واشـنطن تحبط مشروعاً عربياً لإدانـة الاستيطان

19-02-2011

واشـنطن تحبط مشروعاً عربياً لإدانـة الاستيطان

استخدمت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، للمرة الأولى أمس، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، لإحباط مشروع قرار للمجموعة العربية يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متحدية إجماعاً دولياً على إدانة الاستيطان عبر عنه باقي أعضاء المجلس. وجاءت الخطوة الأميركية، التي كرست من خلالها إدارة أوباما انحيازها الواضح لإسرائيل، بعدما أخفقت محاولاتها لثني السلطة الفلسطينية عن إصرارها على التوجه إلى مجلس الأمن، برغم تدخل أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لسحب المشروع.
وأحبطت الولايات المتحدة مشروع القرار العربي، باستخدام حق النقض الذي تتمتع به في مجلس الأمن، بعدما صوت لصالح مشروع القرار 14 عضوا في المجلس. وقالت المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس بعيد عملية التصويت إن القرار كان يمكن في حال تبنيه ان «يشجع الاطراف على البقاء خارج المفاوضات»، لكنها اشارت الى ان الاستيطان يقضي على «الثقة بين الطرفين»، ويهدد «امكانات السلام».
ويؤكد مشروع القرار العربي، الذي تقدم به المندوب اللبناني السفير نواف سلام ، أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية هي غير شرعية، وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق سلام عادل ودائم وشامل. ويدعو إسرائيل باعتبارها «السلطة القائمة بالاحتلال» إلى الكف تماماً وفورياً عن جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، واحترام كافة التزاماتها القانونية في هذا الصدد.
وفي كلمته أمام مجلس الأمن قال سلام إن بناء المستوطنات الإسرائيلية ازدادت وتيرته بنسبة 40 في المئة عما كان عليه قبل وقف العمل بقرار تجمد الاستيطان في أيلول الماضي، كما أن البناء في الأراضي العربية المحتلة ينتهك كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، فضلا عن أنه يمثل عقبة أساسية للوصول إلى تحقيق السلام في المنطقة.
واعتبر المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن استخدام الولايات المتحدة حق النقض «سيزيد من تعقيد الأمور في منطقة الشرق الأوسط»، معتبراً أن الخطوة الأميركية «لا تخدم عملية السلام» في المنطقة.... وتشجع إسرائيل على الاستمرار في الاستيطان والتهرب من استحقاقات السلام»، فيما قال امين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير ياسر عبد ربه إن الفيتو الأميركي يمثل «قراراً مؤسفاً للغاية ويمس مصداقية الولايات المتحدة»، مشيراً إلى أن الفلسطينيبن سيعيدون النظر في عملية المفاوضات بعد هذه الخطوة.
وشكل إصرار السلطة الفلسطينية على عرض مشروع القرار على مجلس الأمن اختبارا صعبا لقدرة الولايات المتحدة على اتخاذ موقف متوازن إزاء الاستيطان، في الوقت الذي تدّعي التقرب فيه من الشعوب العربية الثائرة على أنظمتها القمعية. وكان من الصعب على السلطة الفلسطينية أن تتراجع عن مشروع قرار إدانة إسرائيل لنشاطاتها الاستيطانية في الأراضي المحتلة بعد إصرار الأخيرة على مواصلة الاستيطان وخصوصا في القدس وبعد تدهور مكانة السلطة. وكان التدهور الأكبر قد حدث لمكانة السلطة إثر افتضاح مواقفها في المفاوضات التي كانت تجري سرا مع إسرائيل والتي كشفت «الجزيرة» عنها بالوثائق وبعد الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر. وشكل تراجع ما كان معروفا بمحور الاعتدال في المنطقة تجسيدا لتراجع دور ومكانة الولايات المتحدة وقدرتها على فرض إملاءاتها على السلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بإسرائيل.
وحتى الساعات الأخيرة قبيل التصويت في مجلس الأمن، اعتقدت الإدارة الأميركية أن بوسعها دفع السلطة للتراجع عن التصويت أو تعديل صيغة مشروع القرار. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن المسؤولين الأميركيين مارسوا أنماطا من الإغراء والتهديد لدفع السلطة للتجاوب مع هذا المطلب. وبررت الإدارة الأميركية رفضها المسعى الفلسطيني لإدانة إسرائيل في الأمم المتحدة بأنها ترفض «تدويل» الصراع العربي الإسرائيلي وتحاول حصره في الإطار الثنائي.
وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى اختلافها مع روح مشروع القرار الفلسطيني موضحة أن «مجلس الأمن ليس الأداة المناسبة». كما أن المتحدث باسم البيت الأبيض لم يجد تناقضا في الموقف ضد مشروع القرار والإعلان الأميركي المتكرر بأن «البناء في المستوطنات عمل غير قانوني». ومع ذلك شدد على «أننا لا نقبل بقانونية المستوطنات وهي تضر بالعملية السلمية وتحقيق حل الدولتين. والولايات المتحدة تؤمن بأن المفاوضات المباشرة هي السبيل الأفضل للتقدم نحو السلام».
وكانت المندوبة الأميركية سوزان رايس، قد تحادثت هاتفيا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقصد إقناعه بإصدار أوامره للبعثة الفلسطينية بسحب مشروع القرار. وعندما فشلت في ذلك اضطر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الاتصال شخصيا بعباس وتحادث معه حوالى ساعة عارضا عليه تغيير مشروع القرار بحيث يتم الاكتفاء فقط بإدانة الاستيطان وليس المطالبة بوقف أعمال الاستيطان. وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن أوباما عرض أيضا دعوة مجلس الأمن لإطلاق دعوة لاستئناف المفاوضات على أساس حدود عام 1967 بدلا من الصيغة الحالية التي تدعو لإنشاء دولة فلسطينية على هذه الحدود.
وعمد عباس، الذي سبق واكتوى بنار القبول بالإغراءات والتهديدات الأميركية في تعامله مع قضية تقرير غولدستون بشأن جرائم إسرائيل في حرب غزة، إلى تحصين نفسه بموقف فلسطيني واسع. إذ سارع لعقد اجتماع طارئ للقيادات الفلسطينية للبحث في هذا الشأن وقرر عدم التجاوب مع المساعي الأميركية. وذهب وزير الخارجية في حكومة رام الله، رياض المالكي، إلى حد اعتبار أنه إذا قررت أميركا استخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن فإنها «ستثبت دعمها للخطوات الإسرائيلية غير القانونية، وإنها تعمل خلافا لقرار جميع أعضاء الأمم المتحدة».
وبدا أن إسرائيل أوكلت مهمة التصدي لمشروع القرار في الأمم المتحدة للإدارة الأميركية حيث اختفت عن الواجهة. وحاولت الإيحاء بأن لا قيمة فعلية للقرار لأن إسرائيل ستواصل الاستيطان وخصوصا في القدس التي تعتبرها مدينة موحدة. غير أن هذا الاستخفاف يخفي إدراكا بأن قرارا دوليا في هذا الشأن يشكل من ناحية إحراجا للولايات المتحدة المعنية بالظهور بمظهر من يتقرب إلى الشعوب العربية في هذا الوقت بالذات. فإذا أقدمت أميركا على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار فإنها تؤكد للجميع أنها تخدم وتدعم إسرائيل حتى في القضية الأكثر إثارة للخلاف الظاهري معها وهي قضية الاستيطان. وإذا امتنعت عن استخدام هذا الحق فإنها تؤكد لإسرائيل وحلفائها في داخل أميركا أنها تخلت عن الدفاع عنها في هذه المسألة الحرجة.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...