عبء الكلام في مسرحية «مجرد تعب»

02-06-2007

عبء الكلام في مسرحية «مجرد تعب»

تكرر الممثلة الأردنية صبا مبارك في تجربتها الإخراجية الأولى تجربة العرض السوري «صدى» لعبد المنعم عمايري مخرجاً، وغسان مسعود وسلافة معمار ممثلَيْن. وهي إذ تقدّم عرضها في دمشق مع ممثلين سوريين (ناندا محمد وجمال شقير) تبدو كمن «يبيع الماء في حارة السقّايين»، إذ يصعب أن يخرج المرء من دون إحساس طاغ بالتشابه بين التجربتين. ليس جديداً ولا حكراً بالطبع موضوع الحياة الزوجية، ولكن الشكل الذي ظهر فيه العرض ذكّر بـ«صدى»، عبر تلك الثرثرة الزوجية التي كادت تقلّد حتى إيقاع الحوار بين الزوجين، وكذلك فحوى الحوار الذي لا يقول شيئاً في الغالب، سوى أن يقدّم ألعاباً لفظية. موضوع الزوجية ليس حكراً، ولكن هنالك أشكال لا تحصى في معالجته، مثل مونودراما غارسيا ماركيز «خطبة لاذعة ضد رجل جالس» الذي يشكل شبه مرافعة احتجاجية عبر صوت الزوجة الوحيد الذي قد يختصر آلام كل الزوجات في العالم. وماذا تقول الزوجات غير الاحتجاج على الإهمال والعزلة والتوق إلى الحياة.
فضاء شعري
«مجرد تعب» يقدّم نموذجين نمطيين، بمعنى أنه يجعل كلاً من الشخصيتين فكرة، الزوج مثقف، فأر كتب مأخوذ بها طوال الوقت، ومشغول بها عن زوجته. ولكن لماذا يجري اختصار إهمال الزوج دائماً على هذا النحو؟ ألا يوجد سبب غير الثقافة لانشغال الأزواج؟ فهؤلاء دائماً مأخوذون بالكتاب أو بنشرة الأخبار (في عرض عبد المنعم عمايري بالرسم، وفي نص ماركيز بالجريدة التي تكاد تشكل الحضور الوحيد للزوج). الزوجة بدورها مشغولة بجماليات جسدها التي لم يعد الزوج ليكترث لها، ولذلك كانت المفردة الأساسية في العرض خزانة ثياب ضخمة ومقلوبة على قفاها، بما يجعلها طاولة أحياناً، أو سريراً، أو خشبة يلعب الممثلان فوقها، أو حتى كالوساً يختفي وراءه الممثلان. فالمكان هو بيت دمشقي، وساحة اللعب هي ساحة البيت، فيما راح العرض يحاول استثمار الشبابيك في جدار المواجهة وكذلك الدرج إلى جانبه، صعوداً إلى ممر علوي قدّمت فيه بعض المشاهد. ولعل هذه المشاهد كانت الأجمل حقاً، فمن الواضح أنه قد جرت الاستعانة بكريوغراف لتصميمها، ولا شك في أن الإضاءة الملقاة في الممر وعلى الدرج، كما على الممثلين ألقت على فضاء العرض شيئاً من الشعرية. واللافت للنظر أن الإضاءة هنا، في الأعلى، لا تشبه تلك على الخشبة المواجهة للجمهور، كما لو أننا أمام فضاءين منفصلين. كانت مشاهد الطابق العلوي خالية من الكلام تقريباً، فقط الحركة والتنقل بإيقاع وحركة رقص. ولكنها على جمالها بدت عبئاً على العرض، أولاً لأنها خارج سياق الجدل والحكي بين الممثلين، فلا سبب قدّمه الإخراج يبرر صعود الممثل أو ذهابه بهذا الاتجاه، ومن ثم كان الأمر مرهقاً على المتفرج الذي اضطر إلى حركة مرهقة من رأسه لمتابعة ما يجري في الطابق العلوي، ودائماً من غير ضرورة.
لا شك في أنه يحسب للعرض، رغم ثرثرة في الكلام غير محسوبة في أغلب العرض، أنه فكّر بحركة الممثلين، خصوصاً في المشاهد المزدوجة القريبة، فكانت الحركة من غير كلام تحكي عن قتل الزوج لزوجته، وعن ضجره، كما تحكي احتفال الزوجــة بجسـدها. ويلفت أن العرض بدا وكأنه عرض حركي، فيما الكلام عبء ثقيل وسمج.
حين ينفد الكلام، وحين ينفد اللعب حول الخزانة وحول ركام الثياب المندلقة منها، سيعود الممثلان، في مرات عدة، إلى ما وراء نافذتين متطاولتين في العمق. وهناك سيقومان بمشاهد حركية صامتة، هو عبر شباك يظهر كتباً مكتظة، وحركته تقول إنه يبحث طوال الوقت عن كتاب، ولكنها حركة صعبة كما لو أنه ضائع هو الآخر، أما حركة الممثلة عبر نافذة أخرى فلم تكن سوى التعري والنظر إلى جسدها في مرآة.
يحتــاج «مجــرد تعب»، وقد كان واضحاً جهد ممثليه شقير ومحمد، إلى نص مختلف، مبتكر لا مكرر، كما يحتاج إلى دراسة مختلفة في إطار المكان الذي يقدم فيه. فمكان العرض هو بيت عربي على حدود دمشق القديمة، استقر فيه معهد «تياترو» للتمثيل الذي تشرف عليه الفنانة مي اسكاف، ولكنه لم يهيأ بعد لتقديم العروض، التي تحتاج قبل كل شيء إلى مخرجين.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...