الثقافة تكرم الأديب الراحل فارس زرزور

03-02-2007

الثقافة تكرم الأديب الراحل فارس زرزور

برعاية الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة، أقامت وزارة الثقافة ندوة تكريمية للكاتب الراحل فارس زرزور ضمن مشروعها الأدبي في تكريم الأدباء الراحلين منهم والذين لايزالون على قيد الحياة، وذلك على مدى يومين في مكتبة الأسد الوطنية.

كتب فارس زرزور القصة والرواية، والدراسة النقدية التي أثارت الكثير من الإشكاليات الأدبية والفكرية. ‏

تعلّم فارس زرزور القصة والحكاية في البيت والحارة والمدينة، كما تعلّمها في المجالس والصداقات والكتب. ‏

كان فارس زرزور أستاذ نفسه فلم تغره المذاهب والتيارات الأدبية، فكتب القصّة والرواية بصدق وعفوية، تناول فيها هموم الإنسان ومعاناته، على مستوى الوطن في جبهة القتال، وفي رحاب التاريخ، وعلى مستوى المجتمع في البحث عن الخبز والحرية والعدالة. 
 افتتحت الندوة أعمالها بكلمة ألقاها الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة، تحدّث خلالها عن المعاني الإنسانية التي تجلّت في نفس فارس زرزور، وأشار الى أحبّ الشخصيات التي رسمها الى نفسه، ولاسيّما العسكر، فكتب عنهم «حسن جبل» وفي المدينة تحدّث عن المذنبين والسادة، كما تحدّث عن أولئك الحفاة الذين عادوا بخفي حنين، ومن هنا رأى الدكتور آغا أن فارس زرزور قد استمد شخصياته من الناس البسطاء الذين هو واحد منهم. ‏

كما أشار السيد الوزير الى ذكرياته الحميمية مع الكاتب فارس زرزور، ولاسيّما عندما تمّ تجسيد روايته «الحفاة وخفي حنين» الى عمل تلفزيوني درامي تحت عنوان «السنوات العجاف» وكان من أجمل المسلسلات السورية. ‏

وأضاف السيد الوزير: «إن الأدب كان يعيش في عالم فارس زرزور الجواني، اخترع لغته، فهو لم يكن يؤدبها كثيراً، ولكنه كان يعيشها كثيراً» وتأسّف السيد الوزير لأن الكاتب فارس زرزور لم يأخذ حقه من النقّاد كما يجب، داعياً الى ترجمة أعماله لأن من يقرؤها يجد أنها تؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ سورية وهي فترة الخمسينيات بكل أطيافها وتناقضاتها السياسية والاجتماعية. 
 ‏ كما ألقى الدكتور وجيه فانوس (لبنان) كلمة المشاركين، تحدّث فيها باسم المشاركين عن أهمية انعقاد هذه الندوات في هذه الفترة والعالم العربي يتمزّق سياسياً، ووحش العولمة يجتاحه، وأضاف: «جئنا الى سورية لأن الثقافة تجمعنا، وهي الأساس في حياتنا، وهي مفتاحنا الى الحرية، فالثقافة أعمق وأبعد تأثيراً في حياة الشعوب من السياسة». وأن انعقاد هذه الندوة له أكثر من دلالة ومعنى، إنها تعبير عن الوفاء لمبدعينا وذكر محاسنهم، والتكريم الحقيقي لهم هو أن ندرس عطاءاتهم ونستفيد من تجربتهم، شاكراً وزارة الثقافة لدعمها ودعوتها للمثقفين من أمصار الوطن العربي كله وجمعهم في سورية الأبية. 
 ثم ألقى الأستاذ أحمد زرزور باسم العائلة كلمة عبّر من خلالها عن شعوره بالفخر والاعتزاز لاقتران اسم فارس باسم المبدع، وتمنى لو كان فارس لايزال على قيد الحياة لأن هذا التكريم سيخفف من شعوره بالاضطهاد والنسيان. ثم أشار الى الصفات الإنسانية النبيلة التي كان يتمتع بها أخوه، حيث كان يوفّر دخله الشهري من عمله بالتدريس ليساعد أسرته في تأمين لقمة عيشها، حتى اضطر للعمل في فترة من فترات حياته حارساً لبئر. وعلى الرغم من ظروف فقره، فقد كان يمشي منتصباً، شامخاً لأنه يعلم في قرارة نفسه أنه لم يؤذ أحداً، وربّما هذا الشموخ هو رد فعل على ما كان يعانيه ضمنياً من أحاسيس الاضطهاد قد يكون بعضها وهماً. وأضاف ان فارس زرزور قد عانى في نهاية حياته من الاكتئاب حيث كان يزوره من وقت لآخر وكان يجده يلعب طاولة الزهر مع نفسه وسعى في أكثر من مرة للتخلص من حياته الخاصة بعد إدمانه الكحول. 
 أما كلمة أصدقاء الراحل فقد ألقاها الأستاذ عبد النبي حجازي الذي شبّه أعمال الأديب زرزور وكأنها النباتات البرية غير المنسقة، واعترف في كلمته أن الكتابة عنه شقاء، لأنه صاف من الشوائب، شفاف شفافية البللور، لا يبالي إن قامت الدنيا أو قعدت. ورأى أن الذي يدقق في عالمه الداخلي يرى فضاء رحباً واسعاً. كما تحدّث عن صداقته الحميمة له، وكيف أدهشه في تصرفاته وأخلاقه لاسيّما عندما كان يقدّم عمله الى دار النشر، فلم يكن يشغله هذا الأمر، ولم يسع في أي يوم الى لقاء صحفي، لم يكن يريد شهرة على الإطلاق. ولكنه كان واسع الاطلاع، نهماً للقراءة، ولم يكن يبالي بأي اجتماع من اجتماعات جمعية القصة والرواية، أو اي اجتماع عام لاتحاد الكتّاب؟! ‏

امتازت جلسات الندوة بشقين، الشقّ الأول تمحور حول تقديم الشهادات بالكاتب فارس زرزور، والشق الثاني خُصص للدراسات والأبحاث. ‏

في الجلسة الأولى، قدّم كل من ياسين رفاعية وجان ألكسان ورشاد أبو شاور شهاداتهم في فارس زرزور، وقبل أن يقدّم رفاعية شهادته أبدى استياءه لعدم حضور رئيس اتحاد الكتّاب العرب في الندوة، وكذلك قلّة عدد الأدباء الحاضرين الذين لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ومن حضر منهم كان له شهادة أو بحث. ‏

بدأ رفاعية شهادته بالإشارة الى التوجّه السياسي لفارس زرزور، فقد كان يسارياً بالممارسة والكتابة، متعاطفاً مع العمال والفقراء وصغار الكسبة، ولم يكن في داخله ميالاً للعنف. وأضاف: إذا كنا نتذكّر اليوم فارس فلابدّ من تذكّر مآثره وما تركه من قصص وروايات تنبئ عن موهبة كبيرة، وأشار إلى أنه لولا متاعب الحياة التي وطأت كتفيه باستمرار لكان المجال له مفتوحاً على مصراعيه كي يبدع أكثر، بل ويعيش أكثر، لكن حياته كانت غدارة، والطعنات من الخلف والأمام، وبين القلب والروح، كانت كثيرة، ما جعله يُؤثر الرحيل باكراً، وكان يردد دائماً: «الموت يحميك من ذلّ الأيام الأخيرة».. وختم بقوله: فارس زرزور صديق تلك الأيام، التي كانت بلادنا فيها تغلي كالمرجل بالأحداث والثورات والهزائم.. كلّها أثّرت في نفسيته، فما عرف فرحاً، وعرف كثيراً من الحزن. ‏

أما جان ألكسان فقد رأى في فارس زرزور حالة استثنائية متفردة في شخصيته وأدبه وعطائه ومزاجيته بين رواة القصة والرواية منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي، وأن أدبه امتداد لكوكبة الرواد الذين سبقوه في كتابة القصة والرواية، وأشار ألكسان في شهادته أن أول ما قرأ له كان في بداية الخمسينيات حين كان طالباً على مقاعد التجهيز. قصة بعنوان «ورقة خريف» التي كانت وقتها منشورة في جريدة (عصا الجنة)، ومنذ تلك اللحظة ظل ألكسان متابعاً أخباره وإنتاجه المتميز، وسنحت له الفرصة لقراءة أعماله الأدبية، وكم كان يشعر بالأسى لأنه لم يأخذ حقه من التقدير والتكريم، وأضاف ألكسان أنه عندما تسلّم رئاسة تحرير مجلة فنون في بداية التسعينيات فوجئ بفارس زرزور، وهو يزوره في مكتبه وعرض عليه كتاباته القديمة لإعادة نشرها نظراً لظروفه المادية. ‏

أما الروائي رشاد أبو شاور فقد تحدّث عن فارس زرزور ككاتب مقاومة، لأنه حمل هموم الناس وقضاياهم الوطنية، والاجتماعية بالكلمة، ومجد معارك الحرية التي خاضها شعبه، داعياً الحضور الى إعادة قراءة رواية «حسن جبل» لأنها احتلت موقعاً بارزاً بين أهم الروايات العربية في القرن العشرين، فحسن جبل ليس مجرد فرد، إنه روح شعب، مارس المقاومة بعفوية، كاره للظلم، محب لوطنه سورية، وان ما تركه فارس زرزور هو أدب مقاومة، مقاومة للعدو الخارجي، ومقاومة للظلم والتمييز بين الناس، مقاومة غايتها العدل والحرية وكرامة الوطن والمواطن. ‏

قرأ خيري الذهبي روايتين من أعمال فارس زرزور «لن تسقط المدينة» و«حسن جبل» فرأى أن الأولى تتحدّث عن دخول اللنبي، ولورنس، وفيصل الى دمشق منهين حكم الدولة العثمانية في الشام. أما أحداث «حسن جبل» فهي تتحدّث عن سجناء سوريين لدى المحتل الفرنسي أثناء معارك الثورة السورية في حوران وجبل العرب. هذا عن الزمن الداخلي للروايتين، وأكد الذهبي أن هذا ليس دليلاً على النضج المعماري، ودفء الشخصيات في حسن جبل. ‏

كما أشار الى البحث الذي اشتغل عليه فارس زرزور وهو كتاب معارك الحرية في سورية، وكان له الفضل الأكبر في الوصل ما بين عالم فارس، وعالم البلد الحقيقي، وهو عالم البسطاء والمهمشين، عالم الفلاحين والعمال، عالم كل أولئك الذين تحوّلوا الى وقود للثورة، ثم حين خفتت نار الثورة انكفؤوا على أنفسهم يبحثون عن وسيلة للعيش، وعن هوية جديدة بعد هوية الثوري ومحاولة الإمساك بقرن التاريخ لينصفهم. وتحدّث عن فارس زرزور الإنسان الذي حاول قهر الزرزور في حياته، ليعلي الفارس الذي لا يستحق أن يسمى به. وحسب رأي الكاتب خيري الذهبي فإن زرزور هو كاتب ومؤسس حقيقي، استطاع التغلب على كل المعوقات المحيطة به، وعلى كل الإحباطات الفردية والجمعية التي تعرض لها، فكان واحداً من أهم كتّاب العربية، وواحداً من أهم كتّاب سورية، ولكن من سوء حظ الوطن أنه لم ينتبه إليه بما يكفي في حياته فمضى. ‏

تناول عبد الرحمن الحلبي في ورقته ظاهرة الضيق بالمدينة التي عبّر عنها الكاتب من خلال الوافدين الى المدينة من الأرياف، وربطها بالهجرة المعاكسة التي قام بها الكاتب غداة توجهه الى الريف وكتابته عن إنسانها وحيوانها وطيرها وبنائها وجمادها، بحبّ وتفاعل ودونما ضيق منها أو عداء لها، مشيراً الى شخصيات روايتي «حسن جبل» و«لن تسقط المدينة» الفاعلين في معارك الحرية والاستقلال وهم من أصول ريفية. ‏

ثم انتقل الى موقفه من مسألة الجفاف التي انعكست على أبناء قرية «الصيرة» التي تحدثت عنها رواية «المذنبون» وما جرى لفلاحي تلك القرية، وسواها من معارك شرسة مع الجفاف، مبيناً قدرة الكاتب على وصف تلك الحال، وموقفه المتفائل رغم ضغوطه النفسية، كما أشار الى المعارك الذاتية التي اختارها زرزور رداً على ما لقيه أدبه من جحود وإهمال من قبل بعض النقّاد والباحثين، وما لقيه رحيله من إنكار، مشيراً الى أن معظم زملائه الكتّاب تجاهلوا تشييعه الى مثواه الأخير، فتركوه يمضي وحيداً. ‏

عزيزة السبيني

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...