حسين فهمي يطالب بعودة الأنظمة الملكية والجمهوريون يهاجمونه
أثار عرض مسلسل "الملك فاروق" الكثير من اللغط حول صلاحية الأنظمة السياسية العربية مؤخرا، ليجعل من النظامين الملكي والجمهوري بيئةً خصبةً للجدل والنقاش.
وكانت تصريحات الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة؛ الذي انتقد النظام الملكي البائد وطالب بتطبيق نظام المَلَكية الدستورية، أبرز ما شهدته الساحة الإعلامية، إلى جانب تغنّي مواطنه الفنان حسين فهمي بالنظام الملكي؛ الذي سقط قبل نحو 55 عاما، وإشادته بالإنجازات التي حققها.
فمن ناحيته شن الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة هجوما جديدا على النظام الملكي البائد في مصر، واصفا إياه بـ"النظام الاستبدادي الفاسد الذي سيّرته أسرة ألبانية" أنهكت قوى الشعب بالفقر والجوع وسلب الحريات أثناء فترة حكمها، قبل أن تُسقطها ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو/تموز عام 1952.
وأخذ عكاشة بشدة على النظام السياسي الذي قادته أسرة محمد علي باشا نحو 150 عاما، عدم اتباعه المَلَكية الدستورية القائمة على اعتبار الملك رمزا لا يُسمح له بالتدخل في الحكم، في الوقت الذي يدير الحزب الفائز في الانتخابات شؤون البلاد، كما هو متبع في بريطانيا.
ويرى الكاتب المصري أن الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد إبان الحكم الملكي لم تعطِ أعضاء حزب الوفد الحرية الكافية، "لأن دستور 1923 منح الملك صلاحياتٍ مطلقة في تعيين الوزراء وتغييرهم وإسقاط الحكومة، بل وحل البرلمان"، الأمر الذي يمنعه نظام الملكية الدستورية.
وأشاد عكاشة، بتمسك قادة حزب الوفد بـ"علمانية الدولة"، ورفضهم تتويج الملك فاروق في الأزهر، "سيما بعد إظهاره رغبةً جامحةً في إعادة الخلافة الإسلامية، وتسمية نفسه بـ(الملك الصالح)"، مرجعا الفضل في ذلك لسعد زغلول ومصطفى النحاس.
ورغم اعترافه بتميز النظام الاقتصادي في عهد الملكية وانتعاش الجنيه المصري، دافع عكاشة عن سياسة "الاقتصاد المخطط" التي اتبعها جمال عبد الناصر، والتي "حمت مصر من المجاعة في ثلاثة حروب خاضتها"، فيما عزا الإنجازات التي تحققت خلال العهد الملكي لـ"المدنية والليبرالية العصرية"، لا للملك فاروق الذي وصفه بـ"المقامر من الطراز الأول" وأسرته الحاكمة.
من جانب آخر، انتقد المؤلف المصري سياسة الحكم النخبوي القائم على تقلّد نخبة المجتمع للسلطة وفق مقاييس معينة يصادق عليها الملك "لتنافيها مع أبسط أسس الديموقراطية"، مؤكدا على إيمانه التام بسلطة الشعب وأحقيته في اختيار من يحكمه.
أما عن الأنظمة الحاكمة في الخليج، فيرى عكاشة أن سر نجاحها يكمن في كونها "أنظمةً قبليةً مبنيةً على أعراف متوارثة، إلى جانب تمتع حكامها بثقافة سياسية عالية، وخلوها من المشاكل الاجتماعية والظلم البيّن الذي يثير عادةً الخلاف بين الحاكم والمحكوم"، مشيرا إلى دور الإمكانيات المادية المتميزة لدى مختلف حكومات الخليج في تحقيق استقرارٍ سياسيٍ واضحٍ في المنطقة.
من جانبه أشاد الممثل المصري حسين فهمي بالنظام الملكي البائد، مؤكدا أن بلاده كانت ستنعم بحالٍ أفضل لو قدّر للملكية أن تستمر في سدة الحكم، "بدليل قيادة الأنظمة الملكية في الخليج مجتمعاتها لنهضة اقتصادية"، واصفا الثورة البيضاء بـ"الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملك فاروق بقوة السلاح".
ومن المشهور عن فهمي انتماؤه للطبقة الارستقراطية المصرية؛ حيث شغل عددٌ من أقربائه مناصب رفيعةً في الدولة، وربطت علاقات وطيدة أفراد عائلته بالأسرة الحاكمة.
ورغم اعترافه بالتأثر بالحياة الارستقراطية التي عاشها في عهد الملكية والحنين لها، يرى فهمي أن مختلف فئات الشعب "عاشت حالا أفضل إبان الحكم الملكي مما تعيشه الآن"، مشيدا بالنهضة الاقتصادية التي عرفتها البلاد "والتي مكنت الجنيه المصري في ذلك الوقت من التفوق على مختلف العملات العربية، لدرجة أنه كان يضاهي الجنيه الإسترليني".
وفيما يتعلق بتوزيع الثروة على الشعب، يرى فهمي أن ثورة 23 يوليو لم تغير من الحال الاقتصادية للمواطن، "بدليل عدم توزيع موارد البلاد بالتساوي حتى الآن"، مرجعا ذلك لطبيعة الحياة التي "لا بدّ أن يتفاضل فيها البشر على بعضهم بين غني وفقير، حتى في أكثر دول العالم تقدما وتطورا وعدلا ومساواة".
وعلى عكس عكاشة، يرى حسين فهمي أن الحركة السياسية التي شهدتها مصر خلال العهد الملكي عاشت فترة من الازدهار والديمقراطية، "في ظل وجود برلمان وأحزاب سياسية متعددة، مارست نشاطاتها تحت سقف حريةٍ أتاحت لها مهاجمة الملك والوقوف ضده في البرلمان".
أما فيما يتعلق بالحالة الاجتماعية، فيرى فهمي أن النظام الجمهوري لم ينجح في القضاء على الطبقية في مصر، مضيفا أن "كل ما في الأمر أنه حول الطبقية من شكل إلى آخر، وسلب السلطة من يد الأرستقراطيين ليضعها في يد طبقةٍ أخرى".
واختتم الممثل المصري حديثه بانتقاد طريقة تعامل المؤرخين المصريين مع سيرة الملك فاروق، والتي عزاها لـ"كتابة المنتصر للتاريخ"، مؤكدا أن ما كتب لن يؤثر على الحقيقة؛ "لأن التاريخ الحقيقي سيعيد كتابة نفسه لاحقا".
في الوقت نفسه، أشاد فهمي بمصداقية طرح مسلسل "الملك فاروق" الذي يعرض على شاشة mbc في شهر رمضان المبارك لسيرة آخر ملوك مصر، واصفا العمل بالـ"موضوعي الذي يتناول التاريخ بحياديةٍ لم يسبق لها مثيل".
- ولعل من الطريف أن الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، والذي يعتبر من أبرز الكتاب الذين ارتبط اسمهم بنظام جمال عبد الناصر وفكره، وبالهجوم كذلك على نظام الملك فاروق والحكم الملكي لمصر، كان قد كتب مقالا أثناء حكم الملك فاروق نشر في العدد 830 من مجلة روزاليوسف الصادرة يوم الخميس 11-5-1944، يدافع فيه عن الملك فاروق ويمتدح نظام حكمه حيث قال فيه ما نصه:
"في يوم عيدك يا مولاي"
هذه هي الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاي على عرش مصر.. ثمان سنوات وأنت تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب، كنت فيها نعم الملك الدستوري في ظروف لعلها أدق ما مر بها في تاريخ حياتها، أوليس الفاروق هو الذي قال ذات مرة:
ـ إنني أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة..
ثمان سنوات وأنت تعمل لهذا الشعب وتخلص له وهو يعمل معك ويخلص لك، وستظلان معا إلى الأبد. وهذه مصر كلها تحتفل بعيد ملكك.. مصر من أقصاها إلى أقصاها، أفرادا وجماعات، أحزابا وهيئات، ولم تجد مصر ما تحيي به هذا العيد سوى الهتاف باسمك والدعاء لك..
في نادي سعد زغلول طلب الحاضرون إلى ماهر باشا أن يقول لهم شيئا، فقال: إن أحسن ما أقوله ليعبر عن كل ما نحس به هو أن أهتف من القلب:
ـ يعيش جلالة الملك..
وردد الجميع هتافه..
وفي احتفال الأحرار قام الأعضاء وراء هيكل باشا يهتفون باسمك ويدعون الله أن يسدد خطاك. وفي احتفال الكتلة كان الهتاف لجلالتك يشق عنان السماء بين كل دقيقة وأخرى.
لقد علمت مصر كيف تحبك من يوم أن تفتحت عيناك على نور الدنيا، فلم تكن وأنت أمير طفل تترك فرصة لتُظهر فيها عطفك على بنيها واعتزازك بها إلا أظهرتها، وكنت دائما في كل مكان تشعر بأنك المصري الديمقراطي الأول، فكنت في كل مكان خير رمز لمصر وأحسن عنوان لها..
ولقد أخذ التفكير في مصر كل وقتك، وأخذت تعمل..
في عيد ميلادك تركت قصرك وعاصمة ملكك وذهبت إلى الصعيد لتزور جزءا من شعبك حلت به نكبة المرض، وقلت: إن أحسن احتفال بالعيد هو أن ترى هؤلاء البؤساء ويروك.
ومنذ أشهر قابلت الكولونيل بون رئيس جمعية الصليب الأحمر فكانت آخر كلماتك له:
ـ لا تدع أحدا يسيء إلى مصر..
وهكذا أخذت عليك مصر كل تفكيرك، لأنك تحبها، ومصر يا مولاي تحبك..
ولقد قال لي ذات مرة أحد كبار الأجانب، وهو المستر إيرل رئيس تحرير الإجبشيان جازيت ـ وكان في صحبة جلالتك إلى بورسعيد ـ قال إنه دهش لما رأى عشرات الألوف من الفلاحين ينتظرون الساعات الطويلة تحت وهج الشمس ينتظرون مرور الملك في قطاره.. وربما لم يروه وحتى لو أتيحت لهم هذه الفرصة فلن يدوم ذلك لأكثر من جزء من الثانية، ثم قال إنه يتساءل عن قوة العاطفة التي تدفعهم إلى ذلك، وقلت له:
ـ إنه الحب.
ـ وقال: ياله من حب قوي..
ولم يكن المستر إيرل هو أول أجنبي دهش لروعة مظاهر الحب بينك وبين شعبك،
وإنما كثيرون شاركوه هذه الدهشة، ولم يترك أحدهم فرصة للإعراب عن ذلك إلا أبداها..
وقد قال لي المسيو ليغول رئيس تحرير البورص: إن مصر محقة أن تحب مليكها كل هذا الحب فهو جنتلمان حقيقي..
وقال مراسل مجلة لايف إنه شاهد ملوكا ورؤساء كثيرين تستقبلهم شعوبهم، فلم ير أروع ولا أعظم من استقبال شعب مصر لمليكها..
وأذكر أنني سألت السناتور "ميد" -أحد الشيوخ الأمريكان الذين زاروا مصر منذ عدة أشهر.. وكان قد تشرف بمقابلة جلالتكم ظهر اليوم نفسه- عن رأيه فيكم، فقال: صدقني يا بني لقد رأيت ملوكا كثيرين قبل ملككم، وقابلت عظماء كثيرين قبل أن أقابله ولكني لم أجد من أحدهم هذا الحب لبلاده الذي يبدو واضحا خلال حديثه عنها كما هو الحال مع فاروق..
ولن أنسى أن أحد الضباط الأمريكان رآك يا مولاي في إحدى الحفلات فلم يملك نفسه وهتف "فليحفظ الله الملك".. وبعدها قال لي هذا الضابط إنه لم يكن يتصور أنه سيأتي عليه يوم يهتف لأحد الملوك وهو الذي ولد جمهوريا متعصبا، وقال لي:
ـ إنني لم أهتف حتى لروزفلت نفسه.. ولكن ملككم هذا رجل عظيم..
يا مولاي.. هذه ثمان سنوات، وأنت وهذا الشعب تتقاسمان السراء والضراء وتسيران في طريق الحياة بأزهارها وأشواكها، وستبقيان معا إلى الأبد، لأن هناك رباطا من الحب يوثق بينكما.. رباطا من الحب الخالد..
صورة ملك.. صورة شعب
يمان زيتوني
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد