أحدث أساليب غش الامتحانات

20-06-2010

أحدث أساليب غش الامتحانات

اختراع قديم- جديد: استخدام الطلاب للهاتف النقال، مع عدة توصيل، في الامتحانات، كأحدث وسيلة من وسائل الغش.. ظاهرة يتزايد حجم انتشارها، ويتزايد عدد مستخدميها من الطلاب، بدءاً بطلاب الشهادة الثانوية، وانتهاء بطلاب الجامعات.

هناك طلاب لا يفعلون شيئاً خلال العام، إلا البحث عمن يبيع هذه المعدات، ثم يجلسون في قاعة الامتحان، ويكتبون ما يمليه عليهم شخص آخر، وهذا يجعل هؤلاء -إذا لم ينكشف أمرهم- من المتفوقين المنافسين ربما لمن عمل وتعب طوال العام. 
 بالمقابل لا يبدو أن وسائل مكافحة هذه الظاهرة، تتطور بالمستوى ذاته وبما ينسجم وخطورتها. ‏

- ليست الظاهرة جديدة، فهي تعود إلى أربع سنوات سابقة، ولكنها لم تكن على هذه الدرجة من الانتشار المخيف، وما يميزها التطور والابتكار بأساليب استخدامها..، ففي السنوات السابقة كانت التقنية الدارجة هي استخدام سماعات الهاتف النقال، وذلك بوضع حبل على الرقبة يحتوي على بطارية 9 فولت مع قطعة حديدية صغيرة تدخل في الأذن، ولا يمكن إخراجها إلا بالمغناطيس، وجهاز الهاتف النقال الذي يخفى في أي مكان، ومن مكان ما، يتولى شخص آخر «يفرغ» الإجابة على الأسئلة المسربة، مباشرة في أذن الطالب، وحرفياً من الكتاب. ‏

كانت تكلفة شراء هذه المعدات 25 ألف ليرة سورية، أما الراغبون «باستئجارها» دون شرائها فيدفعون 3- 4 آلاف ليرة للمادة الواحدة. 
 النوع الثاني يسمى «الطلقة» (وهو الاسم المتداول) وهو أكثر حداثة وأماناً، فهذا النموذج أصبح من نوع «صنع في سورية»، ويأخذ بالحسبان ظروف الاستخدام المحلية، القطعة التي ستدخل في الأذن تكون على شكل الطلقة، لكن بحجم أصغر، وتتعذر رؤيتها داخل الأذن، مزودة ببطارية صغيرة وخيط رفيع لتسهيل سحبها، والوسيلة المستخدمة لذلك هي ملقط الشعر. ‏

‏ -توصيلات «الطلقة» تباع جاهزة ومثبته داخل حوامل خاصة على شكل حزام، مع مكان معد خصيصاً لجهاز الهاتف النقال، وبالنسبة للطالبات توضع هذه المعدات ضمن حمالة الصدر... ومع «تطور» المبيعات وازدياد الطلب في سوق الغش، والمنافسة بين منتجي هذه السلعة، ومروجيها، انخفضت أسعار المبيع إلى 10 آلاف ليرة سورية، و«بدل الإيجار» إلى نحو 2500 ليرة!. ‏

يختلف السعر باختلاف الخدمة التي ستقدم للطالب، وفي المدينة الجامعية تحاك أكثر عمليات الغش، ويمكن الوصول إلى مروجي هذه «السلعة» وبالتالي ليس هناك أسهل من ضبط هذه الظاهرة في منبعها، إذا توجهت إلى هناك دون أي معلومة عن الموضوع، سوى أن بعض الطلاب والمراقبين الذين التقيتهم في الجامعة، قالوا إن معظم «تجار» هذه السلعة، ينشطون في المدينة. ‏

طلبت الحصول على هذه الخدمة بحجّة ضمان النجاح في دورة المرسوم، قال لي أحدهم إن هذا قد يكلفني بين 5- 7 آلاف ليرة، وسيصلني كل شيء، أي تصلني ليست المعدات فقط، بل أيضاً الإجابات أثناء الامتحان، حاولت البحث عن مصادر أخرى، فكانوا يطلبون مني ترك رقم هاتفي لإخباري لاحقاً، وبطريقة تلحظ فيها رغبتهم في التحقق من الشخص أولاً. ‏

نعم، هم كما يسمونهم عصابة، يشترك فيها من يوفر هذه المعدات ومن يسرب الأسئلة ومن ينقل الأجوبة، وأصبح لكل اختصاص أو فرع جامعي، مجموعة تعمل على توفير الأجهزة ومستلزماتها، وهناك من تحدث عن «شخصيات معروفة» ضمن أوساط الطلبة، تعمل مع هذه العصابات...! ‏

-عدد الذين «قبض» عليهم خلال أسبوعين من بدء الامتحانات الجامعية الحالية، لا يتجاوز 40 شخصاً، كما تشير بيانات كلية الآداب في جامعة دمشق، بينما يؤكد كثير ممن التقيناهم في هذا الموضوع أن هذه النسبة لا تعادل أكثر من 10% من أعداد الطلاب الذين يستخدمون أساليب الغش والنقل باستخدام الهاتف النقال. ‏

غالبية المراقبين والطلاب الذين تحدثنا إليهم لم يرغبوا بذكر أسمائهم، بل إن بعضهم أكدوا أنهم تلقوا تهديدات عبر مكالمات مجهولة عقب اكتشاف طلاب يستخدمون الهاتف النقال للنقل..! ‏

إن عدداً كبيراً من حالات الغش التي كشفت، كانت عن طريق الإخبار أو الوشاية كما أكد بعض المراقبين، وهناك حالات تكتشف عن طريق الملاحظات، فخلال سنوات عمر الظاهرة تراكمت خبرات لدى المراقبين في اكتشاف الطلاب الذين يغشون بهذا الأسلوب. ‏

تقول مشرفة في أحد المراكز: إن كثيراً من المراقبين أصبحت لديهم «خبرة» في مجال ضبط هذه الحالات، وتؤكد أنه لو توفرت إمكانات أكبر، وصلاحيات أوسع تضمن التفتيش في كل حالة مشكوك بها، لارتفع عدد الحالات المضبوطة بشكل ملحوظ. ‏

نائب عميد كلية الآداب لشؤون الطلاب والشؤون الإدارية الدكتور خالد الحلبوني، تحدث عن حالة تابعها شخصياً عند قيامه بجولة على القاعات، حيث لفت انتباهه وجود طالبة في الخارج تتحدث عبر الهاتف النقال ومعها كتاب وورقة، وقف إلى جانبها بعض الوقت، ليتأكد أنها تقرأ أجوبة لأحد الطلاب في قاعات الامتحان، وبعد العودة إلى اسمه وقاعته تم التوصل إليه. ‏

‏-السؤال: كيف تتسرب الأسئلة من داخل القاعة؟ ‏

عندما كنت أطلب المساعدة على أنني طالبة، علمت أن ثمة أكثر من مصدر يقوم بهذه «المهمة»: قال لي أحدهم: إن بعض المراقبين داخل القاعة يسربون الأسئلة. يحدث هذا في نصف الساعة الأولى، وهي المدة التي لا يُسمح خلالها لأي طالب بالخروج من القاعة. بينما الطريقة المتاحة هي الانتظار نصف ساعة، ريثما يسمح بخروج الطالب المتقدم للامتحان مع أسئلته. ‏

أحد المراقبين أكد أن هناك من عرض عليه 5000 آلاف ليرة لقاء تسريب الأسئلة، وهناك طلاب جامعيون طلب زملاء لهم من فروع أخرى حل الأسئلة الامتحانية، ربما ليتمكنوا من إيصال الإجابة لمن ينتظر وبإذنه «الطلقة». ‏

- هذه قضية ينبغي أن تحظى باهتمام أكبر، وأن تكون هاجساً حقيقياً لوزارتي: التعليم العالي، والتربية، كي لا يتخرج مزيد من الذين يكسبون الدرجات العلمية بالغش. ‏

والواقع أن حجم التعامل مع هذه الظاهرة، لا يتناسب ومدى خطورتها، فليس مفهوماً ألا تتوفر في الجامعات حتى أجهزة التشويش الكافية. ‏

يؤكد د.خالد الحلبوني أن الجامعة خصصت 11 جهاز تشويش كطريقة لمكافحة هذه الظاهرة، أو التصدي لها، ولكن على هذا العدد المحدود من الأجهزة أن يغطي 44 قاعة امتحانية، علماً أن المدرج الواحد يحتاج لجهازي تشويش، ليس هذا فحسب، بل هناك من تحدث عن أجهزة موبايل تعمل دون أن يعوقها هذا التشويش إذا وجد. ‏

من أساليب مكافحة هذه الظاهرة أيضاً العقوبات، فعقوبة المدان هي الحرمان لمدة 4 دورات، وهناك من يعتبرها عقوبة غير رادعة، ويؤكد المهندس سامر عبد الحليم من المكتب الهندسي للجامعة، ومراقب في أوقات الامتحانات، أن عقوبة الفصل قد تكون رادعة أكثر من الحرمان، علماً أن من يتم كشفهم يبدون بحالة –غالباً- ما تثير الشفقة من شدة الخوف: بعضهم يصل لدرجة الانهيار وكأنه استفاق فجأة على مصيبة لم تكن بالحسبان، وقد يعود هذا لأسباب عدة: كأن يكون متأكداً أو أن أحداً أكد له أنه لن يكشف، أو بسبب حجم الخسائر المادية والمعنوية التي سيتكبدها، أو التفتيش الدقيق الذي يتعرض له، بالمقابل قال أحد المراقبين أن هناك من لا يهتم، ولا يبدي اكتراثاً بانكشاف أمره. ‏

ولكن هل هذا كاف لقمع ظاهرة بكل هذه الخطورة، خاصة أنها تتطور باستمرار؟ الجيل الثالث الذي لم ينتشر بكثافة بعد هو الاستعاضة عن الأسلاك والهاتف النقال بساعة أو نظارة، يلبسها الطالب ويمكنه الاستغناء عن الاستخدام القريب للموبايل، أي يمكن تركه خارج قاعة الامتحان، وربما يكون ارتفاع سعر هذا «الاختراع» هو الذي حد من انتشاره، إذ تتراوح تكلفته بين 35 و40 ألف ليرة كما يقول مطلعون. ‏

- في المشاهدات العيانية، لوحظ أن أكثرية الطلاب الذين «قبض عليهم» من سكان المنطقة الشرقية (دير الزور)، في جامعة دمشق، ولكن هذه الظاهرة لا تقتصر على جامعة دمشق، فهي موجودة في بقية جامعات القطر، ولكن يشير رئيس دائرة كلية الآداب بشار علي الى أن فارق أعداد الطلاب بين الجامعات هو الذي يجعل من الظاهرة أكثر انتشاراً في دمشق، يضاف لذلك محدودية عدد أجهزة التشويش في جامعة دمشق، بينما فعالية أجهزة التشويش أكثر في المحافظات. ‏

يعتبر الدكتور الحلبوني أن من أسباب انتشار الغش التكنولوجي قد يعود إلى حالة الاستسهال والكسل، لأن بعض الطلاب يجنحون نحو السهولة ولا يريدون أن يكابدوا عناء الدراسة. ‏

وفيما إذا كانت المناهج وطريقة الأسئلة تروج لهذا النوع من الغش، أكد الحلبوني أنه لا يمكن تغيير المقررات لهذا الأمر، وأن الجامعة تبحث في كيفية منع تسريب الأسئلة. ‏

- إن لانتشار هذه الظاهرة آثاراً كبيرة ربما في مقدمتها تقدم الطالب الكسول على الطالب المتفوق، وإشاعة الغش وتحويله إلى حالة عادية، وربما مبررة. ‏

كذلك يشعر الطالب الجاد باليأس والإحباط، ويتساءل طالب تاريخ: ما الذي يمكن أن أكتبه ويحظى بإعجاب الدكتور أمام طلاب نقلوا الكتاب كما هو حرفياً؟ ‏

إن انتشار هذه الظاهرة بشكل واسع -وهي منتشرة- سيؤدي إلى خلق جامعيين يحملون شهادات جامعية، لكنهم يفتقرون إلى امتلاك المعرفة الأكاديمية، أو التخصص العلمي العالي، ويصف الدكتور الحلبوني الطالب الذي يتخرج باستخدام الغش «بالمنتج الفاسد الذي لا فائدة له في السوق». ‏

-الحقيقة أن المخاطر تبدو أكبر حين يتعلق الأمر بطلاب الشهادات الثانوية الذين انتشرت بينهم هذه الظاهرة أيضاً بشكل كبير. ولأن الوضع مختلف مع طلاب الثانوية، ونتائج الامتحانات مصيرية، ترتفع تسعيرة المعدات تبعاً لعدد العلامات التي يريدها الطالب، ويتحدث البعض عن منزل مخصص لبث الإجابات للطلاب الذين سينجحون أو يتفوقون باستخدام الغش، ولكل شيء تسعيرته فمن يريد 200 علامة عليه أن يدفع 100 ألف ليرة. ‏

وتبدو خطورة هذه الظاهرة أمام ارتفاع المعدلات الجامعية وتكلفة التعليم الجامعي الخاص، وبهذا يتساوى من لا يدرسون مع من سهر الليالي، كما كان يقال، وقد ذكرت بعد المصادر أن عدد الطلاب الذين تم كشفهم في محافظة اللاذقية وحدها وصل لنحو 141 حالة قبل نهاية الامتحانات، وفي دمشق يكاد لا يخلو مركز من حوادث ضبط نقل بالهاتف النقال. ‏

يسرى ديب

المصدر: تشرين

التعليقات

وجود منهاج دراسي ونظام تربوي مهترئ سببان أساسيان لتفشي الغش ونضيف لذلك ضعف الحس الوطني الذاتي في ظل وضع اقتصادي يسعى من يعيشونه للخلاص السهل من فترة الدراسة للوصول للوظيفة! أما الحل فهو بإلغاء شئ اسمه المنهاج بعد المرحلة الثانوية وتعزيز روح البحث لدى الطالب والأستاذ بحيث يعتمد الامتحان على معلومات توصل لها الطالب من خلال البحث وليس المنهاج الدراسي، هنا في السوربون يطرح الأستاذ فكرة وعلى الطلاب البحث عن تفاصيلها وهكذا تتراكم الافكار والمعارف في رأس الطلاب خلال العام الدراسي، أفكار لاتزول من الراس مع الزمن لأنها وليدة التعب والجهد الشخصي ولمعرفة الطلاب أن لا منهاج لبصمه غيبا وبالتالي لاينفع لا موبايل ولا روشيتا ولاغيره الا مافي راس الطلاب، هكذا تبنى الأجيال ويتميز المجتهد من المهمل، تعزيز الكفاءة الشخصية سبيل لتطوير الواقع التعليمي وإلا الله يجيرنا من الأعظم وسلمتم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...