نضال سيجري:من واجب جمهورنا تعلم دفع تذكرة المسرح

19-05-2007

نضال سيجري:من واجب جمهورنا تعلم دفع تذكرة المسرح

بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق خاض الفنان نضال سيجري تجربة طويلة ومتنوعة ما بين المسرح والتلفزيون والسينما, جسّد خلالها نماذج معقدة من الشخصيات التي سوف تبقى طويلا في أذهان المشاهدين, وكان من المخرجين المسرحيين القلائل الذين كرّسوا جهدهم من أجل مسرح الطفل, وحين تبوأ اخيرا منصب مدير المسرح القومي, جاء إلى هذا المنصب محملا بالوعود والرغبة في تطوير آليات العمل والدفاع عن الفنانين, وقد أعلنها صراحة أمام وسائل الإعلام أن استقالته جاهزة إذا ما شعر أن مشروعه للعمل خلبي, معه كان لنا هذا الحوار حول تجربته الفنية وتطلعاته من خلال منصبه الجديد, وهذه هي التفاصيل:

** يُقال إن ميزانية المسرح القومي لهذا العام كانت قد أُنفقت خلال العام الماضي, فهل هذا الكلام صحيح, وإذا كان الأمر كذلك فما هي الإجراءات التي تتخذونها لسد هذا العجز؟
­ للأسف الكلام حول أن ميزانية العام الحالي قد صُرفت في العام الماضي, هو كلام صحيح, وفي ظل هذا الظرف الصعب نحن نحاول في المسرح القومي أن نخفض الإنتاج إلى الحد الأدنى, وان نتبنى لسد نقص العروض الجديدة ولتحريك المكان (صالات المسرح القومي الحمراء والقباني) نتبنى اتجاه التعاون مع الفرق المسرحية الخاصة والجهات الأهلية, مثل إقامة مهرجان الهواة في دمشق ومهرجان المونودراما في اللاذقية, واستضافة فرق الرقص والموسيقى والغناء بأجور زهيدة, أيضا هناك العروض السورية التي قُدمت خلال مهرجان دمشق المسرحي لمرة واحدة, نحن نعيد عرضها خلال العام الحالي, هذا بالإضافة إلى احتفالية يوم المسرح العالمي التي شملت عدة فعاليات, وامتدت على مدار أسبوع كامل للمرة الأولى هذا العام, وهناك عرض واحد سوف ننتجه هذا العام وهو للأطفال, فصالات مديرية المسارح موجودة, ومن الظلم عدم تشغيلها, ومن حق الجمهور علينا أن يشاهد عروضا باستمرار, فليس من شأنه إذا كانت الميزانية قد أُنفقت أم لا, وإذا كنا نتحدث عن المسرح بوصفه فعلاً حضارياً مهماً, فمن واجبنا أن نقوم بالحد الأدنى للحفاظ على هذا المسرح وإبقائه حيا في عقولنا وأرواحنا.
** هل هناك قرارات وإجراءات جديدة ظهرت أو في طريقها إلى الظهور لتحسين أداء المسرح القومي الذي طالما تعرض للنقد من قبل العاملين فيه أولا؟
­ العمل في المسرح يحتاج إلى مبالغ وميزانية مرصودة مسبقا, وألا يُترك الأمر لمحض المصادفة, وأنا مع الشفافية في العلاقة مع العاملين في إطار المسرح, فيما يخص أجورهم, بمعنى أن من حق رجل المسرح أن يعرف مقدار الأجر الذي سوف يتقاضاه قبل البدء في العمل, وأن لا تُترك الأمور ضبابية حتى اللحظة الأخيرة.
كذلك علينا أن نتعاون مع القطاع الأهلي, وأن نستضيف عروض الفرق الخاصة على اختلاف أنواعها, فلكي يتطور المسرح بشكل صحيح عليه أن يستقطب الجهات كافة, فالمؤسسة الحكومية بحد ذاتها لن تستطيع لوحدها أن تقدم مسرحا متطورا, والأهم من ذلك فإن القطاع الأهلي مظلوم بشكل أو بآخر, والتعاون معه يؤدي إلى تنوع العروض والتجارب المسرحية.
أيضا لدينا توجه جديد في عروض الختام لأي مسرحية أن نعقد ندوة مع الجمهور الموجود في الصالة لاستبيان رأيه في العرض, كما حدث في مسرحيتي: «شوكولا» و«كأس سقراط الاخيرة» وهي فكرة تعود للإعلامي نضال قوشحة, وقد تمت الندوات بإدارته.
ونحن نعمل على فكرة استضافة كبار نجوم البلد في عروض مسرحية, لكن هؤلاء أجورهم كبيرة, وعلينا أن ندفع لهم ما يستحقون, كي لا يديروا ظهورهم إلى المسرح, نحن نوجد هنا لكي نخدم رجالات المسرح ونساعدهم وندعمهم, ولسنا موجودين لكي يخدمونا هم ويساعدونا, علينا تصحيح هذا الالتباس.
مع مدير المسارح الدكتور عجاج سليم لدينا فكرة استضافة عروض عربية وأجنبية, وهذا مشروع تنويري سوف نحاول تكريسه والدفاع عنه, مع العلم أن مديرية المسارح مؤسسة غير ربحية, لكن هذا لا يعني أن نغلق هذه المؤسسة, علينا أن ندافع عن أنفسنا, عن العاملين في المسرح, وعن الجمهور الذي لا تعنيه التفاصيل, بل تعنيه نوعية العروض وعددها, أيضا من واجب جمهورنا أن يتعلم أن يدفع تذكرة المسرح, وهي زهيدة الثمن, لان هذا السعر هو بمثابة تعاون فعلي بين المؤسسة والشارع السوري للدفاع عن هذا المكان.
باختصار يمكنني القول إن توجهاتنا بشكل عام أن نقرّب الحلم من الواقع, أن نستقطب كل الشرائح كي تشارك في الفعل المسرحي والحراك الثقافي, فبدون ذلك سوف نعيش في جزر معزولة ونائية عن بعضها البعض, ما يحدث في عالم اليوم متقدم جدا عما هو لدينا, ومن حقنا أن نرى هذا التقدم, وأن نشارك في صنعه, ومن واجبنا أن نكون فعالين في هذا الإطار, فهذا هو السبيل إلى الشعور بحقوق المواطنة والدفاع عن هويتنا الثقافية, وإلا سوف نتحول إلى أشخاص مكتومين من دون رأي أو حقوق أو واجبات, وأنا من جهتي أشعر بالفرح حين أشاهد على الفضائيات وزير الثقافة السوري أو وزير الإعلام بدلا من وزير الدفاع, بمعنى أنني أشعر فعلا أن سياستنا تسير باتجاه السلام, وإذا كنا نقوم بهذا على المستوى الكبير, فلماذا لا نقوم به على المستوى التفصيلي فيما بيننا كمواطنين محبين لهذا الوطن.
 ** أشعر وكأنك تتكلم من موقع الحالم والراغب لا من موقع المسؤول, فأين هي صلاحياتك كمدير للمسرح القومي؟
­ نظريا هناك صلاحيات هامة جدا, لكنها تتقلص باستمرار على المستوى العملي, وهذا لا يخص فقط صلاحيات مدير المسرح القومي, وإنما يشمل أيضا صلاحيات مدير المسارح, وأنا اعتقد أننا موجودون هنا للدفاع عن حقوق الفنانين, وتطوير العمل المسرحي, وإذا كنا غير قادرين على إنجاز هذه المهام, فمن الأفضل لنا أن ننسحب على أن ندخل في صراعات ومداولة وإقناع لا طائل منه, فمن حق العاملين في المسرح القومي أن يأخذوا حقوقهم كاملة.
** كيف تفسر مشاركة عرضك «صدى» في مهرجان مسرح الهواة الذي أُقيم اخيرا, وأنت أكاديمي وصاحب تجربة طويلة في المسرح؟
­ مشاركتي في مهرجان الهواة تعبير عما أقوله وتكريس له, ولكي تكون عدوى أتمنى أن تسري عند الجميع, فقد عرضوا علي أن أكون ضيفا على المهرجان, ولكن أردت أن أكون مع الهواة, وكلمة الهواة هنا بمعنى الهوى والعشق, وأتمنى لهذه المشاركة أن تترك أثرا وجدانيا طيبا, أتمنى في الدورات المقبلة أن يشارك غسان مسعود وفائز قزق بغض النظر عن الجوائز والمسابقة, بل من أجل المشاركة بحد ذاتها, فقد يظهر شاب موهوب ويتفوق عرضه على كل العروض, وسيكون ذلك بمثابة مبارزة النبلاء, وسوف أكون سعيدا بذلك, فهذا البلد مليء بالمواهب الشابة, وعلينا أن ندعمها ونشجعها, فمن حق الأجيال الشابة أن تكون متواجدة وفاعلة, ولولا تلامذة المسيح لما انتشر الدين المسيحي, علينا أن نعمل من أجل المستقبل, من أجل إعادة تشكيل منظومة عمل على أسس فعالة وسليمة, وأن نبتعد عن الشخصانية والفردانية, لذلك أجدني دائما مع فكرة وجود لجان وورشات عمل وأناس من الأعمار والانتماءات كافة نتعاون معهم, ومشروعي المقبل سيكون مع الهواة, كي تستعيد هذه المفردة مكانتها, ويأخذ الشباب حظهم من الاهتمام والرعاية.
** حصدت جائزة أفضل ممثل على دورك في مسرحية «حمام بغدادي» فكيف توصلت إلى تجسيد تلك الشخصية بحيث عبّرت عن انكسارات وعذابات شريحة كبيرة من المجتمع العراقي؟
­ ليست الشخصية في حد ذاتها, بل النص والحلول التي أوجدها جواد الأسدي, وأسلوبه في العمل مع الممثل, وأهميته المهنية كمخرج, أنه يقدّر الممثل ويضعه دوما على المحك لاختبار ملكاته, فإما أن يكون أو لا يكون, بالإضافة إلى وجود شريك قدير مثل فايز قزق كان أستاذي في المعهد العالي للفنون المسرحية, إن الحوارات المستمرة أثناء البروفات, بناء المشهد وهدمه ثم إعادة بنائه وتوريط الممثل بان يكون فعالا ويبحث عن الجديد, هذا النهج خلق حالة عشق فيما بيننا وبين النص وشخصياته, وهذا كله يضعك في مكانك الطبيعي كممثل, كنت اهرب من أسلوب فايز في التمثيل, كي أوجد شيئا مختلفا, وكان جواد يحرص على أن نكون مختلفين, وعلى الرغم من هذا الاختلاف كانت حالة العشق المسرحية متألقة, بحيث كنا نتمنى ألا ينتهي العرض, وهذه الشراكة من النوع الوجداني العالي المستوى تحرض على الابتكار, وكما يقول أحد المتصوفة إذا أردت أن تكون مؤثرا عليك أن تكون متأثرا, بمعنى لكي تكون صادقا عليك أن تصدق.
** في مقابل هذه الشخصية الطيبة والمهزومة جسّدت شخصية الشر المطلق في مسلسل «الانتظار».
­ هذه شخصية موجودة في الحياة, لكنها غالبا ما تكون مغلفة بأقنعة كثيرة لإخفاء حقيقتها, مثل ياغو عند شكسبير, وقد حاولت أن اكشف عن بشاعة هذه الشخصية من الداخل والخارج إلى الحد الأقصى, وكنت أدافع عن هذه الشخصية, وأحاول أن أجد لها مبررات ودوافع كي تكتمل, وتقنع المشاهد بصدقيتها, هذا طبعا بالإضافة إلى وجود مخرج متفهم مثل الليث حجو, التعاون معه مثمر, لأنه ببساطة يستمع إلى الآخرين, وليس لديه عقدة أن المخرج هو رب الأرباب في العمل.
** من الملاحظ أنك تولي عناية كبيرة بالمظهر الخارجي للشخصية, فماذا عن هذا الجانب, ومن أين تستقي ملامح شخصياتك؟
­ هذا صحيح فبلورة الشكل الخارجي للشخصية هو أولى دلالاتها, عادة أقرأ المسلسل كله بتمعن, وليست مشاهدي فقط, هكذا أستطيع أن أستنبط ملامح الشخصية ومبررات وجودها وظروفها من داخل بيئة المسلسل, ثم أستعين بذاكرتي لتغذية الملامح العامة, الحياة مليئة بالشخصيات المركبة والشخصيات البسيطة, وكل الشخصيات التي عرفتها عن قرب في حياتي, أو تلك التي صادفتها وأنا في المقهى أو في الشارع أو السوق أو أي مكان عام, هي عبارة عن صور وملامح وسلوكات مخزونة في ذاكرتي, وفي اللحظة التي أبدأ فيها ببناء دوري تنفتح هذه الذاكرة وتمدني بالتفاصيل, أيضا أحيانا ألجا إلى القراءة حين يتعلق الأمر بشخصية تاريخية أو شخصية تنتمي إلى بيئة مختلفة عن بيئتنا, كما هو حال دوري في مسرحية «مات ثلاث مرات», التي أخرجها حاتم علي عن نص لجورج امادو, فقبل قيامي بتجسيد هذه الشخصية استعنت بكل ما قرأته من أدب أميركا اللاتينية.
00 في السينما كانت لك ثلاث محطات: الأولى في فيلم «الترحال» مع المخرج ريمون بطرس, والثانية في «الطحين الأسود» مع غسان شميط, والثالثة في «رؤى حالمة» مع واحة الراهب, فماذا تحدثنا عن هذه التجارب؟
­ فيلم «الترحال» تجربة لها خصوصيتها, فقد كانت المرة الأولى التي أقف فيها أمام الكاميرا السينمائية, ومع مخرج مثل ريمون بطرس كان صادقا بتوجهاته أثناء العمل, وكان يعي إمكانات الممثل الحقيقية, ويعطي فسحة وحيزاً للتعبير عنها, بان يضع ممثله دائما في فخ, وأنا أحببت هذا الأسلوب, طريقة الأفخاخ لها خصوصيتها, فنحن في المعهد لم ندرس السينما, ونخشى من الشاشة الكبيرة, لكنني كنت مرتاحا بالفعل بالعمل معه, كانت ملاحظاته تفصيلية جدا, وكان يخاف على ممثله من الفشل, وكنت اقدر هذا الخوف لديه.
التجربة الثانية كانت مختلفة, كنت لا أزال مستمتعا بتجربة العمل الأولى, بت أدرك حدودي كممثل, واعرف حدود المقترح في السينما, والشخصية مع غسان شميط جسدتها أفضل من شخصيتي في «الترحال» وكانت العلاقة بيني وبين المخرج فيها حوار اكبر, وفيها متعة مختلفة لها علاقة بالشغل في السينما في بلد يندر فيه الإنتاج السينمائي, أما في «رؤى حالمة» فقد كنت ضيفا على الفيلم, لكنني عملت لكي أكرر تجربة الوقوف أمام كاميرا السينما, ولأنني أحب عقلية واحة الراهب وطريقة عملها, كنت مقتنعاً أنها سوف تنتج عملا جيدا للجمهور, وأنا أؤمن بكامل التجربة, أن يكون لك شرف المشاركة في عمل جيد, أفضل من أن تكون جيدا في عمل رديء, لأن ذلك يؤدي إلى كارثة إنسانية وفصام, وتكون باللاوعي مثل زهرة النرجس.
00 كانت لك تجربة طويلة مع مسرح الطفل تمثيلا وإعدادا وإخراجا, وكأن الأمر جزء من مشروع فني متكامل, فما الذي دفعك بهذا الاتجاه, وإلى أين تريد الوصول؟
­ على خلاف ما تربينا عليه فإن متطلبات الطفل تتعدى الحاجات المادية من طعام ولباس وتعليم, تتعدى ذلك إلى الحاجات الروحية التي تشمل كل الفنون, وعلينا أن نلبي هذه الحاجات بشكل راق ومدروس, هذا هو مشروعي, ومازلت فيه, ومشروعي لا يهدف فقط لأن يكون هناك مسرح طفل, بل علاقة هذا المسرح بملاجئ الأطفال والجمعيات الخيرية وحقوق الطفل, وقد أخرجت عرضا حول أحلام الأطفال المجبرين على العمل, واحدة كانت تحلم بان تكون سندريلا, والآخر عازفاً والثالث رساماً, وكنت أتساءل أين هي المؤسسات الرسمية من هذه المعاناة, فعلى حد علمي الوضع الاقتصادي السيئ هو الذي يدفع الأهل لكي يجبروا أطفالهم على العمل في سن مبكرة, هذا العمل الذي قد يعرضهم ببساطة إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي.
** وماذا تعلمت من جمهور الأطفال الذي كان يحتشد في عروضك؟
­ في بروفة الجنرال دائما كنت أدعو عددا من أطفال معارفي وأسألهم عن انطباعاتهم وملاحظاتهم على العرض, كنت أصغي إليهم بانتباه شديد, وكانت ملاحظاتهم هامة, وتذهب باتجاه زيادة مساحة الخيال في العرض, خيال الطفل واسع ومدهش, وطالما حاولت التعرف الى تركيبة هذا الخيال, تعلمت منهم أن لا تكون الشخصيات الشريرة شريرة بالكامل, وكذلك الخيرة أن لا تكون مثالية, تعلمت حس الطرافة وتحريك المشاهد بشكل أسرع والبحث عن موسيقى لها إيقاع خاص, واعتقد أن العمل لمسرح الطفل هو اصعب من العمل لمسرح الكبار, علينا أن نصعد إلى الأطفال بفننا, لا أن ننزل بهم إلينا, فالطفل ذكي وردود فعله صادقة, وهو ناقد حاذق.


حاورته: تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...