلام التيس" للهولندي نيكو دروس (من مواليد 1956)، "المادة 285 ب." للهولندي كريستيان وايتس (من مواليد 1976)، "الحياة الحقيقية" للهولندي إيليا ڤيڤر (من مواليد 1968)، و"ناصية الإختلاس" للبلجيكي برنارد ده ويلف (من مواليد 1960)، وهي الرواية التي نال أحد مشاهدها الجائزة لما فيه من إثارة وحس إنساني شفيف، وكانت الجائزة زجاجة نبيذ منحت لكاتب المشهد الروائي برنارد ده ويلف، كما كان للجمهور أيضاً جائزته، حيث تم اختيار أحد المصوتين الذين انتقوا المشهد الفائز لتكون الجائزة ربما أفضل من جائزة الكاتب صاحب المشهد الفائز، وهي تمضية عطلة نهاية الأسبوع في إحدى القرى الفرنسية السياحية التي تحمل اسم المهرجان "سان امور".
وبفضل النجاح والشعبية اللذين حققهما المهرجان ويحظى بهما كل عام في بلجيكا، انتقل إلى العديد من العواصم والمدن الأوروبية الأخرى، منها باريس ابتداء من عام 1993، ثم مدريد ولندن، وأخيراً أمستردام، حيث راحت هولندا تحذو حذو جارتها بلجيكا في إقامة المهرجان ذاته وفي التوقيت عينه.
ضم "سان امور" في بلجيكا هذه السنة سبعة شعراء وروائيين من هولندا وبلجيكا، وكان على قائمة المشاركين الشاعر والروائي الهولندي الكبير خيرت كومراي، المولود في البرتغال عام 1944. وضعته أولى مجموعاته الشعرية عام 1968، في مصاف الشعراء الكبار وميّزته عن أقرانه من مجايليه الذين كانوا يخوضون ألعاباً لغوية ابتعدت بهم عن جوهر الشعر البسيط والعميق في الآن ذاته. في جعبته حتى الآن أكثر من ثلاث وعشرين مجموعة شعرية، وعدد من المسرحيات، إضافة إلى العديد من المختارات الشعرية والترجمات عن اللغة الإنكليزية، فضلاً عن كتب عديدة تضمنت مقالاته وآراءه التي كان ينشرها منذ السبعينات في الصحف الهولندية والبلجيكية.
من هولندا أيضاً شارك الشاعر والروائي إيليا ل. ڤيڤر (1968)، وهو الشاعر والروائي الوحيد في هولندا الذي نالت رواياته ومجموعاته الشعرية جوائز كبرى في كل من هولندا وبلجيكا. بدأ بنشر أولى مجموعاته الشعرية عام 1998 تحت عنوان "الرجل المربّع"، ونال عنها في العام التالي جائزة "C. Buddingh" الشهيرة، وفي العام 2002 نشر روايته الأهم "روبرت". كما شارك الشاعر والروائي الهولندي تومي ويرنجه (1967)، صاحب رواية "كل شيء عن تريستان" (2002)، والذي سرعان ما أصدر روايته الحدث "چو مركب سريع" التي رشحت لأكثر من خمس جوائز كبرى في هولندا وبلجيكا إبان صدورها عام 2005، وحققت شهرة واسعة وترجمت إلى لغات أوروبية. ومن هولندا أيضاً شارك الشاعر والروائي الشاب كريستيان وايتس (1976)، صاحب رواية "المادة 285 ب." وتلقي الضوء بشكل نفسي على مركز طبيعة الحب والفن لدى امرأة تهفو إلى الرومنطيقية في عالم تعتقد أنه أصبح يخلو منها، ثم تبدأ بالبحث عن أسباب هذا الاختفاء.
من بلجكيا شارك الشاعر الشهير توم لانواه (1958)، والذي عرف عنه جنونه بالكتابة وممارسته لمختلف الأنواع الأدبية من رواية ومسرح وسيناريو وصحافة. قرأ لانواه على الجمهور قصائد حب تتناول العلاقة التي تربط الرجل بالرجل، بوصفه أحد أشهر الكتاب البلجيكيين المثليين. كما شاركت الشاعرة والروائية والسيناريست الشابة ساسكيا ده كوستر، التي اختارتها مجلة "Humo" البلجيكية الذائعة الصيت عام 2004 بين أفضل عشر كتَّاب شباب تحت سن الخامسة والثلاثين في هولندا وبلجيكا، بعد صدور روايتها الثالثة "شهرة الى الأبد" في العام الماضي، وجاءت تتويجاً لعمليها السابقين في الرواية "حكة" و"سقوط حر". وعلى الرغم من أن الموهبة الشابة لم تنشر حتى الآن إلا عدداً قليلاً من القصائد، إلا أن اختيارها في مهرجان "سان امور" هذه السنة أضفى عليها نكهة خاصة، وجعل الجمهور يتعطّش الى قصائدها اللاذعة عن العلاقة بين الرجل والمرأة، والصراع الدائم بينهما تحت لافتة الحب والجنس.
مهرجان "سان امور" الهولندي الذي سبق مثيله البلجيكي بأيام، كان له طابع آخر، أكثر زخماً من مثيله، حيث احتفى بالغناء بين القراءات، مما أضفى طابعاً أكثر رومنطيقية، وكانت المغنية البلجيكية إسمه بوس هي الفاصل المحبب بين القراءات لدى الجمهور الذي افترش قاعات المسارح والسينما والمكتبات العامة لساعات وهو ينصت إليها. طاف المهرجان بخمس عشرة مدينة في هولندا، وشارك فيه تسعة شعراء وكتّاب من بلجيكا والبلد المضيف. وفاجأت الشاعرة الهولندية الكبيرة يوديت هرزبرغ الجمهور بنص جديد لها، تتماس فيه مع "نشيد الإنشاد" باعتباره نصاً دينياً، وفي الآن نفسه نصاً إيروتيكياً. كذلك لم نعدم وجود أدباء من بلجيكا في المهرجان الهولندي لأشعار الحب، من مثل: ليونارد نولنز، بيت بيرنز، وديمتري فرهولست.

عماد فؤاد

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...