العرب وخريطة البحوث والتطوير
أشار التقرير الأخير لـ«منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (يونسكو) عن العلوم لعام 2010، إلى ان البلدان المتقدمة كانت تستحوذ على نحو 95 في المئة من نشاطات البحث والتطوير عام 1990، وكانت سبع دول فقط من مجمل أعضاء «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تقوم بأكثر من 92 في المئة من هذه النشاطات على المستوى العالمي.
لكن هيمنة البلدان المتقدمة في هذا المجال تقلصت إلى نحو 83 في المئة عام 2002 وإلى 76 في المئة عام 2007. وازدادت في المقابل حصة الصين من خمسة في المئة عام 2002 إلى 8.9 في المئة عام 2007، وكذلك حصص كل من الهند والبرازيل والأرجنتين. أما حصة العرب من الإنفاق الإجمالي العالمي على البحث والتطوير فانخفضت من 0.5 إلى 0.4 في المئة، في وقت ازدادت فيه حصة العرب من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 3.4 في المئة إلى 3.6 في المئة بين عامي 2002 و2007.
وتُعزى ضآلة حصة العرب من الإنفاق الإجمالي العالمي على البحث والتطوير في العالم إلى الحصة المتدنية من الناتج المحلي الإجمالي العربي التي تخصصها البلدان العربية للإنفاق المحلي على البحث والتطوير، إذ بلغت 0.2 في المئة، مقارنة بـ 1.7 في المئة على مستوى العالم، و2.5 في المئة على مستوى البلدان المتقدمة. وتتفاوت هذه الحصة الضئيلة للبلدان العربية مجتمعة في ما بينها، بطبيعة الحال، لتتراوح ما بين 0.1 وواحد في المئة. ويُؤمل ان يتغير هذا الوضع، خصوصاً في ضوء الاهتمام بالتنمية المستدامة المرتكزة على المعرفة. ومن الناحية التنظيمية، يملك العديد من البلدان العربية سياسات قطاعية للزراعة والمياه والطاقة وغير ذلك. ويلاحظ التقرير أنه عندما توجد الإستراتيجيات الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا، يغيب عنها مفهوم الابتكار بسبب ضعف الروابط بين نشاطات البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص.
وتَنَبَّهَ إلى هذه المسألة عدد من البلدان العربية، مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين وغيرها، وبدأت المعالجة عن طريق إنشاء مجمعات للعلوم. وهناك جهد منذ عام 2003 لوضع إستراتيجيات وسياسات خاصة بالعلوم والتكنولوجيا وتنفيذها في البلدان العربية. ففي قطر مثلاً، هناك خطة خمسية لزيادة نسبة الإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير من 0.33 في المئة عام 2006 إلى 2.8 في المئة عام 2011.
من المشجع ان اجتماع القمة العربية في الكويت في آذار (مارس) تبنَّى قراراً كَلَّف بموجبه الأمانة العامة للجامعة العربية بتطوير إستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا للبلدان العربية كلها بالتنسيق مع الهيئات المتخصصة العربية والدولية، على ان تُطرح خلال مؤتمر القمة العربية عام 2011 لاعتمادها رسمياً.
ويُؤمل في ان تتناول الإستراتيجية المرتقبة مسألة تيسير تنقل العلماء العرب في المنطقة العربية وتعزيز التعاون البحثي بين العلماء العرب في الاغتراب، إضافة إلى إنشاء صندوق للبحث والتطوير له من الموارد ما يكفي لجذب أفضل العلماء من عرب وغير العرب للمشاركة في نهضة علمية في المنطقة العربية تعيد إليها ولو قليلاً من أمجاد علمية عاشتها في ما مضى.
ومن المؤشرات الإيجابية أيضاً ان الاهتمام بالبحث والتطوير أخذ يُترجم بإنشاء صناديق ومؤسسات ترعى البحث والعلماء والابتكار، مثل «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» في دبي، التي أُنشئت عام 2007 و «الصندوق الأوروبي - المصري للابتكار» الذي بدأ يعمل عام 2008، و «صندوق الشرق الأوسط للعلوم» في الأردن منذ عام 2009.
تتجسد نتائج البحث والتطوير في نهاية المطاف في الابتكارات التي تفيد البلد أو المؤسسة التي تنتج تلك الابتكارات وبالتالي تعود بالخير الكثير على رجال الأعمال، فإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فالدعوة موجهة إلى رجال الأعمال العرب، مجتمعين أو فرادى، لتخصيص نسبة مهما كانت ضئيلة من نتائج أعمالهم لإنشاء صناديق لتمويل البحوث والتطوير في مجالات أعمالهم أو مجالات أخرى تنهض بالتنمية العربية المستدامة وتساهم فيها.
علي توفيق الصادق
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد