الشاي الذي يفوق سعره الذهب
تنتج أشجار «دا هونغ باو» الصينية القديمة أغلى أنواع الشاي في العالم، والذي يساوي وزنه ثلاثين مرة ذهباً، وهو ثمن مذهل، حتى لدى ثقافةٍ تعتبر شرب الشاي فناً، ولديها نظام تصنيف لأنواعه يجعل تصنيف أنواع الخمور الفرنسية أكثر سهولة.
لا يساوي «دا هونغ باو» الأصلي فقط وزنه ذهباً، ولكن يساوي قيمة وزنه ثلاثين مرة ذهباً، أي ما يقرب من 1400 دولار للغرام الواحد.
تقول جياو هوي، من بلدة وويشان التي يغلفها الضباب في فوجيان جنوب الصين، «إنه يبدو مناسباً لمُتَسول، لكن ثمنه يناسب إمبراطوراً قلبه كقلب بوذا».
تمتلك جياو هوي مزارع شاي. ولا تزال تعمل في إنتاجه منذ عشرات السنين، وتذهب إلى الجبال في الربيع للتوسل إلى إلهه، «لو يو»، لينعم عليها بأوراق جديدة.
وبإمكانك أن تكتشف أن بعض أنواع شاي «دا هونغ باو» سعرها مقبول. مع ذلك، فإن الأنواع البالغة القدم يمكن أن تباع بأسعار خيالية، أما النوعية العادية فتكلف حوالي مئة دولار للكيلوغرام.
ويستدل على الأصلي من «دا هونغ باو» بجزء مقطوع من أشجاره الأصلية. «شاي دا هونغ باو ثمين جداً، لأن المتبقي من أشجاره الأصلية لا يذكر»، يشرح كسياننغ وو، أحد منتجي الشاي المحليين، مؤكداً ان «الأنواع القديمة لا تقدر بثمن».
في الحقيقة، إن الأمر محصور بوكلاء يجوبون حقول الشاي التابعة لكبار الأثرياء، ويربطون بين من يرغب في الشراء ومن يحتاج للبيع.
بيد أنه ليس الصينيون وحدهم من يقدر قيمة «دا هونغ باو»، ويعني «العباءة الحمراء الكبيرة». ففي 1849، جاء عالم النبات البريطاني روبرت فورتشن إلى وويشان في مهمة سرية، كجزء من التجسس الزراعي الصناعي الذي طردت بسببه شركة الهند الشرقية الاستعمارية من الصين.
كان البريطانيون وقتها مغرمون بالشاي، وكانت الصين التي جلب منها البريطانيون أيضاً الحرير والخزف، هي المكان الذي جاؤوا منه بالشاي.
لكن ذلك كان يكلف بريطانيا أموالاً لم يكن بالإمكان التخلص من دفعها إلا باتباع الطريقة التي استخدمتها شركة الهند الشرقية، والتي تمثلت في سرقة البذور(أو الأشتال) وزراعتها في مكان آخر.
لكن بريطانيا لم تستطع أن تفعل ذلك. فبذور الشاي التي حصل عليها الجواسيس السابقون من غوانغدونغ لم تنبت، ونباتات الشاي الأصلية في الهند، والتي تختلف نباتاتها عن الشاي الصيني، لم يكن مذاقها طيباً.
كان هدف فورتشن تتبع شاي «دا هونغ باو»، ومعرفة كيفية زراعته. وكان التخفي بالنسبة إليه أمراً أساسياً، ولذلك حلق شعره، وألصق على رأسه خصلة من الشعر، ويمم وجهه شطر وويشان بحثاً عن «دا هونغ باو».
أقام فورتشن في معبد «تيانجين يونغل» أسفل أشجار «دا هونغ باو». وفي غمرة نقاشات عما إذا كانت الأوراق التي تجمعها القرود أو العذارى هي من يصنع الشاي الأفضل، حصل على البذور والأشتال، وعلى أسرار استنباتها وزراعتها.
تبدو أشجار معبد «تيانجين يونغل» اليوم منهكة. وتتباين التقديرات بشأن عمرها، لكن بحسب فورتشن يبلغ عمرها 350 عاماً.
يبدو أنها لن تنتج فعلاً. في أوائل أيار، سيفرش السجاد الأحمر لمحاكاة هدية الإمبراطور. نساء جميلات سينزلن من على الدرج المعشوشب للقيام ببعض الطقوس.
ولكن لن يكون هناك حصاد. هذه الأشجار القديمة، والتي تم حصادها لآخر مرة عام 2005، لن تنتج الشاي مرة أخرى..هذا يعني أن الغرامات القليلة المتناثرة والتي يخزنها من يحتفظون بها بعناية شديدة، ويجففونها كل عام لإنضاج مذاقها، ستصبح أغلى مما كانت عليه في السابق. ربما ستصبح كالألماس مع مرور الوقت.
(«عن بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد