" النا " الدالة على وحدة بلاد السوريين: ملك أمورو يقول لملك أوغاريت: (ألسنا بلد واحد)
الجمل ـ محمد الحصني : رسالة بين ملك أمورو وملك أوغاريت، أرسلها ممثل أوغاريت في بلاد أمورو (رب كين) لسيده ملك بلاد أوغاريت يعلمه أن ملك أمورو طلب منه كتابة هذه الرسالة ليستفسر عن سبب احتجاز الحجارة المنوي نقلها من بلاد أوغاريت إلى أمورو، ويقول في الرسالة:
(إلى ملك بلاد أوغاريت، سيدي، قل
هكذا يقول خادمك رب كين
مرتين وسبع مرات عند قدمي
سيدي أسجد.
يا سيدي! الآن ملك بلاد
أمورو سيدي،
جلبني حقا، وقال لي أرسل
إلى طرف ملك بلاد أوغاريت
ما يلي:
حقا لماذا تحتجز حجارة الياقوت؟ ولا تسلمها ليد
أدو ماشير حقا؟ هل نقلها رجالك حقا؟
أليس خدمي وسفني هم الذين سيسلمونها؟
الآن ، أيها الملك سيدي،
ليت أدو ماشير يأخذ حجارة الياقوت؟ وليقم بإرسالها
وليبنوا بيوت الملك أخيك .
الآن لقد بقيت البيوت دون حجر ياقوت
أيها الملك سيدي ، فيما يخص هذه الحجارة
لا تخجل مما حدث
اترك الحجارة ترسل إلى أدو ماشير
وإلا فإن كل الحجارة التي تخرج من بلاد أمورو أنا أحتجزها
ألسنا نحن بلدا واحدا ؟
مملكة أمورو من الممالك السورية زمن الصراع بين الدولة الحثية شمالا (آسيا الصغرى وجزء من سورية الشمالية المحتلة من تركيا حاليا) والدولة المصرية في الجنوب، تمتد دولة أمورو بين البحر المتوسط غربا، وسيانو (قرب جبلة) شمالا، وجُبٌلا (جبيل) في الجنوب الغربي، وقادش (قرب القصير) جنوبا، اما في الشرق فحدودها غير واضحة تماما، وهي تمتد إلى منطقة ما غربي وادي العاصي، وربما إلى منطقة مصياف.
التوافق بين اسم الدولة (امورو) وكلمة الأموري (سكان الغرب) وهي تسمية أطلقها الرافديون على شعوب سورية التي تدفقت بهجراتها إلى الرافدين ولا سيما من منطقة الفرات الأوسط، توافق يعكس حقيقة الأصل الأموري لسكان هذه المملكة.
كان صراع النفوذ الحثي والمصري على سورية شديدا في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وكانت الممالك تتقلب في الولاء بين طرفي النزاع، مملكة أمورو وملوكها (عبدي أشرت\ عزيرو \آري تيشوب\دوبي تيشوب\ بن تشينا \شابيلي\ شاوش جاموا) كانت بدايةً تخضع للنفوذ المصري ولكن الملك عزيرو= (المساعد أو المعين) (1345 -1314 ق م) استعاد معظم مناطق عرش أبيه المتوفي من يد حلفاء الدولة المصرية وولاتها، وليعلن خضوعه لها بدايةً ثم ينقلب عليها ويحالف الحثيين بمعاهدة ربطت وجوده بوجودهم. ومنذ أيام عزيرو بدأ التحالف يتجدد بين أبناءه وأحفاده والحثيين. خطورة دولة امورو أنها كانت الأقوى عسكريا بين الممالك السورية ذلك الوقت أثناء الصراع الحثي المصري.
تطالعنا رسائل تلك المرحلة الموجهة من الملوك السوريين إلى ملوك المصريين او الحثيين بصياغات الهيبة والتبعية لتلك القوى العظمى، ولكن ما يلفت النظر في الرسالة السابقة، وغيرها الكثير المتبادل بين المملكتين، صياغات التودد والمحبة والعتب المحب، وجملة (ألسنا بلدا واحدا)، وربما على كاتبها أن يتمم القول (في بلدين)، توضح الفارق الشديد في تعاملهم بين بعضهم عما تعاملوا به مع القوى خارج حدود سورية الطبيعية، مثلا جملة (ليت الأوضاع في طرفك تكن سليمة) لن تجدها بين ملك سوري وملك أحدى القوى العظمى، فقط بين الملوك السوريين أنفسهم.
((ألسنا نحن بلد واحد)) في صراع القوى شمال وجنوب سورية حقيقة تصلنا منذ ما يزيد عن 3000عام منذ الآن، هل تصل إلى نفوسنا فتزيل من عقولنا حدود سايكس بيكو وهذا الدمار يطول الهلال الخصيب كاملا؟
((ألسنا نحن بلد واحد)) هذه "النا" الدالة على الفاعلين التي قيلت منذ 3000 عام مضت في ظل تطاحن القوى العظمى ذلك الوقت على بلادنا، ألا يجب أن تشمل جميع من يحيا على هذه الأرض السورية؟
إن العقل والوجدان الذي ينادي الجيوش التي احتلتنا سابقا (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) لتدخل وتحتل، ولا يتورع عن تدمير كل ما يمت بصلة إلي قوة وحياة هذه "النا" الدالة على هوية المجتمع وحقيقته، ويشهر أسلحة القتل والكراهية بين مكوناتها، يقدم لنفسه هوية مهزومة وملتبسة وخائنة تنفصل عن "النا" الدالة على فاعلية المجتمع التاريخية في مصير الوطن منذ أقدم العصور حتى الآن، هذه "النا" تعني أن وطننا الضارب أصله في جذور أصالة الحياة ليس مرهونا بأي قبح يأتي من خارجه أو إرادة جزئية في داخله تحمل خرابها الذاتي إلى الكل المعافى، لسنا في هذا الوطن بحياتنا القصيرة إلا نقطة في ديمومة بقائه قويا منتصرا.
تستمر أحداث الأزمة السورية بفرز الهوية الجزئية المريضة بنفسها من المجتمع، والتي في صلب هويتها مفاهيم وسلوك لتدمير حقيقة وروعة وعراقة هذا "النا" الكلية، وحيثما فشل القلم والعقل في الإقناع بزيف هذه "النا" الجزئية الصغيرة عبر عقود من نشاطها الظاهر في هويات ثقافية مبتسرة (الطائفية والأسرية والقبلية)، يجسد الجيش السوري الدواء الحقيقي لكبح جماح "النا" المنفصلة عن حقيقتها والتي تكرس جزئيتها المميتة في وطننا ومجتمعنا الواحد.
إضافة تعليق جديد