إدارة أوباما وسيناريو دبلوماسية دمشق

20-01-2009

إدارة أوباما وسيناريو دبلوماسية دمشق

الجمل: سعت إدارة بوش الجمهورية من البداية إلى تقويض العلاقات السورية – الأمريكية ولم يترك البيت الأبيض، وتحديداً مجلس الأمن القومي الأمريكي ومكتب ديك تشيني نائب الرئيس، نافذة واحدة لم يتم إغلاقها لجهة العلاقات مع سوريا. هذا، وقد أشار الأداء السلوكي الدبلوماسي الرسمي الأمريكي إلى أن الإدارة الأمريكية كانت تعمد إلى فرض العزلة الدبلوماسية على سوريا ليس لعزل دمشق عن واشنطن فحسب بل وعزلها عن حلفاء واشنطن العرب والأوروبيين.
* الأداء المتوقع لدبلوماسية إدارة أوباما:
أشارت "التوقعات الشكلية" إلى أن إدارة أوباما الديمقراطية ستستبدل توجهات إدارة بوش الجمهورية بالبدائل التي ظلت تعتمدها الإدارات الديمقراطية السابقة التي صعدت إلى البيت الأبيض الأمريكي ولكن التوقعات التحليلية القائمة على المعطيات الجارية تشير بكل وضوح إلى أن إدارة أوباما الديمقراطية سوف لن تكون على غرار إدارة كلينتون الديمقراطية ولا على غرار إدارة بوش الجمهورية. بكلمات أخرى، فقد لاحظ المراقبون بأن أوباما يتحدث عن خطوط عامة سياسية خارجية أمريكية ديمقراطية من جهة، ولكنه من الجهة الأخرى اعتمد في تعيين فريقه السياسي الخارجي على العناصر ذوي التوجهات المتماثلة إلى حد كبير مع توجهات إدارة بوش، كذلك فإن وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون ومبعوث سلام الشرق الأوسط الجديد دينيس روس ومستشار الأمن القومي الجديد جيمس جونيز وغيرهم من الصعب أن نتوقع أن يدفعوا باتجاه سياسة خارجية أمريكية تختلف عن سياسة إدارة بوش.
* إدارة أوباما وسيناريو دبلوماسية دمشق:
أشارت معظم التقارير التي حاولت تصور شكل سيناريوهات الدبلوماسية الأمريكية الجديدة إلى أن دبلوماسية دمشق ستشكل العقبة الرئيسية في مسارات دبلوماسية الإدارة الجديدة، وقد أشارت معظم التقارير التي أصدرتها مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأمريكية إلى هذه النقطة، هذا وتشير المعطيات إلى أن مصاعب إدارة أوباما الديمقراطية إزاء التعامل مع دمشق لن تكون في دمشق وإنما في البيت الأبيض ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه المصاعب على النحو الآتي:
• التشريعات والقوانين المقيدة لحرية حركة الإدارات الأمريكية في التعامل مع سوريا.
• العناصر التي ستتولى صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا هي عناصر يغلب عليها التحيز لصالح إسرائيل وعلى وجه الخصوص دنيس روس وهيلاري كلينتون إضافة إلى الجنرال جيمس جونيز.
• الحساسية الشديدة في الكونغرس الأمريكي وعلى وجه الخصوص لجان العلاقات الخارجية والدفاع والأمن التابعة لمجلسي النواب والشيوخ إزاء الملفات المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي وتحديداً تلك المتعلقة بسوريا.
• المتابعة المكثفة والفاحصة بواسطة مجموعات وعناصر اللوبي الإسرائيلي لكل مجريات عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا والشرق الأوسط.
• الوجود المكثف لليهود الأمريكيين في أوساط الحزب الديمقراطي الأمريكي وبالذات في لجان العمل السياسي.
• سيطرة حلفاء إسرائيل على أجهزة الإعلام الأمريكية الرئيسية ودعواتهم لجهة التأثير على توجهات الرأي العام الأمريكي.
هذا، وتشير بعض التوقعات إلى أن قيام إدارة أوباما الديمقراطية ببعض التحركات الدبلوماسية الإيجابية إزاء دمشق يمكن أن يكون وارداً ولكنه يحتاج من هذه الإدارة إلى القيام بالمزيد من الاختراقات لجهة ترتيب المسرح في الكونغرس ولجان العلاقات الخارجية.
* دبلوماسية واشنطن إزاء دمشق والرهان على "الحصان الفرنسي":
أشار تقرير المجموعة الدولية للأزمات الصادر في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى أن على واشنطن السعي إلى إحداث اختراق في علاقات خط واشنطن – باريس ومن الممكن أن يتم هذا الاختراق بكل سهولة إذا اتبعت الإدارة الأمريكية الآتي:
• عدم التقيد بإرث إدارة بوش وعلى وجه الخصوص مبدأ العزل الذي حاولت أن تفرضه دبلوماسية بوش.
• محاولة مقاربة "النموذج الدبلوماسي الفرنسي" إزاء دمشق خاصة وأن باريس كانت على قطيعة مع دمشق ولكنها استطاعت أن تحقق النجاح المطلوب وتحويل علاقات الصراع مع دمشق إلى علاقات تعاون.
حاول تقرير المجموعة الدولية للأزمات الإشارة إلى بعض مجالات التعاون ذات القابلية للتحقيق في علاقات واشنطن – دمشق ومن أبرزها:
• فحص إمكانيات إعادة بناء الثقة مع دمشق بما يؤدي إلى نجاح الحوار وقد نجحت باريس في ذلك بما أدى إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان.
• إبداء قدر من الصبر في التفاوض والنقاش مع دمشق، ومن الجهة الأخرى تفادي التسرع الذي سبق أن حاولت إدارة بوش استخدامه في التعامل مع دمشق فقد كان المسؤولون الأمريكيون يقومون بإجراء اللقاءات القصيرة ومحاولة تقديم المطالب في شكل إملاءات وفي نهاية الأمر لم يحصلوا على شيء سوى نفور دمشق وإضعاف ثقتها في مصداقية الإدارة الأمريكية.
• استخدام أسلوب الثواب والعقاب بطريقة جديدة وبكلمات أخرى يتوجب تقديم المكافآت والحوافز لدمشق مع بروز الإشارات الإيجابية منها وهو ما فعلته باريس عندما استطاعت تحقيق النجاح في التعامل والمضي قدماً في التعامل مع دمشق.
• عدم اللجوء إلى سياسة قطع الحوار والتفاهم مع دمشق مهما كان الأمر.
• الانتباه لوجود من يحاول داخل واشنطن الدفع باتجاه قطع العلاقات والروابط مع سوريا ومحاولة إفهام كل من يحاول ذلك أن التقارب مع دمشق أفضل ورقة لواشنطن.
وأشار التقرير إلى أن الكثير من الملفات الصعبة في التعامل مع دمشق ستبقى ماثلة أمام جدول أعمال إدارة أوباما وأن على فريقه أن يستفيد من معطيات التجربة الفرنسية في التعامل مع دمشق وتحديداً تجربة ساركوزي الأخيرة.
* هل تستطيع باريس ساركوزي مساعدة واشنطن أوباما في ملف دبلوماسية سوريا؟
من المعروف أن جدول أعمال سياسة أوباما الخارجية الشرق أوسطية سيتضمن الملفات الآتية:
• ملف الانسحاب الأمريكي من العراق.
• ملف دبلوماسية إيران.
• ملف عملية السلام في الشرق الأوسط.
• ملف المحادثات السورية – الإسرائيلية.
• ملف تحسين صورة أمريكا في الشرق الأوسط.
هذا، وتشير الحقائق والمعطيات إلى أن دمشق تحتل مكانة ودوراً مركزياً لجهة إمكانية التأثير في كل هذه الملفات وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
• يتطلب الانسحاب الأمريكي من العراق بذل الجهود إزاء ضمان استقرار العراق في مرحلة ما بعد أمريكا وفي هذا الصدد تستطيع سوريا تقديم الكثير لتعزيز الروابط بين الفرقاء العراقيين.
• يتطلب ملف دبلوماسية إيران ليس مطالبة دمشق بالابتعاد عنها وإنما النظر إلى الخلفيات التي أدت إلى تعزيز الروابط السورية – الإيرانية لجهة دعم وتعزيز دور دمشق باتجاه العمل من أجل استقرار المنطقة.
• ستسعى إدارة أوباما للدفع باتجاه استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط وفي هذا الصدد تستطيع سوريا إعطاء العملية زخماً كبيراً خاصة وأنها طرف في النزاع.
• ستحاول إدارة أوباما تحفيز المحادثات السورية – الإسرائيلية التي بدأت بوساطة أمريكية ومن الواضح أن تعاون الإدارة الأمريكية مع سوريا سيدفع إلى المزيد من تعاون سوريا.
• ستسعى الإدارة الأمريكية إلى تحسين صورتها التي شوهتها الإدارة السابقة وهذا السعي يمر عبر سوريا طالما أن أسلوب التعامل السابق مع دمشق كان واحداً من العوامل التي أدت إلى تشويه صورة أمريكا.
عموماً، برغم تضارب الرهانات على جدول أعمال إدارة أوباما المتعاكسة فإن ما هو واضح يتمثل في أن هذه الإدارة لن تستطيع تحقيق النجاح في ملفات سياستها الخارجية الشرق أوسطية إذا لم تقم باعتماد علاقات إيجابية مع دمشق وحالياً تؤكد كل مراكز البحوث والدراسات هذه الفرضية وعلى وجه الخصوص معهد بروكينغر ومجلس العلاقات الخارجية.. الخ.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...