هل يعرف القرضاوي تاريخ سوريا؟

29-04-2011

هل يعرف القرضاوي تاريخ سوريا؟

المفاجأة هي المفاجأة، لكنها تكبر عندما يشغل صاحبها مركزاً كبيراً يحتل موقعه بين سامعيه والمتواصلين معه.
عرفت الشيخ القرضاوي منذ عدة سنوات، وكنا في قطر، لمناسبة انعقاد مؤتمر القدس الدولي فيها، وقد أدار الشيخ القرضاوي أعمال هذا المؤتمر بروية ومقدرة.
وبعد انعقاد الجلسة الأخيرة حيث كنت وزميلي مطران القدس عطا الله حنا حول القرضاوي على المنصة، اختتمنا المؤتمر. ثم ودعت الشيخ بالانطباع الجيد، بصفته الرئيس الفخري لمؤتمر القدس الدولي وأنا كعضو في مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية.
وتشاء الأقدار أن تقع الحوادث الأخيرة في سوريا، وما خالطها من شوائب نتيجة مؤامرة كبرى أحاطت بأمة العرب، من محيطه إلى خليجه. وكنا نتناول الحدث من زاوية قومية ونعاين امتداداتها في كل قطر، حتى وصلت النار إلى بيتنا، وهنا أقول بكل اعتزاز أن سوريا لها خصوصياتها التي لا يضاهيها فيها أي قطر عربي آخر، وهنا كانت سقطة الشيخ القرضاوي ـ سامحه الله ـ عندما حاول إشعال الفتنة في وطني مخاطباً فئة دون أخرى، ومحرضاً الأولى على الثانية، معيباً علينا أن دستورنا خال من المادة الرئيسية التي هي، وبرأيه، دين الأكثرية. وهنا أسمح لنفسي بالقول:
1ـ إن سوريا كانت أول بلد عربي نال استقلاله التام الناجز، ولمدة استعمارية هي الأصغر في العالم كله.
2ـ انبرى دهاقنة القانون في سوريا بوضع نصوص الدستور في مطلع الاستقلال وكان بمئة وخمس عشرة مادة، غير ان المندوب السامي الفرنسي أضاف عليه مادة واحدة: «لا يُعتبر هذا الدستور ساري المفعول، إلا بقرار من المندوب السامي».
فقامت الدنيا ولم تقعد، وشكري القوتلي على فراش المرض، ينزف من معدته. فصرخ فينا نحن الكشافين قائلا: احملوني إلى ساحة الشهداء، والله سأقاتل وأموت هناك ولا أقبل بإضافة هذه المادة!.. وكان له ما أراد، وأسقطت هذه المادة؟... وتم الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946، وقد شببنا عن الطوق وأصبحنا في سن الرجولة، وأقيم سرادق في شارع بيروت وتصدره رجال الاستقلال استعداداً للعرض العسكري الأول للجيش الوطني.
وكنا نشكل سياج الحراسة، ونقف مقابل سدة الرئاسة لضبط حركة الجماهير.. وقبل بدء المراسم بدقائق، تقدمت جمهرة بلباسها الوطني تحيط برجل تبدو عليه المهابة، تحاول الوصول إلى المنصة الرئيسية، ولما طلبنا منهم بطاقات الدعوة تبسم هذا الرجل وقال أنا: صالح العلي...
فما كان من الرئيس القوتلي عندما رآه إلا ان انتفض من مقعده وقطع الشارع ليضمه بين يديه مرحباً، وتعانقا طويلا، مفسحاً أمامه الطريق، كزعيم لثورة العلويين، وليجلسه إلى جانب أقرانه من المجاهدين سلطان باشا الأطرش، والشيخ محمد الأشمر وغيرهم...
وتشاء الظروف ان تنجح الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وغيرها بتنفيذ وعد بلفور واتفاقية سايكس وبيكو. وتختلط الأمور في المنطقة اختلاطاً عجيباً ولتبدأ الحرب على أرضنا في فلسطين عام 1948.
وككل الشعوب انبرى من كل الفئات من سبق له التعاون مع الفرنسيين، ثم ليستتبعوها بتعاونهم مع المستعمرين الجدد الصهيو أميركيين...
غير أن الخير يبقى في أمتي إلى يوم يبعثون، فاندفع الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه والتحقوا بالقوات المقاتلة في فلسطين. وهنا أستطيع التأكيد، وبمعرفة تامة، موثقة بالأشخاص والأسماء، ان ما من شريحة من شرائح المجتمع السوري، أو العربي، لم تقاتل ضد الصهاينة عام 1948.
وهنا أتعرق خجلاً، عندما أذكر هوية بعض من هذه الشرائح، مرضاة لمرضى النفوس، الذين لا يعرفون من هو المواطن السوري، عندما يلامس العدو بعضاً من كرامته.
فكان أول شهيد على أرض المعركة في فلسطين مدرّبنا الشهيد الملازم احسان كم ألماز الكردي وابن أخت حسني الزعيم؟ ثم أعقبه رئيسي الشهيد فتحي الأتاسي (حمص) ثم صف الضابط الشهيد/ عيسى شويحنة (حلب). وكرت السبحة فأصيب العقيد حسن مهنا (علوي) في ساقه وبترت ساقه، ليلتحق بعض من آل جديد (العلويون غسان وصديق ومحمد وأديب) ليشاركونا في المعارك ضد العدو.
وتتتالى الأحداث ليكون المسؤولون عن كنيسة (نوتردام في القدس) الشبان المسلمون بقيادة بعض أهلي وأصدقائي من حي الميدان بدمشق برئاسة الشيخ مصطفى السباعي. ولن أنساهم عندما كانوا يرددون أثناء القتال: الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا.
وقد نفر بعض القوميين الاجتماعيين، وبعض البعثيين، وكل من كان مؤمنا بالدفاع عن وطنه.
كنا جميعاً، إخوة في القتال بمشاربنا كافة، من سوري إلى مصري، ومن ليبي إلى يمني، وهذا هو الملازم (شناوة) اليمني يخوض المعركة في المالكية دفاعاً عن الحدود اللبنانية. فكيف أنسى المسيحيين مارسيل كرامة، وجول جمّال، والقائد الدمشقي البطل مأمون البيطار.
وبعودة لبداية حديثي، أتساءل هل الشيخ القرضاوي يعرف بعضاً من هذا التاريخ؟ أشك في ذلك، وإلا لما كان قد سقط هذه السقطة الكبرى، خاصة بعد ان رأيناه على جهاز التلفاز السوري يحار بانتقاء الألفاظ لتمجيد القيادة السورية.

ممدوح رحمون

المصدر: السفير

التعليقات

إذا كان القرضاوي قد أخطأ بلسانه فنحن أخطأنا بأيدينا و أرجلنا وقمنا بالرد على خطأ القول بخطأ الفعل

لاينطق القرضاوي بغير الوهابية .هذه النسخة الأنكلو- بدوية "راجعو تاريخ محمد بن عبد الوهاب " الأغلبية السنية في سورية تعرضت في العقود الماضية إلى غزو وهابي مدعوم بالثروة النفطية التي وضعت العائلة المالكة السعودية يدها عليها بالتعاون مع الإنكليز ولاحقاً مع الأميركيين .تاريخ المجتمع السوري المتنوع أظهر في القرن العشرين ميلا إلى التدامج الوطني لم تتباطئ حركته إلا بعيد الهجوم الذي شنه الأخوان المسلمون على النظام السوري في نهاية السبعينات .لم يكن لهذا التنظيم السياسي الديني في عهد مرشده السباعي الوشائج العميقة التي ربط نفسه بها لاحقاً بعد غياب الشيخ بالعقيدة الوهابية .وما جرى للأخوان المسلمون السوريون جرى كذلك في مصر .إن إعادة أسلمة الطائفة السنية جرت وتجري على قدم وساق في ظل ظروف مناسبة :المال الخليجي والدعاية الوهابية وفساد النظام السياسي .ليست فتوى قرضاوي أكثر من "فسوة طائر " لن يسمع بها أحد لولا المناخ الذي تعاونت على صناعته العوامل الآنفة الذكر .على ماتبقى من مجتمع مدني في سورية أن يشحذ همته ويشمر عن ساعديه لحماية مطالب الإصلاح السياسي من أن تصبح مطية لوهابيين قد اختصروا الإسلام بثقافة المطاوعة .نحن السوريون أرفع من أن يعلمنا الدين هؤولاء الأعراب اللذين وصفهم القرآن الكريم :الأعراب أشد كفراً ونفاقاً .والقرضاوي إن فاتته الأولى فإن الثانية لن تخطئه..

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...