نجيب نصير يطلب سيارة اسعاف للدراما السورية

07-07-2007

نجيب نصير يطلب سيارة اسعاف للدراما السورية

في القبو الذي يتخذه مكتباً، يغرق نجيب نصير في فوضى الأوراق والمشاهد الدرامية المؤجلة والمنجزة، تهيم أرواح شخصياته في المكان الضيف، لتحلق لاحقاً في فضاء الحياة وصخبها.

هكذا يسعى هذا السيناريست الى بناء عالم روائي وبصري في آن، يتجول في شوارع اليوم، ويلتقط من ثراء الحياة اليومية إيقاع مسلسلاته، مابين البيوت المغلقة على أسرارها المفضوحة، وفضيحة الحياة في العشوائيات التي كانت مدار عمله الأخير«الانتظار». ‏

هل الدراما مرآة الحياة، أم الحياة هي مرآة الدراما؟ 
 يأخذ نجيب الحوار الى صخبه العارم، ويلبد أجواءه بيأسه الأسود، ولا طمأنينة، مع صواريخ من سخرية مرة لا يمل إطلاقها. وهيهات ينضبط الحديث، فلطريقته في الكلام تشعبات، واستطردات، تكاد لا تعرف آخرها. ‏

حوله ككاتب وناقد، وحول شؤون الدراما التلفزيونية السورية، بدءاً من النص، وحتى دورته الطويلة في مختلف المراحل الفنية، وصولاً الى الشاشة، كان هذا الحوار. ‏

ہ لنبدأ من سؤال أنت طرحته ذات يوم: هل دخلت الدراما التلفزيونية السورية غرفة الإنعاش؟ ‏

ہہ الدراما السورية لم تخرج من الحاضنة بعد، وعندما تخرج منها سندخلها فوراً الى غرفة الإنعاش. المشكلة الكبيرة تكمن في أن الدراما فعل حداثي، ولكن، في سورية، يتم التعامل معها بعقل كلاسيكي، إجرائي، استثماري، على نمط أسلوب «الدكنجي» وشيء آخر، إنها طفل وحيد في الحاضنة، ومن الطبيعي أنه لن ينفد، بسبب غياب الرعاية نهائياً. وربما لوقلنا أنها منتج فلكلوري محلي، لكنا أكثر إنصافاً. ‏

ہأليست مفارقة عجيبة أن يتم التعامل مع تمثله حالة التلفزة من حداثة ورقي فكري بشكل تقليدي، خال من أي معنى حضاري؟ ‏

ہہ ما حدث هو أننا أنتجنا دراما ضد الدراما، ولنأخذ المسلسل التاريخي كمثال. إنه مسلسل يستعيد حكايا الجدة بأدوات المشافهة، وكأننا لم نغادر القرن التاسع عشر. نحن استبدلنا الجدة بجهاز تلفزيون فقط. حالة المشافهة هذه كفيلة بإعادة كل القيم الماضوية، دون أي معنى نقدي، فهي تقدم للمشاهد ما يحب مشاهدته وهنا المأزق، مع أن الأمر يختلف عن حب المشاهد لمسلسل ممتع. ‏

أعتقد أنك حين تنظر الى التاريخ بنظرة غير نقدية فأنت تخرج عن الفن والإبداع. ‏

وحتى المسلسلات الحديثة التي تري فيها أناساً يركبون سيارات، ويضعون ربطات عنق، لا تخرج عن هذا السياق، ففيها تلمس حسرة على الماضي، وكأن الحياة موعد مع قدر جميل نعرفه لأننا سبق وجربناه، والآن نجربه مرة ثانية. ‏

كل ذلك بسبب غياب المغامرة في الشكل والمضمون، لأن فن الدراما بات مرتبطاً بالإعلانات التي تبثها المحطات، لكنك ترى الشكل الفني، في الكثير من الدعايات، قد قطع أشواطاً بعيدة عنها. يجب أن نكون بمستوى الكاميرات اليابانية التي نستخدمها، فالحياة جهد مبرمج، لكن الحاصل أن يوم التصوير عندنا هو يوم احتمالي، ناهيك عن غياب العلاقات الحقيقية بين حلقات العمل نفسه. وهكذا ستظل، هذه الدراما، إنتاجاً عشوائياً. ‏

ہ في مقال لك، تسمي مديري الانتاج بالشطار والعيارين، هل هؤلاء جديرون بصناعة فن؟ ‏

ہہ كل الناس جديرون بصناعة الفن، لكن السؤال هل هذا الفن صالح للاستخدام البشري؟ وهؤلاء الذين يساومون الفنان على أجره، هل سينجو العمل فنياً عبر عمليات النصب والاحتيال والفهلوة؟ ‏

في مختلف أنحاء العالم تعمل شركات الإنتاج، وهي تفكر بالربح، لكنها تؤمن أن الفن سلعة استراتيجية. لسنأل أنفسنا إذاً: هل الفن حاجة فوقية، زائدة، إضافية؟ ‏

أثبت الزمن، وخاصة في القرن الماضي، أن الفن حاجة من الحاجات الأساسية، وأنه أداة للارتقاء بالفرد كإمكانية اجتماعية. ما الفرق بيننا وبين الألمان مثلاً؟ ‏

ببساطة الألماني يعرف المسرح ويستمع للموسيقا، ويتعاطى الفن التشكيلي، وسواه.. لذا فهو حين يصل الى مرحلة الإنتاج ينتج بدقة وجمال وحساسية. ‏

الإنتاج الدرامي، بعد كشف الحجب عنه، هو إنتاج مؤثم، ولطرد الإثم عنه، يريد للمرأة الجلوس في البيت للعمل في التطريز أو يغازل قيم المجتمع بالوعظ، ولاتستغرب من ظهور كاتب ما في الإعلام ويصرح بأنه يعظ موعظة حسنة ضد الإيدز، كأنما أصبح الفن وسيلة إيضاح. ‏

ہ في جزء كبير منك أنت ناقد درامي. هل تمارس النقد كهواية؟ أم لتضيء جوانب لا تجد من يفش خلقك ويقولها؟ ‏

ہہ في الحقيقة أكتب النقد لهذين السببين، ولكن السبب الأكثر إلحاحاً هو أن الدراما بحاجة لمواكبة مجموعة من الفعاليات، من التسويق الى النقد. لكن عملية النقد تتم بلا ندية، لأننا نظل مبهورين، وكأن هذه الأعمال انجاز غير إنساني. ‏

والحقيقة أن النقد الدرامي السوري لم يدخل مفاصل العملية الإبداعية، وبقي يغطي الحدث، وهذا ما جعلني أسجل ملاحظاتي كمساهمة في هذا الجهد، لأنه، بالفعل، ينقصنا النقد. عندما يكون هناك نقد حقيقي، لا مجرد تغطيات إعلامية، أو دوافع شخصية في الكتابة، يعرف المنتج الإبداعي إلى أين يذهب. ‏

ہأنت كاتب مقال مواظب. ما الذي تمنحك إياه الصحافة وفي متناولك الغواية الكبرى: التلفزيون؟ ‏

ہہ كتابة السيناريو كتابة معمارية معقدة، في الصحافة كثير من الأريحية، إنها رد فعل ثقافي مباشر. ‏

ہ وماذا عن شراكتك مع الكاتب حسن سامي اليوسف؟ ‏

ہہ اكتشفت أن الدراما في العالم لا تكتب من قبل شخص واحد، فهذا الحس الديكتاتوري في الإبداع تنفيه الحداثة. حتى ماركيز لديه ورشة لكتابة السيناريو، وكذلك أسامة أنور عكاشة، إن واحدة من أساسيات كتابة السيناريو هي العمل الجماعي. حين اقترحت على الصديق حسن تعجب بداية، وبعد حورات طويلة استطعنا الوصول الى حلول للتعاون، وأولها التخلص من الديكتاتورية كما قلت: ‏

فن السيناريو هو إعادة صنع حياة، وأبسط أنواع الحياة يتجلى في الحب وهو يحتاج الى شخصين بالضرورة. ‏

رائد وحش

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...