تركيا تدفع ثمن الأحداث السورية من أمنها واقتصادها

02-09-2012

تركيا تدفع ثمن الأحداث السورية من أمنها واقتصادها

بالرغم من الاستراتيجية التي اعتمدها الموقف الرسمي السوري وهي محاولة "النأي" بالشعب التركي عن موقف حكومته من أزمة دمشق، وسعيه تالياً إلى اتخاذ هذا الشعب كـ"دشمة" خفية تقف وراءها الدبلوماسية السورية لتهز عواميد البيت التركي من داخله، يبدو هذا الشعب قريباً جداً من كرة النار التي تهدد أمن المنطقة واقتصادها بأسرهما.

الرئيس السوري بشار الأسد "لعب على هذه النقطة" في حديثه التلفزيوني الأخير عبر قناة "الدنيا"، وكذلك خلال الحديث الذي سبقه قبل نحو شهرين إثر حادثة إسقاط الدفاعات الجوية السورية للمقاتلة التركية التي اخترقت أجواء بلاده.
في السنوات التي سبقت إنفجار الوضع السوري، كانت الحكومة التركية تبني طموحاتها الإقليمية على أساس العلاقة المميزة والإستراتجية مع نظيرتها السورية، لكن وغداة بدء هذه الأزمة، انقلب "الغزل" بين الدولتين إلى عتب فهجوم إلى حد أصبحت تركيا رأس الحربة على مستوى المنطقة في مواجهة الدولة السورية.

الإقتصاد التركي يتجه نحو أزمة بنيوية
ينطلق المحلل الإقتصادي السوري مدين الضابط من تحذير رجل الأعمال التركي جمال اكجان قبل أيام قليلة من أن "أوضاعنا المالية وصلت إلى نقطة الصفر بدلاً من سياسة صفر مشاكل مع الدول المجاورة المعتمدة من قبل الحكومة التركية"، للدلالة على الواقع الذي وصل إليه الإقتصاد التركي بسبب سياسة حكومة رجب طيب أردوغان الخارجية إزاء الأحداث السورية، وتجاه العديد من قضايا الشرق أوسطية.
ويلفت الضابط، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن من المفيد التعرف إلى الوضع التركي قبل بدء الأزمة من البلدين لمعرفة مدى الصعوبات الواقعة فيها تركيا اليوم، ويشير إلى أن العلاقات النموذجية بين البلدين أنتجت إزدهاراً اقتصادياً يستفيد منه الجانب التركي، ويشير إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما كان يبلغ نحو 2.5 مليار دولار أميركي، إضافةً إلى أن نحو 100 ألف شاحنة تركية كانت تعمل في الأسواق السورية، ويوضح أن حجم الواردات السورية من تركيا كان يبلغ نحو 10%، في حين أن حجم الصادرات السورية إلى تركيا كان يبلغ نحو 0.3%، ناهيك عن حركة السياحة الكبيرة التي كانت رائجة بين البلدين.
كما يرى الضابط أن الإقتصاد التركي يتجه إلى أزمة بنيوية لأسباب عديدة منها خسارة السوق السورية الواسعة، كذلك بالنسبة إلى خسارة بوابة العبور نحو الأسواق الخليجية والأردنية والمصرية، ويحذّر من أنها حتى لو فكرت في البحث عن خيارات بديلة فإن التكلفة ستكون مرتفعة جداً.
ومن جانبه، يؤكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون التركية المقيم في أنقرة دانيال عبد الفتاح، في حديث لـ"النشرة"، أن تركيا تتحمل اليوم الكثير من أعباء الأحداث السورية، ويعتبر أنها لا تستطيع أن تتحمل في إقتصادها أكثر من ذلك، ويكشف أن هناك ما يقارب 200 الف شركة تركية متأثرة سلباً جراء الأوضاع في سوريا، ويشدد على أن هذا الرقم خيالي بالنسبة لأي دولة.
ومن جهته، يؤكد الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، أن تركيا تأثرت بالأزمة السورية على أكثر من صعيد، ويشير إلى أن الوضع الإقتصادي هو واحد من بين العديد من الأوضاع التي تأثرت بالأحداث السورية.

أعمال العنف تتوسع
على صعيد متصل، لا يبدو أن الأوضاع الأمنية في تركيا بعيدة عن مثيلتها في سوريا، حيث تتحدث العديد من الأوساط عن أن النظام السوري يدعم تحركات حزب "العمال الكردستاني" مقابل دعم الحكومة التركية "الجيش السوري الحر"، ويشير إذّاك عبد الفتاح إلى أن المناطق الحدودية حيث تعيش أغلبية سكانية من العرب والأكراد والعلويين يعتبرون أن معاداة النظام السوري تجر عليهم عواقب سلبية. ويلفت إلى أن هؤلاء يعتبرون أن تدخل تركيا في الأحداث السورية ودعمها للمسلحين أمر يضر مصالحهم، ويوضح أن هذه الحالة موجودة في أكثر من 10 محافظات تركية تعتبر نفسها متضررة من موقف الحكومة التركية.
ويذكّر عبد الفتاح بأن وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو تحدث قبل أيام عن أن حزب "العمال الكردساتي" كان موجوداً ونشيطاً قبل بدء الأزمة السورية في محاولة منه للرد على الإتهامات بأن موقف حكومته يضر بالأمن القومي التركي.
من جانبه، يشير نور الدين إلى أن أعمال العنف بين الجيش التركي وحزب "العمال الكردستاني" تصاعدت في الفترة الأخيرة إلى مستوى لم تعرفه منذ مرحلة التسعينيات في ظل إشتباكات شبه يومية على الحدود الجنوبية الشرقية. ويلفت إلى انتقال التوتر الأمني إلى العمق التركي، مذكراً بالتفجير الذي حصل في مدينة غازي عنتاب، لافتاً إلى أن هناك إنتقال لأعمال العنف من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب أيضاً من خلال التفجير الذي وقع في مدينة ازمير التركية.
بالإضافة إلى كل ذلك، يصف نور الدين الواقع الكردي شمال سوريا اليوم، مذكراً بالواقع الذي كان حاصلاً في العراق في السابق، وينبّه من أنه قد يشكل خطراً إضافياً على الأمن التركي، ويشدد على أن هذا الوضع قد يكون أخطر من الأوضاع التي تجري داخل الحدود.
من جهة ثانية، يلفت نور الدين إلى أنّ تركيا أصبحت هي نفسها مسرحاً للصراع الإقليمي والدولي عبر الدرع الصاروخي الذي فجر لها أزمة مع إيران وروسيا، ويعتبر أن سياسية "صفر مشاكل مع دول الجوار" التي كانت تعتمدها تركيا أصبحت من الماضي، ويؤكد أن المحيط التركي أصبح معادياً سواء كان مع سوريا أو مع إيران أو مع العراق، ويرى أن السياسية التركية مع دول الجوار عادت الى المربع الأول.
وفي توصيفه للواقع الحالي، يستعين نور الدين بكلام رئيس حزب "الشعب" التركي المعارض كمال كيليتشدارأوغلو عن "سياسية العمى الإستراتجي"، بسبب الموقف من الأحداث السورية، بدل "سياسية العمق الاستراتجي"، ويعتبر أن تركيا لم تكن تدرك أنها ستصل إلى هذا الوقت لأن رهانها كان على أن النظام السوري سيسقط بسرعة وأن كل الأمور ستكون كما تريد لكن هذا الأمر لم يحصل حتى هذه اللحظة.

ماهر الخطيب

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...