المؤامرة القانونية على سورية
(المؤامرة القانونية على سورية) كتاب جديد للسفير السابق الدكتور عبد الله الأشعل, الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدولية, مساعد وزير الخارجية المصري سابقاً.
الطبعة الأولى للكتاب صدرت في القاهرة في مطلع هذا العام 2006 قبل الغوص في ثنايا هذا الكتاب الكبير من حيث قيمته السياسية والفكرية وراهنيته, يحضر إلى الذهن تساؤل حول عنوان الكتاب الذي يوحي للوهلة الأولى وكأن ثمة تناقضاً ما فيه, على الأقل من حيث الشكل إذ كيف يمكن أن يكون هناك مؤامرة قانونية في الوقت الذي يتعارض فيه مفهوم المؤامرة عموماً مع المبادىء والقوانين الدولية التي تقوم عليها الشرعية الدولية.بيد أن القارىء سرعان ما يجد الإجابة على هذا التساؤل ومن خلال الفصول الأولى للكتاب, ليصل إلى القناعة الراسخة بأن المؤامرة القانونية صبغت معظم الأحداث في السنوات الأخيرة للقرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين, أي بعد أن خضع العالم بهذا الشكل أو ذاك لمنطق القوة الاحادية الجانب التي تحكم الولايات المتحدة الاميركية, وتوضحت هذه التوجهات بتوظيف مجلس الأمن الدولي وقراراته لتنفيذ السياسة الاميركية المصاغة في أروقة الاستخبارات المركزية الاميركية, محولة مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى شرعية دولية جديدة, تتسم بالصبغة العدوانية الاميركية وكان هذا التوجه أكثر وضوحاً وخبثاً في موضوع الأحداث الدراماتيكية التي شهدها لبنان قبيل وبعد اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق, الذي وظف دمه لحبك المؤامرة على سورية بتوجيه الاتهام لها مباشرة بارتكاب هذه الجريمة النكراء, حتى قبل أن يوارى جثمان الحريري الثرى. وتنطح دور البطولة غير المقدسة في هذا الاتهام الفظيع المزيف رواد المال السياسي في لبنان والمقامرون السياسيون المرتبطون بخيوط متشعبة مع الأجهزة والمؤسسات الأجنبية بدءاً من واشنطن وباريس وصولاً إلى تل أبيب, بتسويق واضح من قبل وسائل الاعلام الموجه في لبنان وبعض البلدان العربية لهذه المؤامرة القانونية, من حيث الشكل على سورية العربية. وأول تجليات هذه المؤامرة كما يشير الكاتب ظهرت في قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الخاص بالوضع في لبنان وفي فترة المطالبة بتنفيذ هذا القرار, وقعت جريمة اغتيال رفيق الحريري, الذي كان قد استقال من رئاسة الوزراء بعد صدور هذا القرار بشهر تقريباً, وبعد أن وافق على التمديد للرئيس إميل لحود لولاية ثانية وتعديل الدستور اللبناني تبعاً لذلك, وهنا يكشف المؤلف الدكتور الأشعل عن أبعاد وجوهر هذه المؤامر في الفصول الأولى لكتابه الوثائقي القيم, يقول الكاتب: إن القضية كلها تعود إلى أزمة العلاقات الاميركية السورية, التي تضم ملفات العراق وفلسطين وحزب الله وموقف سورية من هذه الملفات ويشير الكاتب الى أنه عز على الولايات المتحدة أن تقف سورية بخطاب واضح بعكس الخطاب السياسي العربي الذي يعتمد التعميم ستاراً للغموض وعدم اليقين خوفاً وطمعاً في الولايات المتحدة, فعمدت واشنطن إلى استخدام مجلس الأمن ضمن حزمة الوسائل التي تضغط بها على سورية, فاستصدرت القرار .1559 والجديد في هذه المرحلة يقول الكاتب (هو انضمام فرنسا وتقديمها لمشروعات القرارات المتلاحقة, أعقب القرار 1559 ووسط الجدل حوله وخاصة الوجود العسكري السوري في لبنان, وما إذا كان الانسحاب يتم وفق هذا القرار أم وفق اتفاق الطائف).
في الفصلين الثاني والثالث يبين الدكتور الأشعل, كيف استخدم حادث الاغتيال بشكل منسق إلى اتهام سورية ووجودها في لبنان كسبب للاغتيال, كما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق, فصدر القرار 1595 القاضي بتشكيل اللجنة الدولية وتعيين القاضي الألماني ميليس رئيساً لها. والذي بدأ عمله في مناخ متوتر وعدائي لسورية, ووضع هدفاً له بجعل سورية متهماً ومطلوب اثبات هذا الاتهام بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية, وبذل ميليس جهوداً ضخمة لتحقيق غايته ولكنه عجز عن ذلك. ويؤكد المؤلف في فصل خاص, كيف اضيفت قضايا التضييق على حلفاء سورية بعد انسحابها من لبنان, وهم حزب الله والمنظمات الفلسطينية,وأضيف دم الحريري ليجعل التحقيق بمساره وطريقته سيفاً ضاغطاً على سورية بما لايدع مجالاً لالتقاط الأنفاس للنظر في العلاقات مع لبنان أو الالتفات إلى قضايا الشعب السوري. واستمرت التصريحات الاميركية لابقاء التوتر وتصعيد روح الانتقام من سورية, واستخدمت واشنطن في هذا النزاع السياسي, أدوات قانونية يحددها المؤلف بثلاث أدوات:
الأولى: العقوبات الاميركية بموجب قانون محاسبة سورية بتهم متعددة.
الأداة الثانية: استخدام مجلس الأمن والتوافق في المصالح مع أعضائه الدائمين.
بحيث تبدو قرارات المجلس معبرة عن إجماع سياسي على انتهاك أحكام ميثاق الأمم المتحدة. ولم يتردد الساسة في اعتبار هذه القرارات تعبيراً عن الشرعية الدولية, وكأن قرارات المجلس الأخرى التي وجه فيها إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق في مذابح إسرائيل في جنين وإنشاء دولة فلسطينية,تمثل الشرعية الدولية اللينة,وكأن الدول الكبرى هي التي تحدد درجة الليونة والصلابة في قرارات المجلس. أما الأداة الثالثة فهي تدبير أو استغلال مقتل الحريري في تحقيق عدد من الأهداف من خلال لجنة التحقيق الدولية التي لا يوجد لها مثيل في تاريخ التحقيق الدولي مستندة الى قرارات مجلس الأمن,وأهم هذه الأهداف التي تحدث عنها الكاتب باسهاب هو إشعار سورية بالثمن الذي تدفعه بسبب مواقفها,والثاني,استمرار النزيف في العلاقات السورية اللبنانية والثالث,احراج واضعاف القوى ذات التوجهات القومية الحليفة للحق والمصلحة العربية العليا,بما يؤدي في النهاية الى خدمة الأهداف الإسرائيلية مع سورية ولبنان.
ويشرح المؤلف التفصيل في الفصول التالية: موقف مختلف الدول بما فيها الدول العربية من القرار 1559 و1595 وغيره من القرارات المجحفة بحق سورية,هذه القرارات التي ما زالت تثير تساؤلات كثيرة حول المستقبل.
وأوضح الكاتب , أن هذه القرارات,لاسيما القرار 1559 كانت المقدمة في الحملة الأميركية الإسرائيلية ضد سورية,وما زالت هذه الحملة مستمرة حتى الآن بأشكال وأساليب مختلفة أهمها أن الولايات المتحدة تواجه سورية بسلاح جديد هو الشرعية الدولية.علماً بأن قرارات مجلس الأمن هذه جرت محاولات لأن تكون مستوفية الشروط الشكلية لاصدارها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة,ولكنها في الجوهر تتناقض تناقضاً كاملاً مع الأحكام الموضوعية للميثاق. إذ بدأ مجلس الأمن المتحكم به أمريكياً يؤسس لشرعية دولية جديدة تعتمد على قرارت صدرت في مناخ يجعل المجلس في مرتبة تسمو على الدول,فتأتمر الدول بأمر المجلس,وهذه الظاهرة وجدت في العالم العربي نموذجها المثالي في التطبيق.
ويحدد الكاتب في بعض فصول الكتاب,أبعاد القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في قضية اغتيال الحريري 95,1644,1636,15 والتي تبدأ بتنفيذ القرار ,1595تحقيقاً لأهداف إسرائيل في فك الارتباط بين سورية ولبنان لنسف الورقة السورية اللبنانية .
وإضعاف النظام السياسي في سورية وخاصة بعد الغزو الأميركي للعراق أملاً في اخضاع سورية للإملاءات الإسرائىلية والقضاء على حزب الله عن طريق نزع سلاحه ونزع السلاح الفلسطيني استجابة لرغبة إسرائىل من الحزب الذي أرغمها على الانسحاب من الجنوب اللبناني دون أي مقابل سياسي,هذا الحزب الذي يشكل خطراً عظيماً على إسرائىل,ولكن هذه الاعتبارات وغيرها أصبحت سورية-كما يقول المؤلف-في عين العاصفة وأصبح استهدافها له ما يبرره من وجهة النظر الإسرائيلية والأميركية. ويشير المؤلف الى أن اغتيال الحريري كان مدبراً لتنفيذ مجمل هذه الأهداف الأميركية الإسرائيلية.
ويتحدث الكاتب في الفصول التالية, بالتفصيل عن لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري, والنشاط الأميركي في لبنان عبر مرتكزات محددة ومعروفة,وهذا النشاط مخالف من وجهة النظر القانونية الدولية لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة,وحتى القرارات الصادرة مخالفة هذا الميثاق.
وفي القسم الأخير,قسم الوثائق,والذي يحتوي على جميع الوثائق الصادرة خلال مراحل تاريخية مختلفة والمتعلقة بالعلاقات السورية اللبنانية.والتي توضح أبعاد المؤامرة القانونية على سورية.
لا شك أن الكاتب الدكتور الأشعل استطاع بجهده العلمي المتميز انجاز عمل سياسي وثائقي يحمل قيمة متفردة نظراً لاعتماده على التحليل القانوني الصارم للأحداث المأساوية في لبنان لتكون جزءاً من الحقيقة في تاريخ النضال العربي ضد مخططات الاستهداف الأجنبية. وليكون هذا المؤلف,عوناً للقراء والمهتمين في التعرف على الحقيقة وسط هذا التراكم الهائل من التضليل وتزوير الحقائق التي مارستها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأعوانها في لبنان والمنطقة عموماً. خدمة لمخططاتها الاستعمارية,وكل ما جرى من أحداث في لبنان ليس إلا محاولة لنسف الصمود والممانعة السورية للمشروع الأميركي الصهيوني (الشرق الأوسط الكبير) وجر لبنان ومن ثم سورية وقبلهما العراق الى حبائل وشباك هذا المشروع الخطير الذي لم تتمكن الولايات المتحدة حتى الآن من دفع دول المنطقة لولوجه!..
د. ابراهيم زعير
المصدر : الثورة
إضافة تعليق جديد