"منظمة العفو الدولية": الحرب الدعائية وإرهاب ‘حقوق الإنسان’

10-08-2013

"منظمة العفو الدولية": الحرب الدعائية وإرهاب ‘حقوق الإنسان’

الجمل- جيروا أو كولما- ترجمة: د. مالك سلمان:

في جرمانا, الواقعة على أطراف دمشق, وفي 7 آب/أغسطس تناثرت أشلاء 18 مدنياً كان من بينهم أطفال. أدانت الحكومة الروسية هذه الجريمة ضد الإنسانية. لكن الصحافة الغربية لم تأتِ على ذكر الجريمة, عداك عن صمت الحكومات الغربية التي تزود الإرهابيين بالأسلحة. ربما كان الأطفالُ الذين قتلوا في التفجير موالينَ لبشار الأسد ولذلك كانوا مذنبين.
وفي "أرض حقوق الإنسان", كان الباريسيون يشربون قهوتهم ويقرؤون صحيفة "اللوموند". فقد نشرت الصحيفة الفرنسية اليومية قصة لمنظمة معروفة دولياً بدورها في الدفاع عن ‘حقوق الإنسان’: "آمنستي إنترناشنل" ("منظمة العفو الدولية") ["آمنستي", من الآن فنازلاً].
كانت "آمنستي" غاضبة من العنف ضد المدنيين في سوريا. لكنها لم تأتِ على ذكر مجزرة جرمانا. من المستغرب أنهم لم يسمعوا بالخبر. لم يعرفوا أن إرهابيين قد زرعوا قنبلة في منطقة مدنية مزدحمة في جرمانا وقتلوا المدنيين. وعوضاً عن ذلك, اقتبست مقالة "اللوموند" تصريحات أطلقتها دوناتيلا روڤيرا, وهي ناشطة في "آمنستي" أمضت بعض الوقت مع مجموعات مشابهة لتلك التي قامت بزرع القنبلة في جرمانا.
كانت روڤيرا تستشيط غضباً من تصميم الجيش [العربي] السوري على دحر الإرهابيين. إذ قالت إن "النظام يستخدم الأسلحة المحرمة". فمن وجهة نظر روڤيرا الملتوية, لا تشتمل الأسلحة المحرمة على السيارات المفخخة المركونة في ساحات الأسواق المزدحمة. فالأسلحة المحرمة هي الأسلحة التي تستخدمها كافة الجيوش الوطنية التي تحارب دفاعاً عن بلدانها, مثل الصواريخ البالستية.
وجدت روڤيرا, ناشطتنا في "حقوق الإنسان", نفسَها مرغمة على الاعتراف أن "ثوارَها" المحبوبين يمكن أن يكونوا قد ارتكبوا بعض الجرائم لكنها, وعلى غرار المهنيين الحقيقيين, حرصت على تلفيق قصص تفيد بأن جرائمهم نوع من الأذى غير المباشر:
"إن جرائم الحرب التي يرتكبونها تستهدف أعضاءَ في القوات الحكومية وميليشياتها الذين يلقي الثوار القبض عليهم, لكن هذه المجموعات أصبحت أيضاً أكثر ظهوراً بين المدنيين الذين يفرضون وجهة نظرهم عليهم."
لكن ناشطة حقوق الإنسان المتطرفة في "آمنستي" لا توضح أي شيء حول وجهة النظر تلك. إذ لا تذكر أن ثوارَها المحبوبين يقسرون النساء في حلب المحتلة على ارتداء البرقع, ولا تذكر أنهم يستخدمون الطعام كسلاح ضد الناس في محاولة لإخضاعهم عن طريق تجويعهم. كلا, فالرسالة واضحة, الثوار هم الصالحون, على الرغم من وجود بعض الأشرار بينهم.
أليس من المدهش أن حكومة تهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من مواطنيها, هذا الوحش الاستبدادي الذي يقتل بسادية العشرات من مواطنيه يوماً بعد يوم, أن تبقى في السلطة على الرغم من حقيقة أن الكثير من أولئك المواطنين يدعمون أولئك الأبطال الانتحاريين ومفجري السيارات الذين يحاربون تلك الحكومة, ويدعمون قاطعي الرؤوس المعارضين لتلك الحكومة, ويهللون للجنود الأطفال الذين يتمنطقون بنادقَ بالكاد يستطيعون حملها ضد تلك الحكومة, وأن بمقدور مثل تلك "الانتفاضة الشعبية" أن تنال كل ذلك الدعم اللوجستي والدعائي والعسكري من أقوى أمة عرفها العالم, ومع ذلك وبعد سنتين ونصف من قطع الرؤوس, وأكل لحوم البشر, والقتل والجريمة, لا يستطيع "ثوار" القاعدة من إنهاء هذه "الثورة"؟
بالنسبة إلى "آمنستي", من الواضح أن أطفال جرمانا الصغار المدفونين تحت الركام هم من "القوات الحكومية". إذ لو كان رأي "آمنستي" مغايراً لذلك, لكانوا نشروا إداناتهم لمثل تلك الجرائم. لكنهم لم يفعلوا ذلك, وبالتالي فهم متواطؤون مع هذه الجرائم. وهذا ما تفعله "آمنستي" منذ عدة سنوات, ومنذ بدء هذه الحرب ضد الشعب السوري تقف "آمنستي" بحزم إلى جانب المعتدين. حيث كانت جميع تقاريرهم عن الحرب مبنية على "أقوال النشطاء", و "تبعاً للنشطاء", و "متطرفي حقوق الإنسان", وقد أدانوا الحكومة السورية على أساس هذه المزاعم التي تروج لها ما تسمى بالمصادر "الموثوقة" التي ترتكب الجرائم وتحمل مسؤوليتها للحكومة منذ أن فتحَ قناصة مجهولون النارَ على المحتجين والقوات الأمنية في درعا في 17 آذار/مارس 2011.
إن "آمنستي" منظمة للدعاية الحربية تعمل لصالح الإمبريالية. وفي الحقيقة, فإن غالبية منظمات حقوق الإنسان الشهيرة تعمل بمثابة وكالات تجنيد إيديولوجي لصالح الكولونيالية الجديدة والإمبريالية. وفي هذا الخصوص, فقد حلوا محل البعثات التبشيرية المسيحية في القرن التاسع عشر التي قدمت التبريرات اللازمة للهيمنة الكولونيالية بذريعة نشر "الحضارة المسيحية". أي أن الكولونيالية التي كانت تنشر المسيحية قد أفسحت المجال لدعاة حقوق الإنسان الإمبرياليين.
أثناء الحملة الإرهابية التي قادها مجاهدو "سي آي إيه" ضد "جمهورية أفغانستان الديمقراطية" خلال الثمانينيات من القرن الماضي, نشرت "آمنستي" تقريراً يدين التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة ضد إرهابيي "المجاهدين" من قبل الحكومة الأفغانية, بينما تجاهلت التفجيرات والجرائم المرتكبة بحق المدنيين التي ارتكبها أسامة بن لادن وعصاباته المكونة من مهربي المخدرات والعرقيين وكارهي النساء.
كان العقل المدبر ﻠ "المصيدة الأفغانية", المصممة للتحريض على التدخل السوفييتي في أفغانستان, هو مستشار "الأمن القومي" الأمريكي زبينيو بريزيجنسكي. وهو أيضاً مدير سابق ﻠ "آمنستي". أما المدير الحالي ﻠلقسم الأمريكي ﻠ "آمنستي" فهي سوزان نوسل, المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكية للمنظمات الدولية. وقد حان الوقت للتشكيك ليس في "آمنستي" فقط, بل أيضاً في إيديولوجيا حقوق الإنسان برمتها.
 

حقوق الإنسان مقابل الحقوق الاجتماعية
يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إن الإنسان بصفته "مزيجاً إمبيريقياً- متعالياً" كان من اختراع القرن الثامن عشر, وأن فكرة الفردانية بصفتها أنا متعالية منفصلة عن القوى الاجتماعية والتاريخية قد ظهرت للمرة الأولى في الفلسفة الغربية خلال عصر "التنوير". احتفى فوكو ﺑ "موت الإنسان" مع بداية فهم الكائنات البشرية من قبل البنيويين وما بعد- البنيويين بصفتها نقاطاً مهمشة في شبكة ضخمة من علاقات القوة, وهي رؤية عملت في نهاية المطاف على تجريد الكائن الإنساني من دور الوسيط. والنتيجة السياسية لهذا الفهم النيتشَوي العميق للإنسان هي النسبية, والنهلستية [العدَمية], واليسارية البرجوازية الصغيرة الرجعية, التي تعارض كلَ شيء ولا تدافع عن أي شيء. ولكن, على الرغم من رفضهم للإنسان لا يزال ما بعد- البنيويين وما بعد- الحداثيين يدافعون عن حقوق الإنسان.
يرفض الماركسيون أيضاً فكرة حقوق الإنسان لأنها تمثل مفهوماً برجوازياً للكائن الإنساني. فبالنسبة إلى الماركسيين, حقوق الإنسان هي تصنيفات برجوازية تتصادى مع المصالح الطبقية البرجوازية.
يدافع العديد من النشطاء اليساريين عن فكرة حقوق الإنسان. ولكن هناك آخرون يقولون بضرورة نقد ورفض مفهوم حقوق الإنسان؛ يجب أن ندافع عن الكائنات الإنسانية بصفتها كيانات اجتماعية؛ البشر بصفتهم لاعبينَ مشكلينَ اجتماعياً, مشكلينَ من قبل بيئتهم لكنهم قادرون أيضاً على تشكيل بيئتهم والتغلب عليها؛ أي الكائنات الإنسانية بصفتها كائنات اجتماعية ديالكتيكية معقدة وليس مجموعات من "الأنا" المجردة التي تتمتع بالحقوق.
يجب ألا نندهش من لعب وكالات حقوق الإنسان لدور قسم الدعاية للإمبريالية. فقد ولدَ مفهوم حقوق الإنسان مع الصعود التاريخي للبرجوازية ونمط الإنتاج الرأسمالي. ولذلك فإن حقوق الإنسان تسير جنباً إلى جنب مع حقوق الملكية. فحقوق الإنسان هي دوماً حقوق ملكية؛ حقوق المستغلين؛ حقوق القمعيين؛ حقوق الإرهابيين.
بدلاً من ذلك, علينا أن ندافعَ عن الحقوق الاجتماعية. فالإنسان, كما يقول أرسطو, هو حيوان سياسي, أي أنه حيوان لا ينفصل وجوده عن النسيج الاجتماعي "بوليس", عن المجتمع. إن منظمات مثل "آمنستي" و "هيومن رايتس ووتش" هي فتيات وصبيان المتعة تحت طلب نوع جديد من الإمبريالية القائمة على الفردانية المفرطة التي تهدد مستقبلَ قدرة الكائنات الإنسانية على التعاطف مع معاناة الآخرين. فمجموعات حقوق الإنسان مهتمة ﺑ "الحقوق" أكثر مما هي مهتمة بالإنسان, بالألقاب والأفعال أكثر من العواطف والمشاعر, بالوقوف إلى الجانب الصحيح من "الاستقامة السياسية" أكثر من الصدق والنزاهة؛ بالوقوف إلى جانب حرية السوق أكثر من حرية الكائنات البشرية.
على نشطاء السلام ألا يرفضوا ويكشفوا ويدينوا أكاذيبَهم واستغللهم فقط, بل فلسفة حقوق الإنسان نفسها؛ إذ لا يمكن تقديم فهمٍ للكائنات الإنسانية بصفتها كيانات مولودة بحقوق ثابتة بل بصفتها كائنات اجتماعية تنمو وتتطور في مجتمعات دينامية تفرض عليها واجبات وديوناً وفروضاً تجاه العمال والمنتجين الآخرين. فبدون مثل هذه العلاقات المعقدة التفاعلية, لن يكون هناك مجتمع وبالتالي لن تكون هناك كائنات إنسانية.
علينا أن نرفضَ حقوق الإنسان المجردة ونطالبَ بالحقوق الاجتماعية الملموسة؛ الحق في السكن المجاني؛ الحق في الملكية الديمقراطية لوسائل الإنتاج؛ الحق في العيش بسلام؛ الحق في العمل؛ الحق في التمتع بالخصوصية؛ الحق في التعليم المجاني والنقل المجاني والرعاية الصحية المجانية؛ الحق بالتمتع بغذاء صحي ومياه صحية؛ والحق في حرية التعبير.
علينا ألا ننسى أن معظم الجرائم الوحشية المرتكبة في هذه الحرب, إن لم تكن كلها, قد ارتكبها ما يسمون بالثوار. علينا ألا ننسى مجازر الحولة وبانياس وحطلة وجامعة حلب, من بين المجازر الكثيرة الأخرى التي لا يأتي أحد على ذكرها؛ والآن مجزرة جرمانا. كانت "آمنستي" و "هيومن رايتس ووتش", ومنظمات أخرى, متواطئة في التغطية على هذه الجرائم. ويجب محاسبتها. إن "آمنستي" متواطئة مع هذه الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري ليس لأنها منظمة حقوق إنسان مزيفة؛ بل لأن حربَ "آمنستي" الدعائية نيابة عن الإمبريالية هي ببساطة جزء من الإيديولوجية البرجوازية التي تعتنقها كافة مجموعات حقوق الإنسان. فالحروب "الإنسانية" الحالية التي يدافع عنها متعصبو حقوق الإنسان تدلل على أزمة حضارية عميقة.
في الستينيات من القرن الماضي, حاول المخرج السينمائي الفرنسي الماوي [نسبة إلى ماوتسي تونغ] جان- لوك غودار أن يبين في فيلمه الكابوسي "لو ويك إند" ["عطلة نهاية الأسبوع"] كيف تقوم الإيديولوجيا البرجوازية الفرنسية بتحويل الكائنات الإنسانية المتحضرة إلى أكلة لحوم بشر متعطشة للدماء. وقد سمع كاتب هذه المقالة عن تعليقات عديدة في الصحافة الفرنسية والعالمية تحاول تبريرَ وتخفيفَ أكل لحوم البشر من قبل بعض الإرهابيين السوريين كرد فعل على "وحشية النظام". فقد تم تحويل أكلة لحوم البشر والمرضى النفسيين إلى الهمجي النبيل الذي تحدث عنه مونتان [ميشيل دو مونتان, من أشهر كتاب عصر النهضة الفرنسية (1533- 1592)]. هذه هي إيديولوجية المجتمع الاستهلاكي المنحط حيث تظهر بعض الميول البدائية في تجميع الطرائد في قلب هذه الفوضى الناتجة عن الموت البطيء للرأسمالية التكنوقراطية.
علينا أن نوثقَ جرائمَ مثل مجزرة جرمانا ونفضحَ أولئك الذين يحاولون التغطية على مرتكبيها, ليست لأنها خروقات لحقوق الإنسان بل لأنها خروقات للإنسانية والشبكات الاجتماعية التي تدعم العلاقات الإنسانية الحيوية. علينا أن ندافعَ عن الكائن الإنساني ونرمي بحقوق الإنسان في مزبلة التاريخ.



http://dissidentvoice.org/2013/08/amnesty-international-war-propaganda-and-human-rights-terrorism/#more-50114

تُرجم عن ("ديسيدنت ڤويس", 8 آب/أغسطس 2013)

الجمل

التعليقات

للتذكير، هكذا زعمت "أمنستي" ان القذافي كان يستعين بالمرتزقة الأفارقة لقتل شعبه... و كان ذلك تمهيدا لعدوان الناتو على ليبيا. بعد تدمير البلاد و بعد فوات الأوان، اعترفت رئيسة "أمنستي" في فرنسا ان المعلومة كانت خاطئة. و ها هي "أمنستي" اليوم تلفق من جديد و بدون أي حياء بشأن "جرائم النظام السوري بحق المدنيين العزل".... http://www.youtube.com/watch?v=0jfckeSnzn0

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...