تقرير أميركي حول شروط حرب الخليجيين بالوكالة في سوريا وحدودها

18-04-2012

تقرير أميركي حول شروط حرب الخليجيين بالوكالة في سوريا وحدودها

ثمة فرق شاسع بين تسليح المعارضة السورية وتمكينها من قلب المعادلة على أرض الواقع.. وثمة فرق أكثر اتساعاً بين تلويح الدول الخليجية بالدعم العسكري للمعارضة السورية وبين انخراطها الفعلي في تنفيذ خطة مماثلة.. فالتورط المباشر في قلب المعركة يلزمه توفر معطيات ضرورية تفتقر اليها دول الخليج، مع الإشارة إلى ما يتركه هذا التدخل من تداعيات سلبية على مستقبل الطرفين: من يتدخل ومن يتعرض للتدخل.
ولعلّ الاعتبارات المتعلقة بتدخل دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا، السعودية وقطر تحديداً، لا يرتبط بقدرة تحكّم هذه الدول في مسار الصراع الدائر حالياً بقدر ما يثيره من مخاوف بشأن تأثيرها في تحديد الشكل الذي ستكون عليه سوريا والمنطقة مستقبلاً... وتجربة التطرف الليبي المستفحل بعد سقوط النظام لم تغادر المشهد «الربيعي» بعد.
في الواقع، ما نشهده من «تهافت» خليجي على الانخراط في الأزمة السورية ليس جديداً على دول مجلس التعاون الخليجي، فسجل الأخير حافل بتجارب التدخل العسكري في البلدان العربية، لا سيما عبر وكلاء من داخل هذه البلدان... وفي مختلف هذه التجارب، كان هناك قاسم مشترك رئيسي: استفحال التيارات الإسلامية المتطرفة.
ما سبق كان محور التقرير الذي أعدّه الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية للعراق وإيران والدوول الخليجية مايكل نايتس، ناقش فيه تجارب التدخل الخليجي في دول المنطقة وصولاً إلى إمكان التدخل في سوريا. وفي سياق مناقشة الباحث الأميركي في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» لأشكال التدخل العسكري المحتمل، وصل إلى خلاصة «واضحة» مفادها: لا يمكن للتدخل الخليجي في سوريا أن يتحقق إلا إذا حصلت السعودية وقطر والإمارات على تفويض من القوى الدولية كشرط أول، وإذا شارك حلفاؤها العسكريون كتركيا والأردن في هذا المسعى كشرط ثانٍ.
يقسّم نايتس بداية وجوه الدعم الأمني الخارجي للدول أو للتنظيمات الفرعية داخل الدول إلى شكلين: الأول هو الدفاع عن الأمن الداخلي لدولة ما بمساعدة الخارج (مكافحة الدول الغربية للتمرد على أراضي دول أخرى تسمى الدول المضيفة)، أما الثاني فيكون عن طريق الحرب غير النظامية. ويشمل الأول تقديم الدعم الأمني للحكومات بهدف التغلب على الجماعات المتمردة والإرهابية على أراضيها، في حين أن الحرب غير النظامية هي دعم لاعبين خارجيين للجماعات المتمردة ضدّ النظام. وفي كلتا الحالتين، يشمل الدعم الخارجي توفير المعدات ووسائل التدريب والعمليات وصولاً إلى إمكان التدخل من خلال إرسال قوات قتالية أجنبية في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد، وفقاً لنايتس، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي خبرة في مجال الحروب غير النظامية... إذ ان العوامل التي عرقلت تاريخياً الفعالية العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجية مع التدخل النظامي ـ محدودية القوى العاملة وعدم القدرة على إرسال وحدات مساعدة ذات كفاءة عالية - تمّ تحييدها جانباً، وتعويضها بخيار أكثر جاذبية لممالك وإمارات الخليج القلقة: الحرب بالوكالة عبر دعم الجماعات المسلحة.
يجري نايتس جردة حساب لتجارب سعودية لافتة في مجال الحرب غير النظامية: شاركت المملكة بشكل محوري في حرب الثماني سنوات الأهلية في شمالي اليمن وفي الجهاد ضدّ السوفيات الذي استمر لأكثر من عقد في أفغانستان. في الصراع اليمني، أمنت السعودية برنامجاً جوياً طويل الأمد للدعم العسكري، وفي أفغانستان قدمت مئات الملايين من الدولارات للدعم (بلغت ذروتها بـ 630 مليون دولار في العام 1987).
أما في الآونة الأخيرة، والكلام لنايتس، فتشارك دول مجلس التعاون الخليجي (وقد انخرطت الإمارات وقطر حديثاً) في الدعم الداخلي للنظام وفي دعم القوات غير النظامية في العديد من البلدان أهمها:
- أفغانستان: منذ العام 2006، نشرت الإمارات كتيبة من القوات المدرعة في أفغانستان. وتقوم هذه القوات الخاصة في قندهار بالتنسيق مع القوات الخاصة الأردنية بعمليات قتالية ضدّ عناصر طالبان. ويأتي هذا الانتشار الإماراتي في أفغانستان عقب إرسال قوات حفظ سلام إماراتية إلى الصومال ولبنان (قوات الردع العربية) والبلقان منذ السبعينيات.
- اليمن: منذ انسحاب القوات المصرية في العام 1970، زادت السعودية من نفوذها السياسي والعسكري على الأراضي اليمنية، مباشرة أو عبر وكلاء. وفي العام 2009، شنت السعودية حملة من القصف الجوي على الحوثيين في الشمال استمرت لتسعة أسابيع. وفي الآونة الأخيرة، زادت السعودية من دعمها للمشايخ السلفيين في الشمال، بما في ذلك ضخهم بالمال والمؤونة والعربات المصفحة والسلاح. ومن جهتها، قدمت الإمارات لليمن العربات المصفحة والأسلحة عبر الجيش الأردني، فضلاً عن تمويل عمل المدربين الأردنيين للقوات الخاصة.
- ليبيا: لعبت قطر والإمارات دوراً محورياً عبر قواتها المسلحة في الإطاحة بنظام معمّر القذافي. فكلا البلدين نشر قواته الخاصة في خضم المعركة الدائرة في ليبيا. استخدمت الطائرات القطرية والإماراتية لنقل المدرعات والسلاح للثوار الليبيين في بنغازي وجبال النفوسة في طرابلس. كما شارك الطرفان بشكل أساسي في التنسيق مع القوات الجوية للناتو. ومنذ سقوط القذافي، تنافست الإمارات وقطر على توفير المساعدات للحكومة الجديدة والميليشيات الفردية، كما لجأتا لاستخدام مراكز التدريب التركية والأردنية لتوفير البرامج التدريبية اللازمة. وقد أدت مواصلة دول الخليج دعم الوكلاء الداخليين إلى زعزعة الاستقرار في البلاد كما إلى إضعاف سيطرة الحكومة المركزية. إذ ينحو الدعم الخليجي للمتمردين باتجاه تمكين التيارات الإسلامية المتطرفة في أوساط المتمردين.
- لبنان: منذ العام 2006، دعمت الإمارات لبنان بمئات من الآليات العسكرية والأسلحة الخفيفة والذخيرة والدروع وأجهزة مكافحة الشغب لقوى الأمن الداخلي. ومع اندلاع القتال بين جماعة «فتح الإسلام» والجيش في مخيم نهر البارد في العام 2007، مدّت الإمارات لبنان بتسع طائرات هليكوبتر من طراز «غازيل» من مخازنها الخاصة، نشرت في غضون أسبوعين من اندلاع القتال.
يعود نايتس لاحقاً ليشرح «شكل الصيغة التي تسهّل انخراط دول مجلس التعاون في الحرب غير النظامية»، ملخصاً إياها في ثلاثة عناصر: ضغينة مسبقة أو مصلحة كبيرة لديها في خلع النظام، دعم دولي قوي للعملية، فضلاً عن التعاون مع شركاء إقليميين موثوقين يمتلكون قدرات عسكرية قوية مثل باكستان او الأردن او تركيا. ويظهر النموذج الليبي مثالاً صارخاً على ان دول الخليج تتحرك عندما تحظى بتفويض دولي بوجه نظام لا يحظى بشعبية أو معزول. ويمكن للروابط القوية بين القوات العسكرية لدول مجلس التعاون مع القوات الأردنية الخاصة ان تلعب دوراً في التدخل في سوريا.
وفي هذا الإطار، يؤكد نايتس مجدداً أن تدخل الدول الخليجية في الأزمة السورية يعطي دفعاً كبيراً لاستمرارية الجيش السوري الحر كقوة عسكرية. لكن هذا التدخل يمكن أن يتحقق إذا حصلت السعودية وقطر والإمارات على تفويض من القوى الدولية، وفي حال شارك الحلفاء العسكريون كتركيا والأردن في هذا المسعى. وفي هذا الإطار، يشير الباحث الأميركي إلى ان المساعدات العسكرية الخليجية للجماعات المسلحة لا تزال غير مباشرة وبحجم منخفض (مساعدات ضئيلة لمهربي الأسلحة من لبنان والعراق).
علاوة على ذلك، يحذّد نايتس أنه إذا انخرطت الممالك الخليجية في العمل السري ضدّ سوريا، فإن الصراع العراقي سيتداخل مع السوري في ظلّ وجود المتمردين في البلدين اللذين يديرهما نظامان حليفان لإيران. ويحذر واشنطن كذلك من أنها إذا رغبت في دعم ذلك التدخل، فهي ستواجه مشكلة ردع دول الخليج عن تقديم المساعدة العسكرية للمعارضة السورية، في ظل عدم وجود عوامل تمنعها عن ذلك. أما إذا أعطيت دول الخليج الضوء الأخضر للتحرك العسكري فعلى دول الخليج أن تقدم ضمانات عالية للدول الغربية التي يهمها بالدرجة الأولى استقرار الدول الخليجية على المدى البعيد.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...