الدواء ثالث مصدر للقطع الأجنبي في سورية

02-10-2007

الدواء ثالث مصدر للقطع الأجنبي في سورية

بدأت سورية في عام 1936 بتصنيع الدواء من خلال ورش صغيرة لتتطور في الخمسينيات بتأسيس ثمانية معامل وانضم إليها في الستينيات معملان للقطاع العام وبقي الحال على ما هو عليه حتى بداية العام 1986 ونهاية 1987 فقد نشطت الصناعة الدوائية, لتشهد انطلاقتها الفعلية في عقد التسعينيات حيث وصلت نسبة التغطية إلى أكثر من 90%, وتجاوز عدد المعامل 60 معملاً حتى أن منظمة الصحة العالمية اعتمدت على الدواء السوري نظراً لتأثيره الفعال وسعره المناسب لذا فإن المنظمات الدولية تستخدمه في الإعانات والكوارث والمساعدات الدولية.‏

إن ما سبق ذكره يؤكد حقيقة مفادها أن الدواء السوري خطا خطوات مهمة خلال فترة زمنية قصيرة أي منذ نشأتها (الحديثة) أواخر الثمانينات من القرن الماضي, ولكن هذا النجاح لا يتحقق إلا عبر دورة متكاملة تبدأ من المعمل إلى الطبيب فالصيدلي لتنتهي عند المواطن, ولعل الطبيب هو الفيصل في هذه الدورة, فثقته بالمنتج الطبي المحلي تعزز الترويج اللائق له, ليأتي بعد ذلك دور الصيدلاني الذي يترجم ما يطلبه الطبيب, وبعد ذلك يأتي دور المريض الذي غالباً ما تتولد ثقته بالدواء من خلال طبيبه الذي يراهن على شفائه من خلال الوصفة.‏

الدواء السوري جيد لا بل ممتاز هذا ما يؤكده الجميع ولكنه مسكون بغصة ولعل ظلم الأقربين أشد مضاضة إذ إننا نلاحظ ومنذ مدة غزواً غير مسبوق للدواء الأجنبي المتوفر في غالبية الصيدليات والذي يعود سببه كما قال لنا العديد من الصيادلة إلى هامش الربح الذي يحققه قياساً بالمنتج الوطني. ولكن هذا الدواء (غير النظامي) والذي لا يخضع لمراقبة وزارة الصحة يسبب مخاطر لا تتحمل الجهات الرسمية مسؤوليتها.‏

تنصح الدكتورة ميسون نصري معاونة وزير الصحة المواطنين بعدم اللجوء لتلك الأدوية لعدم موثوقيتها إذ غالباً ما تكون تلك الأدوية دون صلاحية ودون فعالية وظروف استقدامها غير ملائمة صحياً, وتضيف أن الدواء سواء أكان مهرباً أم مزوراً فالنتيجة واحدة, والوزارة تستورد أدوية مسجلة بوزارة الصحة, وبعضها عن طريق المؤسسة العامة للتجارة الخارجية والقطاع الخاص. ولقد تمت مصادرة أدوية (غير نظامية) في حلب ودمشق, وتقول: إنه للأسف بعض الأطباء يقومون بوصف الدواء الأجنبي (المهرب) فيضطر الصيدلي لصرف الوصفة. وأضافت: إننا مقبلون على تحرير التجارة وسوف نجد الكثير من الأصناف, ولكننا لن ندخل أي دواء إلا بعد إخضاعه للرقابة الصحية التي نطبقها على المعامل المحلية. وركزت الدكتورة نصري على ضرورة تضافر الجهود مجتمعة لكبح تهريب الأدوية مثل وزارة الصحة والاقتصاد والجمارك.‏

ووصفت الدكتورة نصري من يروج للدواء الأجنبي بأعداء الصناعة الوطنية. وتقول إحصائية لمنظمة الصحة العالمية إن الدواء سواء أكان مهرباً أم مزوراً أي (غير النظامي) يحوي:30% منه على مادة غير المذكورة عليه.‏

40% نفس المادة الفعالة ولكن بفعالية أقل. و20% لا تحوي مادة فعالة.‏

ويقول الدكتور عبد الناصر سيجري نائب رئيس نقابة الصيادلة إنه تمت مصادرة إبر كورتيزون تبين أنها تحوي ماءاً مقطراً, ونحذر المواطنين من مغبة استخدام الأدوية المهربة لأنها لا تخضع لأي شرط من شروط النقابة, وتصنع بأماكن مجهولة كالأقبية, أو السفن, وتخزن بأماكن لا تخضع للشروط الصحية كأن تحمل مع شحنة (بطاطا).. وأضاف سيجري: إن هذا الشيء خطر جداً ويجب توعية المواطنين.‏

لقد استطاعت سورية أن تحقق الأمن الدوائي فقد وفرت أكثر من 90% من احتياجات الدواء ويقول الدكتور سيجري إن دراسات في سورية أكدت أن الدواء هو المصدر رقم 3 للقطع الأجنبي, بعد النفط والصناعات النسيجية, لا بل إنه مرشح لأن يكون رقم 1 إذا لم نحصل على اكتشافات نفطية جديدة. وأضاف سيجري: إن سورية تصدر أكثر من مصر الأقدم في الصناعات الدوائية, حيث إن حجم الصادرات السورية أعلى من مصر. وقال إن الصناعة الدوائية لها خصوصية, فهي الوحيدة التي استطاعت توطين مفهوم الجودة الشاملة.. فبالإضافة إلى توفير فرص عمل لأكثر من 15 ألف عامل ثلثهم من الجامعيين, فإنها توفر لخزينة الدولة مبلغاً وقدره مليار دولار, فلولا وجود الصناعة الدوائية لكانت الدولة استوردتها, قياساً ببلاد عربية تصنع الدواء ولكنها تستورد بمبالغ كبيرة.‏

إن الإجراءات الصارمة التي تتبعها وزارة الصحة في التشديد على المنتج الدوائي المحلي كفيل بنيل ثقة المواطن.. هذا ما تقوله الدكتورة ميسون نصري, حيث ذكرت أن الملف يستغرق حوالي السنة والنصف حتى يطرح في السوق. وبددت دهشتنا من طول الوقت بالتبرير التالي: هو وقت دراسة وتحاليل ليأتي دور المراقبة العشوائية والدورية, ولا تنكر أن ما يجري يفوق الحد المطلوب وتعزو نجاح الصناعة الدوائية في سورية لذلك التشدد.‏

بينما لا يرى من يتعامل مع وزارة الصحة أن الروتين مبرر فقد تقدم أحد المستوردين ومنذ أكثر من عامين بطلب استيراد حليب أطفال, وما زال ينتظر حتى الآن للحصول على تسجيل المنتج تمهيداً لاستيراده وطرحه في الأسواق. وأكد جميع من التقيناهم على ضرورة تقديم التسهيلات وتخفيف الأعباء والقيود, حيث يعانون من قيود الروتين والبيروقراطية في الاستيراد والتصدير, إذ عندما يرغبون بالتصدير فإنهم يحتاجون إلى موافقات, لذا فمن الواجب تبسيط الإجراءات فيما يخص المواد الأولية.‏

يقول صفوان عرفة مورد ومصدر أدوية إن الحلم بأن تصبح سورية منطقة حرة بين الشرق والغرب لا يتحقق إلا بتقديم التسهيلات, ولنأخذ دبي مثلاً, فهي تضع رسوماً جمركية موحدة على جميع السلع, وتعطي حرية للاستيراد والتصدير دون معوقات. وأضاف: تخيلي أنك عندما تستوردين سلعة في دبي فإن زمن تخليص البضاعة من الميناء إلى أرض المخازن العائدة للمستورد أو المصنع لا يتجاوز ساعة من الزمن بينما في بلدنا يستغرق الأمر أياماً لا بل أسابيع, هذا عدا عن عدم توفر المخازن الجيدة في أمانات الجمارك.‏

الدكتور عبد الناصر سيجري لفت إلى ضرورة دراسة الأسعار بطريقة منطقية حتى تنعكس على ثقة المواطن بالدواء.‏

وبالمقابل قال الدكتور رشيد الفيصل: بما أننا مقبلين على انفتاح في السوق ينبغي أن تتم الدراسة والاعتدال بين ما هو قائم وبين ما هو قادم, لتحقيق التوازن السعري, فنحن معروفون بحسن الضيافة, فنأمل أن يتم التعامل بالمثل.‏

الدكتورة ميسون نصري أكدت على مسألة مهمة أنه لا يجب أن يقارن الدواء بسعره, قالت: هناك دراسة لسعر الدواء السوري.‏

ولفت الفيصل إلى أن جزءاً كبيراً من الأدوية تم تسعيرها منذ سنوات ووفق آليات تسعير قديمة حيث لم يتم تعديل أسعارها بالرغم من ارتفاع تكلفة الإنتاج مرات عديدة. ويقول السيد صفوان عرفة: إن القيمة المضافة للأدوية الأجنبية أعلى بكثير مما يتمتع به الدواء الوطني, فالقيمة المضافة الكبيرة للمنتج الأجنبي تعطيه إمكانيات أوسع وأكبر في مجال الإعلام الطبي و(الإعلانات), بينما المنتج المحلي لا يتوفر لديه هذا الهامش الربحي الكبير الذي يوفر إمكانات في الإعلام الطبي.‏

قال في وقت سابق الدكتور انطون لحام رئيس قسم الصيدلانيات في كلية الصيدلة بجامعة دمشق إنه خلال 18 عاماً الماضية لم يتم إجراء أي بحث علمي مشترك بين الجامعة والمعامل الدوائية.‏

ويقول السيد عرفة إن هناك ابتعادا عن البحث العلمي بسبب غياب المحفزات, الذي ينعكس بشكل إيجابي على القيمة الدوائية.‏

بدورها قالت الدكتورة ميسون نصري إن قانون الدراسات الدوائية قارب على الانتهاء وسيصدر قريباً, بعد وضع التعليمات اللازمة له بحيث يوفر مراكز للدراسات والأبحاث الدوائية ومنها الدراسات السريرية والبحوث العلمية, ثم وضع الإطار القانوني واللجان المشرفة على الموافقة والدراسة واللجان الأخلاقية التي تضمن حق المريض والمتطوع, وسيتم من خلاله تنشيط حركة البحث العلمي. وأضافت: إن هذا لا يعني أنه لا يوجد بحث وتطوير في الصناعات الدوائية, إنما تقوم المعامل بالتعاون مع الجهات المعنية داخل سورية وخارجها بإجراء دراسات وتعرض على الوزارة ليتم قبولها أصولاً.‏

وحول الانتقاد الذي يوجه للدواء السوري بأنه يعتمد على المواد الأولية المستقدمة من جنوبي آسيا قال السيد عرفة بحكم عمله كمستورد للمواد الأولية: هل من المعقول أن نشتري ماء بقين من باريس, ونشتري ماء ايفيان من دمشق, كذلك الأمر بالنسبة للمواد الأولية فبعضها يصنع في الدول الأوروبية, وبعضها يصنع في الهند والصين واليابان, فمن غير الطبيعي أن يقوم المستورد أو المصنع الدوائي باستيراد المادة من ألمانيا بينما مصدرها الأساسي اليابان, إنها مسألة اختصاص.‏

لدينا في سورية معملان تاميكو والديماس, ولكنهما لا يلبيان حاجة السوق, لذا فإن القطاع الخاص يقول إنه أخذ مكان الاستيراد وليس مكان القطاع العام. وما تنتجه تلك المعامل له حماية, فمثلاً (السيرومات) لا ينتجها إلا القطاع العام, رغم أنهم لا يلبون حاجة السوق.. وهناك من قال لنا إن القطاع الخاص سوف يلبي حاجة السوق من هذا المنتج لاحقاً.‏

إلى الآن لم ترد أية شحنة دواء سوري بسبب سمعته الجيدة, وأضافت الدكتورة نصري: إن أكثر من خمسين معملاً سوف يحصل على شهادة التصنيع الجيدة الأوروبية, بما سيفتح السوق الأوروبية أمام المنتج السوري, يتم تصدير الدواء السوري حالياً إلى 41 بلداً في مختلف أرجاء العالم, ويشارك بالتصدير 44 معملاً إلى (السويد, بيلاروسيا, روسيا, أوكرانيا, قبرص, تركيا, موريتانيا, لبنان, الأردن, الإمارات, السعودية, قطر, مصر, عمان, اليمن, العراق).‏

خولة غازي

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...