السوريون يستقبلون رمضان «بقفف» خاوية

28-05-2017

السوريون يستقبلون رمضان «بقفف» خاوية

لا تبدو الأسرة هذا العام في وارد عيش طقوس شهر رمضان على أصوله، بعد أن فرض الغلاء كلمته على يومياتها، لتكتفي من كل شي من قريبه كما يقال، وإن استوجبت خصوصية هذا الشهر كسر بعض قواعد التقشف المتبعة، ليسعفها في ذاك انخفاض أسعار الخضر بشكل يتيح لها المناورة قليلاً وإعادة إحياء ولو جزء بسيط من أجوائه المحببة، ما يستلزم اتخاذ إجراءات نوعية وليست إعلامية فقط، تضبط الأسواق وتمنع استغلال بعض التجار هذه المناسبة لرفع أسعار السلع بغية تحقيق أرباح إضافية، فهل ستتمكن الوزارة المعنية بحماية المستهلك من نيل هذا الاستحقاق بعد الإعلان عن خطتها والتطبيل لها، أم أن الفشل سيكون حليفها أيضاً بعد عجزها عن إرساء الاستقرار في الأسواق طوال سنوات الحرب الثقيلة الظل على جيوب السوريين؟.

التمور في واجهة الغلاء
تبدو الحركة نشطة في أسواق دمشق الشعبية- خلافاً لفترة سابقة حينما شهدت أسعار الخضر خصوصاً ارتفاعاً ملحوظاً حدّ من إقبال المواطنيين على عمليات الشراء- التي بدت جيدة نسبياً
من دون ربط ذلك باستعدادهم لاستقبال شهر رمضان الكريم، فلا نرى أياً من مظاهره المعتادة باستثناء عرض التمور، التي ارتفعت أسعارها على نحو كبير يفوق طاقة المستهلك على التحمل، إذ تجاوز سعر الكيلو غرام الواحد لبعض الأنواع ألفي ليرة سورية، وهو ما وجده محمد مرعي «موظف»، الذي كان يتفحص حبات التمر ويسأل عن سعره وأصنافه سعراً، مرتفعاً جداً، بشكل يحول دون شرائه خلال شهر رمضان لوالده المريض، متوجهاً بالانتقاد إلى دوريات حماية المستهلك التي لم تستطع ضبط أسعار هذه المادة الغذائية المهمة مع أن وجودها في الأسواق محدود جداً.
ارتفاع غير مبرر
غلاء التمور عزاه العديد من التجار إلى منع استيراده عدة شهور، بشكل تسبب في دخوله تهريباً مع منتجات أخرى كالتمر الهندي، وهو ما نفاه بسام حيدر معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، الذي شدد على أن منع استيراد التمر لا علاقة له بارتفاع سعره وخاصة أنه منع لفترة محدودة ليسمح باستيراده مجدداً في شباط الماضي، حيث مُنحت إجازات استيراد لـ 45 مستورداً لتبلغ الكمية الممنوحة 25705 أطنان منذ بداية العام الجاري، بينما بلغت قيمة التمر المستورد 5 ملايين و200 ألف يورو، لذا لا مبرر أبداً لزيادة أسعارها بحجة منع الاستيراد، إنما السبب وراء ذلك يكمن في قيام بعض التجار باحتكاره، علماً أن استهلاك المواطنين للتمور ودخولها في الصناعات الغذائية كالحلويات، التي يصدر جزء منها للخارج، يحدد استيراد هذه المادة.
ما يسدّ الرمق
نكمل جولتنا في أسواق دمشق لنلحظ إقبال المواطنين وخاصة النسوة، على شراء الخضر والمواد الغذائية بكميات محدودة جداً تكفي يوماً واحداً فقط، نسأل سيدة أربعينية تقف أمام مدخل سوق باب سريجة لشراء حاجاتها من الخضر عن أسعارها.. وعن استعداداتها لشهر رمضان فتقول: أسعار الخضر مقبولة حالياً، وتساعدنا قليلاً على إعداد الوجبات، التي اعتدنا على تحضيرها في هذا الشهر المبارك، الذي حرمتنا الأزمة من عيش طقوسه مع الاكتفاء بصنف واحد يومياً وحذف سلع من حساباتنا لعدم المقدرة على الشراء كاللحوم، بينما تتساءل سيدة خمسينية تقف مع ابنتها العشرينية: كيف يمكن عيش طقوس رمضان في ظل غلاء السلع الجنوني واستمرار تهجيرنا من منازلنا…؟ فالإيجار على سبيل المثال وحده «يكسر ظهرنا»، فكيف بأسعار السلع الغذائية، التي حتماً سيستغل بعض التجار حاجة المواطن إلى شرائها لزيادة أسعارها.
القليل ولا الاستدانة
نمضي في جولتنا إلى سوق شربيشات ضمن المنطقة نفسها والذي يعد أغلى نسبياً من باب سريجة مع أن مسافة قليلة تفصل بينهما فنشاهد سيدة وزوجها يشتريان مواد غذائية كالبرغل والرز والمعكرونة بكميات قليلة، نسألهما إذا كان ذلك استعداداً لاستقبال شهر رمضان فتقول الزوجة: نفدت هذه المواد من البيت بالتزامن مع قدوم شهر رمضان الكريم، بشكل استلزم إحضارها وإن بكميات محدودة ريثما نتمكن من الحصول على حصتنا من المواد الإغاثية، التي لم نحصل عليها منذ 3 أشهر لأسباب معروفة مع أنها تسندنا في أغلب الأحيان لتمضية بقية الشهر من دون استدانة.
تصريحات لا تطعم خبزاً
نلمس تفاؤلاً في كلام سيدة أخرى التقيناها في جولتنا السوقية رغم تأكيدها أن وضعها كما عبرت عنه «على قده» إلا أنها وعائلتها وأقاربها لا يزالون يعيشون طقوس رمضان المعتادة وخاصة الزيارات العائلية، عبر الإفطار كل يوم عند أحد أفراد العائلة للمحافظة على الود وصلة الرحم وتقسيم تكاليفه على الجميع في الوقت ذاته»، بينما يؤكد أبو سليم أب لخمسة أولاد أن انخفاض أسعار الخضر يقلل فعاليته انخفاض الرواتب وغياب الرقابة التموينية، التي يطالبها بتنشيط أدائها خلال شهر رمضان لضبط الأسواق وقمع المخالفين، بالتوازي مع تفعيل ما تسمى مؤسسات التدخل الإيجابي دورها وليس الاكتفاء بتصريحات إعلامية لا تطعمنا خبزاً.
سيناريو مكرر
لا يستسيغ أحد باعة المواد الغذائية اتهامات المواطنين لهم باستغلال شهر رمضان لرفع الأسعار، ليكرر سيناريو التكاليف التي يتحملها أثناء النقل من سوق الهال والأتاوات وغيرها، مؤكداً أنه ليس من مصلحة التجار، وخاصة الصغار، غلاء السلع لأن الطلب سيكون عليها قليلاً جداً في ظل انخفاض الدخول، وتالياً ليس من مصلحتهم انخفاض الأسعار لتحقيق بعض الربح، أما اليوم فلا يحصلون من الجمل على أذنه كما يقال.
تواصل بلا صلاحية
ولأن غرفة تجارة دمشق مسؤولة عن شؤون التجار ويفترض قيامها بدور فعلي في تأمين انسياب السلع واتخاذ إجراءات معينة تمنع رفعهم الأسعار خلال شهر رمضان قصدنا غسان القلاع رئيس غرفة تجارة دمشق لمعرفة ذلك ليقول: منذ شهرين تقريباً نقوم بالتواصل مع وزارة الاقتصاد لتوسيع قائمة المواد المسموح باستيرادها التي تشمل احتياجات شهر رمضان والمواد المستهلكة فيه، ويشدد على أن الغرفة تركز عملها على توافر كل السلع الغذائية في شهر رمضان والعيد بأسعار مناسبة، لكن ذلك يواجهه عدداً من العقبات بدءاً من وصول البضائع إلى الموانئ حتى تحميلها ومرورها على الطرقات وصولاً إلى مناطق الاستهلاك، إضافة إلى التأخير في التخليص وأجور النقل والترفيق والتحميل وتنزيل ومصاريف شحن، وعند سؤاله عن إمكانية تخفيض الأسعار خلال شهر رمضان لأنه لا يجدها مقبولة قياساً بدخل المواطن أكد أن غرفة تجارة دمشق لا تمتلك صلاحية تغيير هذه المعطيات، فالمحروقات هي تسعيرة الجهات صاحبة الصلاحية، أما نفقات الترفيق، وإن كانت بغير تعليمات رسمية، لكن تعليماتها التي يصدورنها لأنفسهم سارية المفعول وتنصب على التكلفة، مشيراً إلى أن التاجر مواطن مستهلك كغيره ولا يذهب البال إلى أن مقدرته الشرائية غير محدودة بل هو كبقية أفراد الشعب قد يتمكن من الشراء أفضل من غيره بزيادة أو نقصان 10% لكنه لا يقدر على الشراء بأسعار مضاعفة.
آخر فنونها… رقابة المحبة
مسؤولية ضبط الأسواق في رمضان لا تقتصر حتماً على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التي سارعت كعادتها عند قرب حلول شهر رمضان إلى إصدار «فرماناتها» الورقية في التشدد بمراقبة الأسواق ومحاسبة المخالفين، وإنما يشمل جهات عديدة يفترض التعاون بينها لتحقيق هذا الهدف وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن، وهو ما لم يحصل في سنوات سابقة مع الأمل في إرساء ذلك هذا العام عبر تكثيف الجهود وقمع المخالفات فوراً وبصورة حازمة..
لمعرفة كيفية تطبيق ذلك والخيارات المطروحة أمام المستهلك لتدبير شؤون أسرته طرقنا باب جمعية حماية المستهلك بإدارتها الجديدة برئاسة الدكتورة سراب عثمان، التي بدأت وكأنها تتعامل مع واقع الأسواق من كونها ربة أسرة أكثر من كونها رئيسة جمعية حماية المستهلك متبعةً منطق النساء العطوف الرحيم وإبداء النصائح فقط، مستندة في رأيها على كون دور الجمعية ينصب على الإرشاد والتوجيه والتوعية، وليست جهة تنفيذية أبداً، مع العلم أن هذه الجمعية في جميع دول العالم تمتلك تأثيراً كبيراً على السوق ويحسب لها ألف حساب، لتؤكد أنه – حسبما سمعت- ستبقى الأسواق على وضعها في رمضان من دون زيادات سعرية وإن حصلت سيكون ذلك ضمن نطاق محدد في ظل وجود منافسة تضمن تخفيض الأسعار على قولها، لافتة إلى ضرورة تطبيق رقابة المحبة وليس الفرض فيتم الطلب من التجار وضع لوائح الأسعار على السلع المعروضة في محالهم، متوجهة بالنصح إلى المستهلك للبحث عن المنتج الأرخص ذي النوعية الجيدة لأن السوق يعرض خيارات متعددة يفترض التعرف عليها وليس الشراء فوراً، لتنبه أيضاً إلى مسألة غاية في الخطورة تتمثل بوجود سلع منتهية الصلاحية يقوم تجارها بإجراء عروض عليها بغية جذب المستهلكين لشرائها، لذا يجب التأكد من صلاحيتها تجنباً لضررها الصحي وخسارة المواطن لماله، داعية إلى ضرورة تفعيل مؤسسات التدخل الإيجابي لدورها في المساهمة بكسر حدة الأسعار.. ولا يحيد نائبها المحامي نبيل حمامي عن السياق الذي حددته رئيسة جمعية حماية المستهلك ليدعو التاجر الوطني إلى أخذ دوره المجتمعي بشكل ينعكس على مصلحته ومصلحة المواطن عبر تأمين السلعة بسعر منطقي ومقبول، ففي رأيه قد يكون تاجراً لسلعة ما لكنه مستهلك لسلع كثيرة، داعياً المواطن إلى عدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة التي تدعوه إلى شراء منتجات كاسدة منخفضة الجودة وليست منخفضة السعر.
حماية غائبة وفقدان ثقة
ويبدو د.أدهم شقير عضو جمعية حماية المستهلك أكثر جرأة في طرحه لواقع الأسواق وحال المواطن الصعب خلال شهر رمضان بقوله: العادات الاستهلاكية تغيرت منذ بدء الحرب من عام لعام باتجاه التقشف، وجمعية حماية المستهلك كانت قد رصدت الأسعار في رمضان عامي 2015 و2016 ليظهر أن التضخم وصل 189%، وهذه المسألة لا تتحملها جمعية حماية المستهلك ولا التجار وحدهم وإنما هناك جو عام فرض نفسه على الأسواق تتحكم به عدة عوامل أدت إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للمواطن، الذي أجبر على تغير عاداته الاستهلاكية والاتجاه نحو التقشف، وهنا يخالف زميليه اللذين نصحا المواطن بالبحث المتواصل عن السلعة الأرخص والأجود، وهو أمر مهم لكن في رأيه المواطن بات مسكيناً ومذعناً أمام قلة دخله وغلاء الأسعار، لذا لا مفر أمامه سوى تدبير أمره وخاصة أنه لا يملك ثقافة الشكوى بعد فقد الثقة بالجهات المعنية المكلفة بمعالجتها، ما يستوجب ضرورة العمل على تصحيح هذا الأمر عبر تعزيز العلاقة بين الطرفين وخاصة في ظل وجود مراقبين نشطين يمتلكون خبرة كافية في مراقبة ورصد الأسواق، ولكن ماذا سيستفيد المواطن إذا تم الاكتفاء بذلك من دون حصول انخفاض في الأسعار، لذا يتطلب الأمر سياسات حكومية تتجه نحو حماية المواطن من الغش والاستغلال على أن تكون جمعية حماية المستهلك الجناح المساعد في حمايته باتجاه تحقيق عدالة في السعر والجودة أينما كان.
العصا لمن يخالف
قبل أسبوع على موعد حلول شهر رمضان الكريم سارعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى تسريع عجلة تصريحاتها الإعلامية كما العادة عبر تشديد الرقابة التموينية على الأسواق وتأمين السلع في صالاتها بأسعار أخفض والتلويح بالعصا الغليظة في وجه المخالفين من دون تلمّس أي أثر فعلي على واقع الأسواق بما يرضي المستهلك، لكن التجارة الداخلية نفت ذلك بتأكيد أن إجراءاتها صارمة هذه المرة وذلك يظهر في تعاميمها الصادرة، حيث قامت مديرية حماية المستهلك بوضع جملة من الآليات المتبعة التي تتضمن تقسيم المحافظة الواحدة الى قطاعات عملياتية حسب الأهمية والظروف المتاحة بما يحقق سهولة وانسيابية العمل الرقابي على هذه القطاعات وتلبية متطلبات المستهلكين، إضافة إلى العمل على تكليف الدوريات الرقابية بالعمل ضمن نظام المجموعات على أن يترأس كل مجموعة معاون مدير أو رئيس دائرة.
رقابة نصفية
وبحسب التعميم، فقد تم التركز خلال النصف الأول من شهر رمضان المبارك على المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها المواطن يومياً على السفرة الرمضانية (خضر، فواكه، لحوم،خبز، ألبان، أجبان،…) سواء من خلال توافرها وضبط سعرها عبر التدقيق في موضوع تداول الفواتير بدءاً من انتاجها وانتهاءً بوصولها إلى المستهلك، إضافة إلى سحب عينات من المواد المشتبه بمخالفتها المواصفات الصحية وخاصة باعة اللحوم، على أن يتم التركيز في النصف الثاني من الشهر الفضيل على المواد الأخرى (الألبسة، الأحذية الحلويات والسكاكر، الموالح،..) وذلك منعاً لحدوث أي زيادة في الأسعار أو احتكار لبعض المواد من قبل بعض ضعاف النفوس واستقرار الأسعار وتأمين السلع بكل أشكالها وأنواعها ضمن الجودة والمواصفة المطلوبة كي لا يقع المواطن فريسة استغلاله من قبل باعة الجملة ونصف الجملة والمفرق والمستوردين، كما لم تقتصر تعليمات الوزارة على أسعار السلع بل شددت رقابتها -كما ادعت- على وسائط النقل بين المحافظات خلال فترة العيد بأن ألزمت السائقين بعدم تقاضي أي زيادة على التسعيرة تحت مسمى العيدية.
تدرس التكاليف
مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نضال مقصود أكد أن المديرية تقوم حالياً بدراسة تكاليف منتجات ومستوردات القطاع الخاص ضمن لجنة التسعير المركزي حيث سيتم تعميم الأسعار التي تصدر عن الوزارة على كل أجهزة حماية المستهلك للتقيد بها والعمل بموجبها لجهة ضبط الأسعار في الأسواق الداخلية خلال هذا الشهر، مضيفاً أنه لن تقتصر المراقبة على أسعار المواد الغذائية حيث سيتم التعميم على كل مديريات التجارة الداخلية في المحافظات للعمل على تطبيق القرار المتضمن إلزام جميع منتجي الألبسة تقديم بيانات تكلفة إنتاج الألبسة الجاهزة بكل أنواعها والتحقق من مدى مطابقتها للأسعار الفعلية، مع إشارته إلى أنه تمت توصية دوائر الأسعار في المحافظات بوجوب دراسة تكاليف المنتجات المحلية لديهم وفق التكلفة الفعلية ومتابعة تنفيذها في الأسواق الداخلية بالتنسيق مع جهاز حماية المستهلك.

 رحاب الإبراهيم - دانية الدوس - مادلين جليس

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...