نجيب الريحاني مكرماً في الذكرى الستين لرحيله

11-11-2009

نجيب الريحاني مكرماً في الذكرى الستين لرحيله

بادرة جميلة أن يكرم مهرجان دمشق السينمائي في دورته الأخيرة احد عباقرة السينما العربية، الفنان نجيب الريحاني في الذكرى الستين لرحيله، عبر فقرة خاصة في حفل الافتتاح. لكنه برأي الكثيرين جاء تكريماً ناقصاً، نجح بتذكيرنا بتلك القامة العملاقة، دون أن يفيّها شيء من حقها، مع أن الاتفاق مع ابنته 'جينا' أن يتم التكريم من خلال عرض فيلم 'ياقوت' الذي لم يعرض بعد 75 سنة على إنتاجه. وذلك بعدما تعذر إقامة تظاهرة لأفلام الراحل، لغياب أرشيف السينما المصرية، والذي يُقال أنه بيع للفضائيات العربية كـ 'أوربت و روتانا وآرتي'. لكن إدارة المهرجان اعتذرت قبل يومين فقط من تاريخ الافتتاح عن عرض فيلم 'ياقوت' لإشكالات في النسخة المقدمة للمهرجان، وكان يمكن تلافي هذا الموضوع لو تمت متابعته مبكراً. نجيب الريحاني
المهم أن هذه الإشكالية تشير إلى أهمية وجود أرشيف للسينما العربية، وأرشيف لأفلام الرواد. فجينا نجيب الريحاني تعمل منذ سنوات على جمع أي شيء يتعلق بتاريخ الأب وأعماله، وهي تستنكر أن تكون المؤسسة السينمائية الرسمية في مصر أو حتى التلفزيون المصري لا يمتلك أرشيفاً للسينما المصرية، بينما تتوزع هذا الأرشيف الفضائيات العربية الخاصة!.
ولد نجيب الريحاني في عام 1889 في باب الشعرية في مصر، لأب عراقي وأم مصرية، انتسب إلى مدرسة 'الفرير' ، لكنه تركها قبل الحصول على شهادة البكالوريا، والتحق بالعديد من الوظائف التي لم يستمر في أي منها نتيجة لشغفه بالتمثيل، وارتباطاته الفنية، إلا أن محطته الأولى والأبرز كانت مع فرقة الفنان جورج أبيض عام 1914، والتي انطلق منها ليصل إلى قمة لم يصلها سواه في الكوميديا العربية، حتى لُقب بشارلي شابلن العرب، وهل هي مصادفة أنهما ولدا في عام واحد 1889، لكن الريحاني رحل مبكراً عام 1949 إثر مرضه بالتيفوئيد، بينما استمر عطاء شابلن حتى رحيله عام 1977.
لم تكن حياة نجيب الريحاني سهلة إذ تقلب بين العديد من الأعمال والمهن، وكان بشخصه وفنه قريب جداً من الناس ومن الشارع المصري، فنقل همومهم ومعاناتهم عبر ما أصبح يعرف لاحقاً بالتراجيكوميدي، تلك الكوميديا التي تفضح وتُعري وتضحك الناس جميعاً، وعبر هذه الضحكات تقنعهم بما تصبو إليه.
تزوج الريحاني من الفنانة بديعة مصابني، والتي اشتغلت معه في أغلب أعماله، لذلك عندما تزوج من لوسي دي فرناي / الفرنسية - الألمانية / لم يستطع أن يعلن خبر زواجه منها كونه يتحدّر من أب سرياني وأم قبطية، ولم يشأ أن يضع نفسه في إشكال مع الكنيسة المصرية. فعاشت ابنته جينا نجيب الريحاني مع والدتها دون أن تحاول أياً منهما الإساءة إلى ذكراه، والتي كادت تنمحي مؤخراً، وساهم زواج جينا من رجل محافظ بطبعه، والذي حاول إبعادها عن العمل الفني /كراقصة بالية/ فاستمرت الأمور على هذه الحال حتى وفاة زوجها.
كانت الإطلالة الأولى لجينا عبر فيلم تسجيلي للمخرج المصري محمد كامل القليوبي عن نجيب الريحاني، فيلم تسجيلي مدته ساعتان، تحدثت خلاله جينا وبعربيتها الضعيفة أو المكسرة عن والدها وما جمعت في ذاكرتها عنه. وقد حظيّ الفيلم بترحيب فني كبير، كأول استعادة لذكرى الراحل نجيب الريحاني، لكن جينا تقول: 'كنت أستطيع أن أتحدث أفضل عن والدي، وكان يمكن أن أقول ما قلته لكن بطريقة أفضل، فالمخرج وضعني أمام الكاميرا بعد كل هذه المدة من الزمن والانقطاع عن الناس وعن الأضواء، وقال لي تكلمي، كنت أحس بالاضطراب والحرج ولم أستطيع البوح بكل شيء'.
مع ذلك كان شيئاً عظيماً أن يتذكر الناس نجيب الريحاني مجدداً، أن نستعيد صورة عبقري السينما العربية، وعبقري الكوميديا، بعد أن كادوا ينسوه.
ولدى سؤالها عن مشروع متحف ومركز للفنون باسم نجيب الريحاني، بدأت تتحدث بحسرة، فالفيلا التي هي باسم الراحل نجيب الريحاني كان يحيط بها خمسة فدادين أرض، وأطيان، وقد جاء أحد أولاد عمومتي ووضع سوراً حول الفيلا وأجر الأرض للفلاحين، الذين أخذوا يبنون فيها، واكتظت الأرض حولها بالمنازل 'حتى لم يبق مكان تحط فيه العربية'. وتتابع جينا: بالمقابل 'وزارة الثقافة أجرت الفيلا من أبن عمي منذ 30 سنة، وهم واخدين الدور الأرضي وعاملين مكتب أو اتنين وسايبين الدور التاني، وده مش قصر ثقافة أبداً. اللي عايزة أعمله كتكريم لذكرى والدي الذي أحب الناس وأحبته الناس أيضاً، هو تحويل تلك الفيلا إلى متحف وبيت للمسرح، بيت يمكن أن تقدم فيه عروض مسرحية وسينمائية وأمسيات موسيقية أو راقصة، بيت باسم نجيب الريحاني، يمكن أن يستعيد الناس إلى الفن، وإلى ذكريات الريحاني عبر متحف يضم كل آثاره الشخصية والفنية، كل ما كُتب عنه وكل الأعمال التي بقيت من بعده. لكن المشكلة أن ترميم هذه الفيلا يحتاج إلى إجراءات روتينية مع الوزارة، ومع المستأجرين، ومع القضاء وبصراحة... حتلقى ما حدش فاضي يسمع أو يساعد... '
'المشكلة الثانية والأهم في الحصول على أرشيف وأعمال الريحاني... فإذا كانت الدولة ما عندهاش أرشيف للسينما المصرية، وبيقولولك روح تلفزيون أوربيت ولا روتانا عشان دول كانوا عاملين برنامج (السينما بخير..إيه الخير داه!) المهم أنا بشتغل حالياً على تجميع هذه الأفلام والأشرطة المسجلة والحوارات أو المقالات التي نشرت عن الريحاني وعن أعماله...'.
وأضافت أخيراً تقول: 'عايزة أعمل قصر ثقافة حقيقي باسم نجيب الريحاني، قصر يقدم الفن مسرح وسينما وموسيقى وصور وكل شيء، دون أن يعج بالموظفين والناس اللي بيبوظو أي حاجة'.
يُذكر أن الريحاني خلف أكثر من 33 عملاً مسرحياً وأوبريت كان أشهرها 'العشرة الطيبة، الليالي الملاح، ولو، أش، قولوله، الشاطر حسن، أيام العز' وله أكثر من عشرة أفلام بدأت عام 1931 بفيلم 'صاحب السعادة كشكش بيه' حيث ابتكر هذه الشخصية الكوميدية 'كشكش بيه عمدة كفر البلاص'وقدمها في المسرح والسينما، فتابع في فيلم آخر هو 'حوادث كشكش بيه' ثم 'ياقوت أفندي، بسلامته عايز يتجوز، سلامة في خير عام، أبو حلموس، لعبة الست، سي عمر، أحمر شفايف' وكان آخر أفلامه 'غزل البنات'.
فهل من يسمع شكوى جينا نجيب الريحاني، ومن يساعد في الكشف عن ذاك الأرشيف وتلك الأعمال التي تعتبر أن استعادتها هي أهم تكريم لوالدها، مع أنها سعيدة 'بالتكريم الصُغيّر' الذي حظيَ به في مهرجان دمشق السينمائي مؤخراً.

أنور بدر

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...