أردوغان يشكر المعارضة: هذه خريطة ما بعد الانقلاب
في مبادرة نادرة لرصّ الصفوف، بحث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ظهر أمس في القصر الرئاسي في أنقرة، محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف تموز الحالي، مع زعيمَي المعارضة بحضور رئيس الحكومة بن علي يلديريم.
وحضر من زعماء المعارضة رئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو، الذي كان أقسم على ألا يدخُل القصر الرئاسي، ورئيس «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي.
وأكد اردوغان لزعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان، على العزيمة في مواصلة «مكافحة منظمتَي فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني» والتهديدات الأمنية الأخرى.
وبحث خلال اللقاء الذي استمرّ حوالي ثلاث ساعات «تطبيق قانون حالة الطوارئ، والتدابير الأمنية، والعمل على إعداد دستور جديد، والسياسات الاقتصادية للبلاد»، مشدداً على ضرورة «اتخاذ التدابير الضرورية لعدم تكرار محاولة الانقلاب الفاشلة».
من جهته، اعتبر «وزير خارجية» حزب «العمال» الكردستاني رضا ألتون أنّ الحزبَين المعارضين اللذين عقدا اللقاء مع أردوغان «لم يستطيعا أن يشكلا معارضة حقيقية لحزب العدالة والتنمية»، مشيراً إلى أنّ «مَن شكّل هذه المعارضة الحقيقية هو حزب الشعوب الديموقراطي بالذهنية التي مثلها على أرض الواقع وشملت كل المكونات من يسار وعلويين وإثنيات وشيوعيين ومسيحيين وكل الآخرين».
ولم يتلقَ زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين ديميرطاش الذي دائماً ما يصفه الرئيس اردوغان بأنه «إرهابي»، بسبب صلاته المفترضة بـ «حزب العمال الكردستاني»، دعوة إلى الاجتماع.
ولا يدعم ألتون الانقلاب كما لا يدعم حكم اردوغان، و«لو افترضنا ان محاولة الانقلاب نجحت لم يكن ليظهر بعدها سلطة ديموقراطية بل سلطة معادية للأكراد» يقول .
وأشار إلى أنّ «الانقلاب الفعلي اليوم هو الانقلاب الذي يقوم به اردوغان». وأضاف: «لا أحد أفضل من أحد، لا اردوغان ولا الجيش».
ولا يرى «وزير خارجية» حزب «العمال» أن اردوغان سيعيد النظر بسياساته السابقة بعد الانقلاب «بل سيواصلها»، مشيراً إلى أنّه «وصل إلى مفترق، إماّ أن يبقى في الحكم ويقتل كل من يخالفه أو يُقتل».
إقالة سفراء؟
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مقابلة مع محطة «خبر ترك» الخاصة أن أنقرة ستُقيل عدداً من السفراء في ما يتعلّق بمحاولة الانقلاب، من دون أن يكشف أسماءهم.
وجدّد جاويش أوغلو قوله إن العلاقات التركية - الأميركية سوف تتأثر إذا لم تُسلِّم واشنطن غولن لأنقرة.
من جهته، توعّد يلديريم، في مقابلة مع «بلومبرغ» الأميركية، بمحاسبة من تسبّبوا في محاولة الانقلاب، مستدركاً أن أنقرة «لن تنجرّ وراء مشاعر الانتقام، وإنما ستسير بموجب العدالة، لأن تركيا دولة قانون».
وسيتمّ تشييد محكمة جديدة في منطقة سنجان في أنقرة لمحاكمة الضُبّاط المُتّهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي تحمل الكثير من المعاني الرمزية حيث كان الجيش قد استعرض فيها قوّته قبل انقلاب أطاح أول حكومة يقودها الإسلاميون في العام 1997.
وقال وزير العدل التركي بكير بوزداغ، في حديث لشبكة «سي ان ان تورك» الإخبارية: «سيكون (مبنى المحكمة) ضمن حدود منطقة سنجان. يجب أن نبني مكاناً يُتيح إجراء محاكمة سليمة».
وأوضحت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة أن اختيار المكان لم يكن صدفة. وقالت: «اختيرت سنجان من دون غيرها لمحاكمة الانقلابيين»، مشيرة إلى أن مبنى المحكمة الجديد سيكون في سجن في سنجان وسيتّسع لنحو 900 شخص.
«التطهير» مستمر
وتواصلت حملة «التطهير» التي شنّتها السلطات التركية عقب الانقلاب لتشمل القطاع الإعلامي والخطوط الجوية التركية.
وأصدر القضاء التركي مذكرات توقيف بحقّ 42 صحافياً بينهم نازلي ايليجاك، أبرز الوجوه الإعلامية في تركيا، بعد ساعات على توقيف 40 عسكرياً في الأكاديمية العسكرية في اسطنبول رهن التحقيق.
وكان اردوغان حذّر في مقابلة مع تلفزيون «فرانس 24» السبت، وسائل الإعلام، قائلاً إن «وسائل الإعلام التي دعمت الانقلاب أكانت مرئية أو غير مرئية، ستدفع الثمن».
ومن بين الصحافيين الـ 42، تمّ اعتقال ستة، فيما غادر 11 منهم البلاد، وفقاً لوكالة «دوغان». وتبحث الشرطة في منتجع بودروم البحري (غرب) عن ايليجاك التي طُردت من صحيفة «صباح» المؤيدة للحكومة في العام 2013، بعد انتقادها وزراء مُتورّطين في فضيحة فساد بين الصحافيين الذين تشملهم مذكرات التوقيف.
وكانت الهيئة الناظمة لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة سحبت، في التاسع عشر من تموز الحالي، رخص عمل العديد من قنوات التلفزيون والإذاعات التي يُشتبه في دعمها لغولن.
بدورها، أعلنت شركة الخطوط الجوية التركية، أمس، تسريح 211 موظفاً، مشيرة إلى ارتباطهم بغولن.
وقالت الشركة، في بيان، إنها اتّخذت هذا القرار «في إطار إجراءات ضرورية» ضدّ شبكة غولن وضدّ «تصرّفات تتعارض مع مصلحة بلادنا وشركتنا»، مؤكدة أنها «ستمضي قدماً في تحمّل مسؤولياتها بالمساهمة في إرساء الديموقراطية».
وهبط سهم الخطوط الجوية التركية 2.83 في المئة إلى 5.08 ليرة، أمس، متماشياً مع تراجع المؤشر الرئيسي للأسهم التركية، بينما سجّل سهم «ترك تليكوم» أداء أفضل ليصعد 3.59 في المئة إلى 6.06 ليرة.
كما أوقفت السلطات على ذمة التحقيق، ثلاثة أشخاص يُشتبه في أنهم كانوا ضمن المجموعة التي هاجمت الفندق الذي كان اردوغان ينزل فيه في مرمريس ليلة محاولة الانقلاب.
كما أُوقف 31 استاذاً جامعياً على ذمة التحقيق، بعد عمليات دهم للأوساط التي يسود الاعتقاد أنها مؤيدة لغولن في اسطنبول.
أنقرة غير مؤهلة للاتحاد
وأثارت حملة الاعتقالات والإقالات، التي شملت حوالي 60 ألف شخص، مخاوف بين المُنظّمات المُدافعة عن حقوق الإنسان ودول غربية تخشى أن يكون اردوغان يستغلّ محاولة الانقلاب لتشديد قبضته على السلطة.
وشكّك رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، أمس، في أهلية أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبي.
وقال يونكر، للقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي، إن تركيا «ليست في موقع يُؤهّلها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب، وليس على المدى البعيد».
وأضاف أنه إذا أعادت تركيا العمل بعقوبة الإعدام، وهو ما قالت الحكومة أنه يتعيّن عليها بحثه استجابة لمطالب مؤيديها في التظاهرات العامّة رفضاً لمحاولة الانقلاب، فإن ذلك سيُوقف إجراءات الانضمام للاتحاد الأوروبي على الفور.
وأضاف: «لا مكان في الاتحاد الأوروبي لدولة يتضمّن نظامها القضائي تطبيق عقوبة الإعدام».
وردّ جاويش أوغلو على يونكر، قائلاً إنه لا يُمكن لأوروبا «التحدّث مع تركيا بلهجة تنطوي على تهديد، ولن نرضخ لهذه التهديدات، فيونكر ليس مديرَ تركيا».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد