نصف عمال سورية غير معدودين أو «محسوبين»

12-02-2010

نصف عمال سورية غير معدودين أو «محسوبين»

أثناء محاولة أحمد عزيز اسكندر العامل في مديرية اتصالات طرطوس إصلاح خط هاتفي أرضي لمنزل أحد المواطنين في قرية شيخ سعد، اصطدم كابل الهاتف بأسلاك الكهرباء الهوائية غير المعزولة فوق المساكن، ونجم عن ذلك شرارة كهربائية قوية، فما كان من العامل إلا أن بادر إلى قطع الكابل بقطّاعة كانت بيده؛ ما أدَّى إلى صعقه بالكهرباء وقذفه في الهواء واشتعاله وسقوطه على السطح ميتاً من الحرق.. هذه الحادثة وأمثالها، تكرَّرت مراراً في المحافظات السورية، وأدَّت إلى وفاة العديد من العمال في المؤسسات العامة والخاصة على حدِّ سواء، تضاف إليها آلاف الإصابات المهنية المختلفة غير المسجَّلة في إحصاءات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بينما أظهرت أرقام المؤسسة انخفاض عدد إصابات العمّال السوريين خلال السنوات الخمس الماضية.
 أظهرت إحصائية نشرت مؤخراً انخفاض عدد إصابات العمل المسجَّلة في سورية خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 4061 حالة مسجَّلة في العام الماضي، مقابل 6773 حالة للعام 2004. وأشارت مصادر مؤسسة التأمينات الاجتماعية، إلى أنَّ الانخفاض أصاب أيضاً الأمراض المهنية؛ حيث بلغ مجموع إصابات العمل والأمراض المهنية سنة 2004 نحو 17 ألفاً، وفي سنة 2009 بلغ المجموع نحو 5 آلاف و400 حالة فقط.. لكن الغريب- بحسب المؤسسة ذاتها- أنَّ سبب تراجع نسبة الأمراض المهنية هو الإجراءات المتشدِّدة التي اتَّبعتها المؤسسة لكشف الحالة الصحيحة من الحالة الكاذبة، وبالتالي تراجع عدد الإصابات لا يعطي مؤشِّراً حقيقياً إلى تراجع الأمراض والإصابات المهنية بذاتها، بل إلى تراجع عدد المتحايلين على القانون للحصول على التعويض.. أما المصابون، فقد يكونون في ازدياد مع حساب الأعداد الكبيرة من العمال غير المسجّلين في التأمينات الاجتماعية، لاسيما في القطاع الخاص، وهي المعضلة التي تعاني منها معظم دول العالم، لكن بنسب متفاوته؛ فالتهرُّب التأميني بلغ نسبة 30 % بحسب أرقام المؤسسة العامة للتأمين، معظمها في القطاع غير المنظم؛ حيث يتهرَّب أرباب العمل من تسجيل عمالهم خوفاً من الاشتراكات أو اعتقاداً منهم بوجود تكاليف في حال حصول إصابة أو إعاقة لأحد العاملين.
عدد العمّال في سورية 6 ملايين عامل؛ منهم 3 ملايين يعملون في القطاع الخاص غير مسجّلين لدى التأمينات الاجتماعية؛ أي أنهم خارج النظام التأميني والحماية الاجتماعية. و3 ملايين مسجَّلين، منهم 1.6 في القطاع الخاص، و1.4 في القطاع العام؛ أي أنَّ نصف العاملين في سورية معرَّضين للبقاء من دون رواتب أو معاش في حال الإصابة أو التقاعد أو الإعاقة.. إلا أنَّ مديرة التخطيط في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، سهيلة حرب، تبيِّن أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة حقَّقت المؤسسة نتائج إيجابية؛ حيث وصلت نسبة النمو في تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية إلى تسعة في المئة. وتضيف: «لجان التفتيش في المؤسسة تقوم بمسح العمال غير المنتسبين، وتراعي أدوات السلامة، وتنشر الوعي التأميني، وذلك يساعد على إقناع أرباب العمل بضرورة التأمين، ويؤدِّي إلى انخفاض عدد الإصابات وحجم النفقات والتكاليف أيضاً»..

¶ الإصابات بالأرقام
احتلَّت محافظة حلب المرتبة الأولى بعدد إصابات العمال في العام 2008- حسب جداول مؤسسة التأمينات- بـ1083 إصابة، تلتها اللاذقية بـ827 إصابة، ثم دمشق بـ819 إصابة، وريف دمشق بـ805 إصابات، وجاءت القنيطرة والرقة في المرتبة الأخيرة.. أما بالنسبة إلى الأمراض المهنية، فجاءت محافظة حمص في المرتبة الأولى بـ299، ثم اللاذقية بـ251 إصابة، ودمشق بـ221 إصابة، وجاءت القنيطرة ودرعا في المرتبة الأخيرة.. أما أكثر الإصابات شيوعاً في القطر، فكانت الكسور 2543 إصابة، تليها الجلطات 943 إصابة، ثم البتور وخروج الأحشاء 425 إصابة، والارتجاجات 403 إصابات.. وأقلها الاختناقات بـ45 إصابة.. وأكَّد مصدر مطّلع في اتحاد نقابات العمال أنَّ عدد الإصابات يزداد، لاسيما بين عمال القطاع الخاص، لغياب الأمن الصناعي ووسائل السلامة المهنية، وأغلب تلك الإصابات لا يكشف عنها، إما بسبب خوف العامل من التسريح التعسفي، أو بسبب تغطية ربِّ العمل تكاليف العلاج.. ويبَّن المصدر أنَّ الاتحاد لا يستطيع تنسيب عمال القطاع الخاص في التنظيم النقابي، لتمنُّع أصحاب العمل، حتى لو كان هناك عقد نظامي، بالإضافة إلى إهمال لجان التفتيش المنوطة بمسح العمال الذين لا تشملهم المظلة التأمينية، وفساد البعض، حيث تتألَّف اللجنة من ممثلين عن مؤسسة التأمينات والاجتماعية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يجولون على المنشآت والمعامل والشركات، ويحصرون العاملين غير المسجّلين في التأمينات، لكن تقاعس هذه اللجان يؤدِّي إلى التهرُّب التأميني وبقاء الحال على ما هو عليه.
ئحول صلاحيات النقابة وقدرتها على الحركة والتدخُّل لرعاية العامل، يبيِّن المصدر أنَّ عقد العمل يجب أن يوثق في النقابة، وبالتالي يمكنها التدخُّل عند الحوادث والإصابات، وفي غير ذلك لا تستطيع التدخُّل.. إلا أنَّ حسين أحمد، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال وأمين عام الشؤون الصحية، يؤكِّد توافر الرعاية الصحية لكافة العمال المنتسبين إلى الاتحاد عبر 3 جهات؛ فجزء تقدِّمه الدولة، وجزء تقدِّمه التأمينات الاجتماعية، وجزء تقدِّمه صناديق الاتحاد العام والنقابات. وبيَّن أنَّ حوادث العمل قد تكون قلَّت في الفترة الأخيرة، إنما الأمراض المهنية لم تنخفض بسبب غياب وسائل الصحة والسلامة المهنية التي تقع على عاتق الإدارة، وهذا موضوع مُهمَل جداً من قِبل القطاعين العام والخاص.
أما في حال لم يكن العامل المصاب مسجّلاً في التأمينات، فيقول أحمد: «يكون عمل الاتحاد صعباً جداً في هذه الحالة؛ فلا جهة مسؤولة عن إصابة العامل ومرضه، وهنا نحن أمام حالتين؛ إما أن يكون منتسباً إلى النقابات حيث تقدِّم له النقابة الإعانة المنصوص عليها في أنظمة الصناديق، أو لا يكون مسجّلاً في النقابات وبالتالي يلجأ إلى المحاكم وعليه أن يثبت أنه يعمل في تلك المنشأة وأنَّ الحادث وقع أثناء العمل أو أنَّ المرض نتج عن الخدمة في تلك المؤسسة»..

 ¶قانون التأمين المعطّل
من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي عيد أبو سكة، أنَّ هناك عدداً من الحالات المعترف بها والتي تمارسها المؤسسة العامة للتأمينات، منها موضوع إصابة العمل والشيخوخة والتأمين الصحي وبعض الحالات ذات الصلة بالتكافل. ويضيف أبو سكة: «لكن نطمح إلى أن تتدخَّل المؤسسة في كلِّ موضوعات الرعاية الصحية، بما يُعرف بشبكة الحماية الاجتماعية، والمفروض أن يتاح لها التدخل وأن تبادر إلى ذلك، والمؤسسة تنشط في هذه المجالات؛ وعلى سبيل المثال قانون التأمين الصحي معطّل منذ العام 1979، لأنَّ وزارة الصحة تعطي لنفسها الحق في الولاية على التأمين الصحي، علماً بأنَّ الموضوع لا يتعلَّق فقط بوزارة الصحة؛ أي أقساط التأمين بالنسبة إلى العامل وربِّ العمل مسؤولية متعدِّدة الأطراف».
ويعتبر أبو سكة أنه: «لا يمكن القول إنَّ حالات التأمين مثالية أو كاملة أو أننا حقَّقنا 100 % مما نطمح إليه، ولا بدَّ أن يولى هذا الموضوع اهتماماً أكبر من قبل المسؤولين، لاسيما وزارة العمل، لأنها المسؤولة عن موضوع التكافل الاجتماعي، ولا بدَّ من لجنة تتابع هذا الموضوع بشكل شامل». 
 النقابة والانتساب المفقود
شكَّل تنسيب عمال القطاع الخاص إلى النقابات، أزمة حقيقية للحركة النقابية، لدرجة أنَّ البعض ذهب إلى اعتبار مستقبل الحركة النقابية مرهوناً بمدى قدرتها على الوصول إلى عمال القطاع الخاص، وذلك لأسباب موضوعية فرضتها الظروف الحالية، والتطورات الاقتصادية التي أدَّت إلى توسُّع دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وزيادة استثماراته، وازدياد نصيبه في الناتج المحلي، بحيث أصبح هو المهيمن والسائد في الاقتصاد السوري، وأدَّى ذلك إلى ازدياد عدد العمال في صفوفه.. وفي المقابل، حدث نزف في عدد العمال العاملين في القطاع العام، بسبب إيقاف الحكومة الاستثمار، والتجديد في قطاع الدولة الإنتاجي. والسؤال الذي تطرحه النقابات على نفسها: ما هي الخطوات الواجب اتّباعها للوصول إلى هؤلاء العمال؟..
يبيِّن أمين عام الشؤون الصحية في اتحاد نقابات العمال، حسين أحمد، أنه وفق قانون العمل الجديد أصبح لزاماً تسجيل كافة العمال في التأمينات، وهذا شكَّل مظلّة حماية قانونية وأخلاقية، وأصبحت هناك آليات في إرسال نسخة عن العقد إلى التأمينات منذ اليوم الأول للعمل، ويوضح العقد كلَّ الالتزامات والواجبات والحقوق..
وحول لجان التفتيش يقول أحمد: «إنَّ مديرية العمل في الوزارة هي التي تراقب وتفتِّش عن العمال في القطاع الخاص، بالإضافة إلى عمل النقابات في المؤسسات والشركات»..

السلامة المهنية
ترتبط قضية إصابة العمل بشكل مباشر بثقافة السلامة المهنية التي لم تكن تدخل سابقاً في خطط مؤسساتنا العامة أو الخاصة، لكن في الفترة الأخيرة ازداد الوعي بالسلامة المهنية. ويردُّ محمد حوا، رئيس الجمعية السورية للسلامة المهنية، تراجع حالات الإصابة والأمراض المهنية إلى ازدياد الوعي بأهمية وسائل السلامة والحماية، ويعتبر أنَّ دور الجمعية هو نشر هذه ثقافة عبر وسائل الإعلام والحملات الإعلانية والدورات المجانية للعمال في القطاعين العام والخاص.
ويبيِّن حوا أنَّ: «القوانين والأنظمة موجودة في سورية، ولكن نحن بحاجة إلى وعي العامل وتعاون الجهات الحكومية، أما الجمعية فتعتني بالعامل أينما كان، حتى الموظف والمدرّس والسائق، وتهتمُّ بالإصابات حتى في المهن والورشات الصغيرة»..
 إصابة العمل في القانون
ينصُّ القانون، على أنَّ لكلِّ مصاب أو «للمستحقين بعد وفاته»، حقَّ الحصول من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على تعويض إصابته، ولا يستحقُّ المصاب التعويض النقدي في حال تعمَّد إصابة نفسه أو حدثت الإصابة نتيجة سوء في عملة؛ أي الإصابة نتيجة تأثير الكحول أو المخدرات أو أيِّ مخالفة لتعليمات الوقاية أثناء العمل، وذلك كله إذا لم ينشأ عن الإصابة وفاة المُؤمَّن عليه، أو تخلُّف غير مستديم تزيد نسبته على 25 % من العجز الكامل وفق أحكام المادة / 32 / من قانون التأمينات، وتتولَّى المؤسسة علاج المصاب إلى أن يُشفى من إصابته أو يثبت عجزه، ويُجرى تقدير العجز الناتج عن الإصابة عند ثبوته أو بعد مرور سنة من تاريخ وقوع الإصابة، إذا لم يتمّ شفاؤه، وذلك بشهادة طبية من طبيب المؤسسة، وإذا أدَّت الإصابة إلى تعطيل المُؤمَّن عليه عن أداء عمله، فعلى المؤسّسة أن تؤدِّي له خلال فترة تعطيله عن العمل معونة مالية تعادل 80% من أجره اليومي لمدة شهر واحد، تزداد بعدها لكامل الأجرة ولمدة سنة واحدة.
أما إذا ثبت أنه قد نشأ عن الإصابة عجز كامل مستديم أو وفاة، فيحسب المعاش على أساس 75 % من متوسط الأجر الشهري الذي كان يتقاضاه في السنة الأخيرة، وفي حال الوفاة يوزَّع المعاش على المستحقّين وفقاً لأحكام المادة / 89 / من قانون التأمينات الاجتماعية.
أما إذا نشأ عن الإصابة عجز جزئي مستديم تقدَّر نسبته بــ35 % أو أكثر من العجز الكامل، استحقَّ المصاب معاشاً يوازي نسبة ذلك العجز من معاش العجز الكامل.
أما إذا نشأ عن الإصابة عجز جزئي مستديم لاتصل نسبته إلى 35 % من العجز الكامل، استحقَّ المصاب تعويضاً معادلاً لنسبة عجزه مضروبة بقيمة معاش العجز الكامل عن خمس سنوات ونصف السنة، ويعطى هذا التعويض دفعة واحدة.
أما إذا كان المصاب قد سبق له وأصيب بإصابة عمل سابقة وكانت نسبة إصابته الحالية أقل من 35 %، عُوِّض المصاب عن إصابته الأخيرة على أساس نسبة العجز الناتجة عن الإصابة، واستثناء من أحكام المادة / 29/.. أما إذا أدَّت إصابة المُؤمَّن عليه إلى العجز الكامل أو الوفاة، فيحسب معاشه على أساس الحدِّ الأدنى العام للأجر.. أما إذا أدَّت الإصابة إلى عجز نسبته 50 %، فيستحقُّ معاشاً شهرياً يعادل نسبة ذلك العجز من معاش العجز الكامل المحسوب على أساس الحدِّ الأدنى العام للأجر.  
 التأمينات ليست ضرائب
 التأمينات عملية اجتماعية وباب من أبواب الضمان والتكافل الاجتماعيين، وتؤدِّي إلى ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للعامل، كما أنها ليست ضرائب كما يعتبرها بعض أرباب العمل، وإنما تخلّص أرباب العمل من المسؤولية التي تقع على عاتقهم نتيجة إصابات العمل وغيرها من القضايا والمشكلات التي تواجههم إضافة إلى الخدمات الكثيرة التي يمكن الحصول عليها بتأمين الراتب التقاعدي للعامل والتعويضات الأخرى مثل تعويض إصابة العمل أو العجز الدائم أو المؤقت والمعونة اليومية وعلاج المصابين داخل وخارج القطر؛ الأمر الذي يجعل العامل المشترك لدى التأمينات الاجتماعية يؤمِّن على مستقبله ومستقبل أسرته، ويخفِّف الأعباء عن أصحاب العمل في تحمُّل تكاليف إصابات العمل في حال اشتراكهم عن عمّالهم.

كيان جمعة

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...