رجال حارتهم وذكور حارتنا

22-10-2007

رجال حارتهم وذكور حارتنا

وأقفل «باب الحارة» فاتحاً في طريقه أبواباً عرّت الواقع المرير الذي تحياه حارتنا العربية المعاصرة. وتسمر العرب أمام الشاشات لمتابعة هذا العمل الدرامي. وتساءل الجميع عن سبب جذب عمل درامي لملايين المشاهدين على مدار أكثر من شهر. وكعادتنا، حكمنا على الموضوع بسطحية كبيرة، وأرجعنا سبب نجاح المسلسل الى بساطته ونقله للبيئة الدمشقية القديمة، وكلف بعضنا نفسه بالغوص للأعمق، لنعود ونكتشف أن السبب يعود الى كفاءة الممثل السوري ونجاحه في تقمص الأدوار، ليتوحد معه المشاهد ويشعر أنه يعرف هذه الشخصية التي تطل عليه من شاشة التفزيون.

حتى الآن تبدو تحليلاتنا منطقية ومعتادة، ولكن من ينظر من ثقب الأبواب المغلقة، ويفكر في ما وراء «باب الحارة» سيكتشف المفاجأة. لقد تعلقنا بهذا المسلسل لأنه قدم لنا ما نفتقر اليه: قدم صوراً من النبل والشهامة في زمن عز فيه النبل والشهامة، وأظهر رجالاً غابوا عن حاراتنا العربية المعاصرة، وقد يظن البعض ان اعجاب نسائنا برجال باب الحارة أمر طبيعي لكن هذا الاعجاب جاء ليعري الأمراض والعلل التي أصابت مجتمعاتنا العامرة بالذكور والمفتقرة للرجال. فنساؤنا يحتجن الى رجال يعاشرونهن بالمعروف ويتقون الله فيهن، يحتجن الى رجال عطوفين جاؤوا من زمن لم يكن للذكر صلاحية التجبر على الأنثى بسبب أسطورة عقيمة زرعها الأهل في نفوس ذكورهم!!

أما ما يحتاج الى وقفة تأمل كبيرة فهو أن يصل الحال بذكورنا لأن يعجبوا برجال «باب الحارة»، فالرجل الشرقي عادة ما يحاول أن يهمش نجاح أي رجل آخر يكون محط اعجاب الآخرين. ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً فمن رجالنا من أطلق على نفسه لقب (أبو العز)، وأطلق آخرون على أنفسهم لقب (العقيد أبو شهاب)، وذلك يدل على أن رجالنا اكتشفوا – فجأة – وبعد سنوات أنهم مجرد ذكور يفتقرون لنموذج الرجل بداخلهم أولاً وفي حياتهم ثانياً. لم ينجذب ذكورنا لشخصية (العقيد أبو شهاب) الا لأنهم يفتقدون في حياتهم لشخصية الحاكم العادل الشجاع والمقدام، الذي ان حكم حكم بعدل وإن قاتل قاتل باستبسال في سبيل العيش بكرامة وعزة نفس... أعجب ذكورنا بشخصية (أبو العز) لأنهم يفتقرون لذلك الرجل الشجاع الذي يرفض أن تداس كرامته ويهان شرفه. يفتقرون لذلك الرجل الذي يغار على عرضه وأهله، فمن من ذكور هذا الزمن، له مثل هذه الصفات؟ ومَن من ذكورنا تخافه زوجته كما تخاف زوجات «باب الحارة» أزواجهن احتراماً لهم ولهيبتهم وليس خوفاً من جبروتهم وبطشهم ولسانهم السليط، ويدهم الأكثر تسلطاً في حاراتنا العربية المعاصرة؟!

اليوم نرى الآباء متعطشين لأن يعاملهم أبناؤهم بطاعة وولاء كما يعامل أبناء «باب الحارة» أهلهم. لكننا في حارتنا المعاصرة ومن باب إعلاء جناح الذل من الرحمة شيدنا لهم دوراً لايواء كبار السن والعجزة كمقابر موقتة!!، اليوم يحتاج الابن الى أب يخاف عليه ويحرص على تربيته والحفاظ على عفته، اليوم تريد عائلاتنا الأم التي تربي وتلم شمل الأسرة والتي تحترم زوجها وأهله، والأب الذي لا يرى في طاعة زوجته له ضعفاً ومفتاحاً لاستعبادها، الشباب يفتقرون اليوم لوجود تلك الانثى التي مهما اشتعلت نار الحب في مشاعرها لا تخلع ثوب العفة والحياء والخجل حتى في غرفة نومها مع من أحله الله لها.

العائلات متعطشة لوجود الأب الذي يسعى الى توفير البيئة والاجواء السليمة لتربية أبنائه، الأب الذي يزرع في أولاده حب الخير واحترام الكبير، الأب الذي يحترم زوجته واصهرته، الأب الذي يقدس جاره ويمد له يد العون... ويسامح من أساء له طالما أنه مجرد عبد لخالق من صفاته الغفور الرحيم...

... فعلاً أقفل «باب الحارة» وفتحت أبواب وأبواب أمام سكان الحارة العربية المعاصرة، وخرج من هذه الأبواب سؤال عن مصير رجالنا، فلقد اكتشفنا – وما أندر الاكتشافات في حارتنا العربية المعاصرة – أنه ليس كل من صنفوه ذكراً في شهادة ميلاده أصبح رجلاً، وليس كل الازواج الذكور رجالاً وإلا لكان الفأر بشاربيه سيد الرجال!

أدهم اسماعيل سكيك

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...