قاسم حداد: الغرق في ذات الآخر
يعمل الشاعر البحراني قاسم حداد على مشروعه الشعري بصبر وأناة ومهارة، وهو في مجموعته الشعرية الجديدة «ثلاثون بحراً للغرق»(دار المتوسط- ميلانو)، يستمر في تأكيد اشتغاله على الجملة المفارقة التي تنطوي على غنائية خفيضة على خلفية تشكيلية لطالما كانت جزءاً من اشتغالاته الإيقاعية التي تمزج ما بين الصورة الشعرية واللون، وتالياً لن نجد مسافة واضحة بين ما هو إيقاعي، وما ينتسب إلى بلاغة قصيدة النثر«ليس فقط بوصفهما شكلين متخاصمين، بل كطريقتين في رؤية العالم والعثور على إيقاعه»، يحفل الخطابُ الشعري بعناقٍ بين الشكلين، وبانتقالٍ سلسٍ بين الشكلين من دون تقسيم (الضوء والظل مجدداً)
من هذا التراوح في الحقيقة، يتشكل الإيقاع الأشمل للكتاب أو «بحره» الخاص، بحره الهجين القادم من تزاوج الإيقاع الخارجي بنظيره الداخلي، بل إن هذا العناق يصل إلى حده الأقصى شكلانياً، كما في قصيدته «الكأسُ في الرأس» إذ يدير ظهره للتقطيع الشعري المتعارف عليه لقصيدة التفعيلة، مستعيراً الشكل الأكثر راديكالية في الصف الطباعي لقصيدة النثر، عندما تتصل السطور كأننا حيال نصٍ غير شعري: «تُرى كيف يُصبحُ هذا التراثُ الجميل اختلاجاً؟ نسيتَ/ تشهيتَ أن تكتب النخل في غفلةٍ/ هل نسيتَ؟/ لقد كنت تسأل عن صخرةٍ في الجبل/ نحتت ليلها في ذراعيكَ». العلاماتُ المائلة هنا من صُنع الشاعر، تعمل كفواصل أو وقفات إيقاعية عوضاً عن التقطيع، حيث يمكن رد السطور الشعرية إلى ترتيبها الأليف إذا ما استُبعدت.الذات الشاعرة في «ثلاثون بحراً للغرق» متنقِّلة وعابرة، تدعم ذلك أمكنة القصائد، ثمة الأمكنة الملتبسة نصياً بين وجودها الشعري ووجودها الحقيقي، أو ما تمكن تسميته الكتابة لا الإقامة.
تتنوعُ قصائد «ثلاثون بحراً للغرق» ما بينَ نصوصٍ نثريّةٍ، وقصائد حرّة، وما بينَ قصائد التفعيلة تحتفي بالآخر وحضوره في وجدان الشاعر، نصوص لا تختلفُ اللغةُ فيها، عن اللغة الرصينةِ الصلبةِ التي كتبَ فيها صاحب «يمشي مخفوراً بالوعول» معظمَ أعمالهِ الأدبية، التي فاق عددها الخمسة عشر.من مناخات المجموعة نقتطف المقطع الآتي:
«بُكَائي طَويلٌوأخْطاءُ قَلْبي قليلةْكُلُّ مَنْ غادرَ بَيْتَ الطُّفُولةِمُستَسْلِماً للرّحِيلانْتَهَى نَادِمَاًواستَعَادَ السّفيْنَةَفي زرْقةٍ مُستحيلةْلَيلي قَصِيرٌوقَلْبي عَلِيلٌولَكِنَّ أحْلامَ حُبّي طَويلَةْ».
تشرين
إضافة تعليق جديد