«سَعْـوَدَة» غنائـم الربيـع العربـي

15-10-2011

«سَعْـوَدَة» غنائـم الربيـع العربـي

منذ بداية الثورات في الشرق الأوسط، تخطت المملكة السعودية نطاق حدودها للتأثير على الأحداث المحيطة بها، حتى فاقت منافستها إيران بشكل بارع في صنع المناورات. اما الديموقراطية، في هذه الأثناء، فلم تكن حتى من بين اهتماماتها الثانوية...
قالت السعودية في بيان تهديدي يوم 4 تشرين الأول الماضي إن «مجموعة من المحرضين على الفتنة والاضطرابات تجمعوا في قلب المملكة الغني بالنفط مسلحين بالمولوتوف» في إشارة إلى الاشتباكات العنيفة في مدينة القطيف الشرقية بين السكان الشيعة وقوات الأمن السعودية. ولم تكتف بالتلويح بـ«القبضة الحديدية» في حال تكررّ الأمر، بل صّوبت أصابع الاتهام باتجاه «دولة أجنبية»، في إشارة مبطنة إلى الخصم اللدود، إيران.
لعبت السعودية دوراً فريداً في كل محطات «الربيع العربي»، إذ عملت من دون كلل لإدارة شؤون المنطقة. أما في البحرين، فكانت النقطة الأبرز بالنسبة للمملكة، حيث توالت الدبابات السعودية عبر الحدود للمساعدة في وضع حدّ للانتفاضة الجماهيرية التي هددت السلطة في المنامة، فكانت الرسالة الاستراتيجية واضحة: «استعراض القوة أعطى النظام الملكي السني في المنامة العضلات التي يحتاجها لصون سيطرته على الغالبية الشيعية وبالتالي البقاء في السلطة».
كما في المنامة كذلك في القطيف. قمعت السعودية المقاطعة الشرقية الشيعية الغنية بالنفط بكل زخمها متّعظة من التجربة البحرينية. اما طابور دباباتها فشكّل قوساً رمزياً بالنسبة لإيران: خطوة جريئة وإشارة واضحة من الرياض الى كل دولة في الشرق الأوسط أنها لن تتوقف أمام شيء، بدءا من الدبلوماسية الناعمة وحتى الاشتباك العسكري، في تصميمها على قيادة «الثورة المضادة» على نطاق المنطقة.
منذ بداية «الربيع العربي»، تمكنت الرياض من العمل على خط النزاعات الداخلية بشكل مباشر:
1- وفرت المملكة في كانون الثاني الماضي الملجأ للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، رافضة تسليمه ـ حتى اللحظة – إلى المحاكمة. واصل بن علي من خلال بيانات محاميه دعوة التونسيين لمتابعة «العصرنة». وخوفاً من إغضاب مضيفيه السعوديين، لم يكن قادراً على التعبير عن خوفه كعلماني من الظهور الدراماتيكي لـ«النهضة»، الحزب الإسلامي الرئيسي في المشهد السياسي التونسي. فالصعود الصاروخي لـ«النهضة» مموّل، على الأقل بشكله الجزئي، من السعودية وغيرها من بلدان الخليج...
2- الإسلاميون في المنطقة يعملون لصالح الرياض. ففي مصر، حصل السعوديون على أرضية جديدة لنفوذهم مع سقوط الرئيس حسني مبارك، وذلك عبر مدّهم «الإخوان المسلمين» وحلفائهم السلفيين، بمبالغ مالية كبيرة، وها هي حركة «الإخوان» تقفز الى الصدارة في عصر ما بعد مبارك. فبعدما كان أعضاء الحركة يلجأون الى المملكة خلال عقود «اضطهادهم» في عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، ها هم اليوم، يتحولون إلى حزب شريك للرياض، حليفة الغرب. اذا كانت السعودية داعمة بشدة لمبارك حتى أيامه الأخيرة، فالمملكة ترتبط حالياً، في مرحلة ما بعد الثورة، ارتباطاً وثيقاً مع وسطاء جدد في السلطة السياسية المصرية.
3- كل ذلك يجعل الملف اليمني أكثر «عائلية» بالنسبة للرياض. عندما اصيب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في حزيران الماضي في القصر الرئاسي، هرع إلى السعودية (فهل من مكان آخر؟). وعندما عاد إلى بلاده الشهر الماضي، وجد نفسه مديناً للسعودية أكثر من أي وقت مضى. فالطب السعودي أنقذ حياته، ومثل هذا الدين، صعبٌ نسيانه في منطقة قبلية كهذه. ولكن صالح قد لا يكترث طويلا: في صنعاء، غادر المتظاهرون المرهقون ساحة التغيير وهي اليوم بيد ناشطي «الإصلاح» (حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي)، الذي أسسته قبيلة «حاشد» (دورها كان الأهم في إشعال الثورة) مدعومة من السعودية. لذا، اياً يكن الرابح في المعركة اليمنية، سيكون السعوديون مطمئنين للاحتمالين. فإما صالح وإما «حاشد».
4- بالنظر إلى مستقبل الشرق الأوسط، من المرجح أن يكون التغيير في سوريا هو الأبرز. فبكثير من السخرية، أدان الملك السعودي الحملة الأمنية التي شنتها دمشق ضد المعارضين السوريين في آب الماضي. فالرياض أقل مثالية بكثير في ما يتعلق بحقوق الإنسان. وكذلك، كان إعلان الملك عبد الله سحبه السفير السعودي من دمشق «احتجاجاً على وحشية النظام السوري»، وكأنه فصل آخر من جهود الرياض لتخفيف قبضة إيران على «الثورة المضادة» في المنطقة، لتأتي بعد ذلك تصريحات خليجية مماثلة للرقص على النغمة ذاتها... في حال سقوط النظام السوري (وهو ما لا أتوقعه إلا أن اتجاه المعارضين الى التسلح قد يدلّ على ذلك)، لن يكون قد تم خلع دكتاتورية جديدة فحسب بل أيضا خلع نظام علماني آخر، الثاني بعد تونس، وبالتالي نعمة جديدة تصب لصالح الرياض... أمل السعودية في دمشق واضح، وهو ان ينضم النظام السوري ما بعد الأسد إلى قافلة الدول السنية الحليفة لها، والمعادية لإيران. هذا ما لا اعتقد حدوثه، خصوصاً أن سوريا تنزلق يومياً إلى حرب اهلية طائفية بدلاً من الانتقال السلمي للسلطة. لكن الرياض تعمل في هذه الاثناء على تمويل «الاخوان» وحلفائهم في سوريا، اي المرشحين لتولي السلطة بعد الأسد.
إذا كان لدى الربيع العربي أي أمل في التحوّل الى مزيد من الحرية والديموقراطية، فكان يتعين عليه ان يتحدى منذ البداية النفوذ السعودي في المنطقة، حليفة واشنطن العظمى في الشرق الاوسط والأكثر قمعية وعداءً للديموقراطية. هذا أمر بالغ الصعوبة حقاً. اما المفارقة المأساوية في الانتفاضات العربية، فهي أن العكس هو ما حدث تماماً.

(مقال «اليد الخفية للسعودية في الربيع العربي»
ـ جون برادلي في مجلة «فورين افيرز»)

المصدر: السفير

التعليقات

اولا .. لا اعتقد ان الامور في سوريا تسير الى حرب اهلية .. لا بالعكس تسير الى ازدياد من الاصطفاف و التشبث بالعيش المشترك .. خصوصا بعد استخدام ما يسمى بالمعارضة السلاح في الداخل .. ثانيا .. ان من يريد ان يعرف و ان يفهم ماذا بالضبط يجري في سوريا عليه القدوم و التحرك في شوارعها .. فالامور تختلف تماما عما يتم بثه في الكثير من وسائل الاعلام و قد تكون الا ان بي ان الاكثر صدقية و مصداقية كمحطة غير سورية .. تالتا .. ان الامريكيون و الاوربيون يحضرون لشيئ ما حدث ما كبير على مستوى العالم للتخلص من مشاكلهم ......... رابعا هناك احتمالان اما صحوة الشعوب و اما انزلاقها ضمن المعمعة الاثنية و الاقلوية و هكذا لا خيار تالت .. و تجليات ما يحدث في سوريا .. ستبين معاني هذه النقاط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...