أدونيس في حمص: الشعر يعّبر عن الإنسان وهويته

11-03-2010

أدونيس في حمص: الشعر يعّبر عن الإنسان وهويته

اختتم أسبوع مارإليان الثقافي الخامس في حمص الذي يقام برعاية وزارتي الثقافة والسياحة ومحافظة حمص، فعالياته بختام مميز بلقاء قامة أدبية وشعرية كبيرة هي أدونيس الذي أعطى بحضوره إضافة مميزة للأسبوع ولجمهور حمص الذي غصت بهم قاعة السفير، وكان أدونيس سبق الأمسية بلقاء مع الإعلاميين والمثقفين في حمص تطرق فيه إلى الكثير من المواضيع والمواقف ذات الإشكالية.

¶ الشعر كالحب لايموت
وأكد الشاعر أدونيس أن أعمق مايعبر عن شخصية الإنسان وهويته هو الشعر؛ فهو كالحب بوصفه علاقة كيانيّة بين شخص وآخر، وبالتالي إذا مات الشعر والحب فكأن الإنسان مات أيضا؛ فعندما يوجد الحب يوجد الشعر الذي لايموت، بل يتغير كأساليب وطرق، مع العلم بأن عصر العلم والتقنية الذي يشكو الكثيرون منه حاليا هو عامل آخر لجعل الشعر ضرورة أكثر من أي وقت .
وعن ماتردد من أن أدونيس له موقف معارض لدمشق كعاصمة للثقافة العربية، أوضح أن ماتم تداوله هو إخراج بعض التأويلات من سياقها، ولكن بالمجمل إذا استقرأنا التاريخ ودرسنا مظاهر تجليات الإبداع في المدينة، فأنا أرى أنها لم تبدع أو يوجد فيها مبدعون كبار ولدوا فيها قياسا بالقاهرة وبغداد وحتى حلب. حيث تتمركز دمشق حول مسألتين تجارية وسياسية.
ألا يلفت النظر على مدى تاريخ دمشق أن لانرى فيها شعراء كباراً ولدوا فيها. كما استغرب أنه لايوجد فهيا جائزة واحدة للفن والموسيقا والرواية لعاصمة سورية أم الحضارات.
أفلا يجب أن يكون في دمشق عشرات المسارح ودور الأوبرا، خاصة أن ما يعطي الشعوب هويتها وحضورها في العالم هو الإبداعات الثقافية. فدمشق جديرة أن تكون مركزاً ثقافياً متفرداً، ليس في العالم العربي فقط، بل العالم كله، لذا فدمشق شبه غائبة على هذا المستوى الإبداعي.

¶ مشكلة اتحاد الكتاب العرب في من يكوّن هذه المؤسسة
وبالنسبة إلى اتحاد الكتاب العرب، اعتبر أدونيس أن معرفته قليلة جداً به، ولم يحضر أي اجتماع، لذا حكمي سيكون جزئياً ومحدوداً. ولكن من ناحية حضوره في العالم من ناحية الإنتاج الإبداعي، فهو ككل الاتحادات ليس له حضور، فالاتحادات كلها أضعف من المؤسسات الثقافية التابعة لها والمشكلة ليست في الاتحاد كمؤسسة، بل في الأشخاص الذين يكوّنون هذه المؤسسة، وماهي إبداعاتهم وحضورهم الثقافي.
وأضاف أدونيس قائلا: أنا من الذين دافعوا ويدافعون باستمرار عن الفصل الكامل بين السياسة والكتابة الأدبية. فحينما تتحول الكتابة أو ينظر إليها كوسيلة إيديولوجيا لخدمة أشياء أخرى، أظن أن الكتّاب الذين يخضعون لهذه النظرة يخونون أنفسهم وكتابتهم.
وهنا لابد من معرفة ماهي السياسة؟؟ فهناك سياسة عملية تمارس يوميا من مؤسسات معينة وأجهزة توجهها إيديولوجيات معينة، وهناك سياسة فن بناء المجتمع وهي غير موجودة في البلدان العربية،  لذا أنا ضد أي ارتباط لأي كاتب بهذا المستوى السياسي. وأنا ضد السياسة التي تخدم قضية مباشرة أيّما كانت القضية.
وعن غيابه عن حضور نشاطات تنظمها الجهات الرسمية الثقافية، أشار الشاعر أدونيس إلى «أنني لم أدعَ في حياتي كلها من مؤسسة رسمية، مع العلم بأنني دعيت إلى أغلب جامعات العالم ولايعني ذلك شكوى من المؤسسة الثقافية، لأنه حتى إذا دعيت لن أحضر؛ فالمؤسسة الثقافية الرسمية هي التي غيبّتني، وأنا غائب».
وبالنسبة إلى علاقته مع الصحافة، أكد الشاعر أدونيس بـ»أنني أؤمن بأن أفكار الإنسان يجب أن تكون لها قنوات قادرة على إيصالها. ومع وصول الكتاب ليصبح من الوسائل غير القادرة على إيصال الفكرة، أصبحت الجريدة أفضل بقليل، ولكن ستتراجع أيضا، مع الإشارة إلى أن كتابتي في الجريدة تكون ضمن شروط: أولها، أن أقول رأيي بحرية كاملة ولا أستسلم لأي اعتبار. فمن حق الجريدة أن ترفض مقالتي، ولكن ليس من حقها أن تغيّر في ما أقول وهذا يحصل معي في جريدة الحياة التي مازلت أكتب فيها» .
وتطرق الشاعر أدونيس خلال حديثه إلى موضوع الدين وتأويلاته، حيث أوضح بـ»أنني ضد سلطة التكفير، وضد سلطة فرض الإيمان أيضا، وأنا لاأكّفر الأديان بحد ذاتها، لأن الدين حاجة إنسانية بشرية كالشعر والحب ولاأحد يستطيع أن يحارب الحب والشعر، بل أنا أحارب من الدين تأويلاته السائدة التي توجّه المجتمع وتفرض قيوداً على العقل، والتكفير لأنه إذا لم نعد دائما باستمرار قراءة مورثاتنا في ضوء ما نراه ستتحول مورثتنا إلى مثل جامدة لاعلاقة لها بالحياة.
وأضاف بأن الفكر العربي ينطلق من مسلمات يقينية لاتطرح أي سؤال!! مع أنه بالأصل لايوجد فكر عربي، ولايمكن أن ينشأ فكر عربي مالم نواجه المادة الأساسية والحضارية التي قام عليها المجتمع.
وتابع الشاعر أدونيس قائلا: أرغب في شعري أن يخرج القارىء من نفسه وعقله ويثور على جسده وأفكاره لكي يعيد اكتشاف نفسه باتجاه آخر. لذا الشعر هو لهدم ماألّفناه وهو خروج عليه. والشاعر يجب أن يكون ناقداً قاسياً لعمله ولنفسه وهو ـ من أسف ـ ما لايمارسه أحد فشعر أدونيس لايسير في السياق العام للكتابة الشعرية، بل هو نوع من إعادة بناء المجتمع .

¶ الحداثة لم تدخل بعد العالم العربي
وعن موقفه من الحداثة الشعرية، إن وجدت أصلا، أشار أدونيس إلى أن فكرة الحداثة بمعناها العميق وإعادة بناء المجتمع على أساس آخر، لم تدخل بعد العالم العربي، إلا إذا اعتبرنا السيارات والطيارات هي جزء من الحداثة. فالنص الأدبي مهما كان عظيماً وإذا مرّ بعقل صغير سيصغر وبعقل كبير سيكبر. فالمشكلة ليست في الجمهور بل برؤية العالم العربي للثقافة كمؤسسات.
واعتبر أن النقد هو قراءة وهناك نقاد مهمّون في الأدب العربي ولايأخذون مكانهم ودورهم، بل هم مهمّشون أحياناً مع الإشارة إلى أنه لاتوجد قراءة نقدية تحيط بالنص العظيم المفتوح باستمرار لقراءات متجددة متنوعة باستمرار. وتبقى الثقافة نوعاً من الحجاب - من أسف- أشد قسوة من حجاب المرأة. ولذا أخاف من التشدد بحجاب المرأة أن ننسى حجباً ثقافية موجودة في المجتمع .

¶ نعم انقراض الحضارات قائم وبسبب!!!
وتابع الشاعر أدونيس قائلا: ما قيل عن انقراض الحضارات العربية هو صحيح وهو ليس الانقراض البشري، بل الانقراض بالمعنى الإبداعي، لأن لدى العرب لايوجد حضور خلاّق في العالم الحديث. فالمؤسف أن الكثير من البلدان الفقيرة في العالم حققت قفزة نوعية لدرجة وصلتها الحضارة وأصبحنا نحن العرب نستورد منها. فلا يطرح تساؤل وهو: العرب ومايملكونه من ثروات وأفراد قد يكونون أفضل من الكثير من أفراد العالم ماذا حققنا... الجواب لم نحقق شيئاً، بل ازداد العرب تخلفاً وبطالة، والتربية هبطت وانخفض مستوى الجامعات.
   المرأة ككيان مستقل غير موجود في عالمنا العربي

وعن المرأة في العالم العربي، أشار أدونيس إلى أن المرأة ككيان مستقل قائم بذاته غير موجود في عالمنا العربي، لذا يجب أن لاتكون كتابات المرأة كرد على ماتقوله الذكورة. بل يجب أن تقول للرجل أنا لك، وأحبك. وعليك أن تحبّني كما أنا أريد. فعلى المرأة أن تزلزل الأسس التي قامت عليها الذكورة في المجتمع العربي. معتبرا أن مؤسسة الزواج فاشلة قبل أن تبدأ بمعناها الاجتماعي، لأنه لايوجد زواج عميق حقيقي في المجتمع العربي، بل زواج مصالح. وختم قائلا: سأهتم بجائزة نوبل إلى اللحظة التي ينشأ فيها عند المتمولين العرب جوائز عظيمة كجائزة نوبل.

عبد الرحمن الدباغ

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...