سوريا«غير»على أبواب قانون العمل الجديدلكن هل ستكون فعلاً«بخير»؟

22-04-2009

سوريا«غير»على أبواب قانون العمل الجديدلكن هل ستكون فعلاً«بخير»؟

«سوريا غير.. سوريا بخير»، إعلان ينتشر في شوارع دمشق مروجاً لافتتاح البورصة. لكن الحديث هنا ليس عن سوق الأوراق المالية، بل عن تغيير يواكبه، وتنطبق عليه الجملة الخبرية الأولى من الإعلان. يخرج أحدهم من وزارة العمل، صاحبة مشروع قانون العمل الجديد ومتعهدة مداولاته، ويقول: «لا حول ولا قوة»، والنقاشات بين أرباب العمل وممثلي اتحاد نقابات العمال وصلت إلى طريق مسدود. يضجرون من «فزلكات» حقوق العمال. واعتراضات فريق العمال كانت واضحة: «تمرير المادة 65 على جثتنا». والمادة 65 وما يتصل بها، تطلق يد رب العمل في تسريح العاملين، مؤقتين أو مثبتين، بدون ذكر الأسباب. ورغم هذا «الخلاف الجذري» حول مواد تُفقد العامل مكتسباته، جرى الحديث أخيرا أن هناك صيغة توافقية على القانون، لم يعلن عنها. والمحطة الفاصلة ستكون في مجلس الشعب، حيث سينقاش القانون والتصويت عليه. حينها سيعرف العمال عمّا تنازل ممثلوهم!
ثمة ثلاثة نماذج وضعها الوظيفي مختلف تماما. وهؤلاء الثلاثة شباب (26 سنة، 29 سنة، 32 سنة) لا يتجرأون على ذكر أسمائهم، أو أسماء شركاتهم، كي لا يميزهم أصحاب عملهم، واثنان منهم محصنان بقانون العمل «القديم».
الموظف الرقم 1
منذ أشهر، صار الموظف الرقم 1 يعمل في شركة اتصالات معروفة، بعقد عمل غير محدد الأجل (دائم). قبلها، عمل لسنتين بعقدي عمل مؤقتين في الشركة نفسها، مدة كل منهما سنة إلا 15 يوما. هو وضع عام في الشركة، فهناك موسم معروف للفصل الجماعي، لان استمرار موظف في عمله أكثر من سنة يحوله قانونياً إلى موظف بعقد «دائم». لذا، يُصرف العمال المؤقتون 15 يوماً، ومن يُعَدْ فسيعامل كأنه موظف جديد تماماً. والمؤقت غير «المثبّت» في الشركة: الأول لا يحصل على تأمين صحي، ولا يدخل في نظام زيادة الرواتب، كما حال «المثبّت»، وليس من راتب تقاعدي له.
هل سمعت وزارة العمل بذلك؟ القضية ليست مبهمة: الشركة تستنزف الموظف لسنوات، وهي بذلك تقرّ بحاجتها له مدة طويلة، لكنها توظفه بـ«المفرّق»، كي لا تضطر إلى تقديم التزامات جدية تجاهه. لا تأمين صحيا للمؤقتين، قد يعملون لسنوات تقف بينها مواسم الفصل. والمتاعب الصحية في الشركة تلخّص في ثلاث قصص مرضية؛ التهاب أذن وسطى، آلام الظهر وعمليات «الديسك»، إضافة إلى عمليات «كيس الشعر». هي إصابات عمل، ترتبط مباشرة بالجلوس الطويل وغير السليم، وبسمّاعات خطوط «خدمة الزبائن».
سوريا غير. لكن سوق الأوراق المالية ليس الوحيد الذي يقود إلى هذا الإخبار.
قبل ذلك بسنوات، مضت البلاد في نظام «اقتصاد السوق الاجتماعي»، وهي لا تزال دولة اشتراكية. وقوانين العمل تعود لما قبل الاشتراكية: قانون العام 1959، مع مداخلة أساسية حصلت عام 1962، منعت تسريح العمال المثبتين إلا من خلال لجان التسريح، تفصل في النزاع من موقع قضائي. هذه «الحصانة» للعامل، جعلت العمل في المفهوم الشعبي نوعين؛ مؤقتا ودائما. أما مع القانون الجديد فسيصير كله مؤقتا، وهو يعطي الشرعية لأهم تلك التجاوزات: التسريح التعسفي.
أما «مأثرة» القانون الجديد فهي تشريعه أن «العقد شريعة المتعاقدين». هذا البند الذي يفترض أن الطرفين المتعاقدين ندّان، كل منهما لديه القوة للاشتراط والتفاوض. يشبه ذلك إحالة «قانون الغاب» شرعياً، وجعل غريزة «الافتراس» مسألة قابلة للتفاوض. وعلى كل حال، ها هي حالة مثالية من «النديّة» بين الموظف الرقم 2 ورب عمله.
الموظف الرقم 2
الموظف الرقم 2 يعمل منذ سبع سنوات ونصف سنة في شركة تعمل بين الاستثمار والاستشارات الاقتصادية. بالنسبة للدولة هو عاطل عن العمل، إذ لا قيد له في تأميناتها الاجتماعية أو الصحية. جميع زملائه في الشركة معه على القارب نفسه. وضعه على «كف عفريت». قد تفلس الشركة، أو يحنق عليه صاحب العمل، ويصير صفراً على الشمال. كل مفردات حياته، مخططاته لها، يلحقها بصفة المؤقت، ويعزّ عليه حاله وهو يقول: «أحس أن حياتي كلها مؤقتة». ماذا يفعل؟ يقول انه إذا طالب بتعويضات وتأمينات يخاف من ردة فعل صاحب عمله، «ومع الوقت تفكر انه لا داعي لطلب للتأمينات طالما لست وحدك على القارب».
والحل؟ يقول الموظف الرقم 2 في صوت يتهدّج بسخرية مريرة :«ننتظر أن يبادر صاحب العمل إلى تأميننا». تقدّم قبل دخوله في معمعة العمل المؤقت، الطويل الأجل، إلى أكثر من 15 وظيفة حكومية. لم يفز بأيٍ منها. وقبل ذلك كله، اشتغل بعد إنهاء دراسته الجامعية عاملاً عادياً في معمل لقوالب البلاستيك، ووقع على استقالته في اليوم نفسه، وهذا كله «فقط كي لا أطلب مصروفي من أهلي»، يقول ذلك، ويردف مستفزّا، وكأنه يكتشف للتو :«كل ما أنجزته خلال أكثر من سبع سنوات أنني لم أطلب مصروفي من أهلي»!!
موظف سعيد
لكن الموظف الرقم 3 سعيد. يتحدث على جنب واحد، مداريا جرح عملية «كيس الشعر» التي أجراها أخيراً، على حساب الشركة التي قدمت له استقالته، بعدما عرفت انه نجح في مسابقة وظيفة حكومية. تقدّم للمسابقة في آخر يوم منها، تحت إلحاح أصدقاء له، بعدما كان يظن أن وظيفة الدولة «لا تمشي إلا بواسطة».
شركته الخاصة غريبة: منذ مدّة جعلت التأمين على موظفيها تأميناً من الدرجة الأولى. وقبل أكثر من سنة لم يكن هناك تأمين صحي في الأساس، حينها «كنت أخاف من أن أمرض، فأنا أعيل أبي وأمي». يؤكد الموظف الرقم 3 أن هذا الاهتمام بالموظفين لم يأت لسواد عيونهم. ويروي أن شركته «تحاول تبييض صورتها من خلال التأمينات الجيدة للعاملين فيها، والالتزام الشديد بها». لكنه سعيد الآن: يخطط انه بعد ستة أشهر، ومع الزيادة التي حسّنت رواتب الدولة، سيصل مرتبه، مع الحوافز، إلى مستوى ما كان تعطيه «ماكينة الغسيل» سابقاً.
قانون مزاولة الكرم
وزارة العمل تمهد للقانون الجديد بالقول إنها ستجري «دورات تثقيفية» للعمال ليدركوا حقوقهم فلا يسكتوا عنها. غريب كيف تشجعهم كي يشكوا أرباب عملهم عندها، ما دامت ارتضت لأرباب العمل طرد موظفيهم «تعسفياً». والمثير للسخرية أن ممثلي أرباب العمل يدافعون عن القانون الجديد لأنه «يسمح لرب العمل منح الحقوق للعامل»، من قبيل إجازة مأجورة تفوق المنصوص عليها في القانون، أو منح تعويض تدفئة. ما ألذّ القانون الجديد: جاء أخيرا ليزيل ما يعيق أرباب العمل عن صب كرمهم على العمال!
الموظف الرقم 1 مستعد ليعمل في وظيفة دولة، حتى لو بنصف مرتبه الحالي. الموظف الرقم 2 يقول إن أياً من العاملين في شركته، وهو على رأسهم، لا يرى مستقبله في القطاع الخاص، فمعظهم ينتظر فرصة وظيفة الدولة وآخرون يريدون السفر. صاحبنا الرقم 3 سعيد حتى الآن. بانتظار أن يعرف على ماذا سترفع الأيدي موافقة بالإجماع، أو بأغلبية أعضاء مجلس الشعب الذين دخلوا إليه بصفتهم ممثلين عن العمال والفلاحين.

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...