"معتدلو المعارضة" يبايعون.. وجميعهم دفعوا الجزية
لم تصمد كثيرا محاولات تصنيف الميليشيات المسلحة إلى معتدلة ومتطرفة، فسرعان ما ائتلفت تلك الفصائل جميعا للهجوم على حلب، بالاتجاه صوب فك الطوق الذي أحكمه الجيش ومحاولة استعادة التوازن التكتيكي في معارك الشمال.
الجميع تحت قيادة ميليشيا "جيش الفتح"، وبوضوح ظهرت الميليشيات التي كانت تزعم الاعتدال تبايع تلك التي لا تستطيع الحديث إلا بلكنة متطرفة، فمدت الأولى يدها تحت يد الثانية وانساقت بإمرة الهجوم الذي تغطيه بشكل عام جبهة النصرة أو "فتح الشام"، وهي التسمية الجديدة بعد نكسات الشمال، فيما تتولى قنوات إعلام دول خليجية التغطية دون تفرقة بين أي فصيل.
الغاية تبرر الوسيلة، لا ليست هي المرة الأولى التي تلجأ إلى هذه الطريق، ميليشيات المعارضة التي تستميت لنيل سمة الاعتدال، حاليا، ليس هذا هو المهم، بل ما ينبغي التركيز عليه بالنسبة لهم هو استعادة المناطق التي انتزعها الجيش العربي السوري منهم في حلب، والمهم أكثر هو عدم الوصول إلى نهاية المطاف بهذا الشكل، لأن ما يرعبهم هو مزيد من التقدم يزمع الجيش على إنجازه، ونزوح مخططات الولايات المتحدة جنوبا، ما يعني، أن انقطاع حبل مشيمة الدعم قد يكون وشيكاً.
المبايعة لجبهة النصرة أو "فتح الشام"، وكذلك "جيش الفتح" جاءت على عجالة بسبب الوقائع المتسارعة وشدة الوطيس، وسرعان ما انصهر مقاتلي حركة نور الدين زنكي "المعتدلة" بحسب المزاج الأمريكي، إضافة إلى مقاتلي ميليشيات أخرى، مع مقاتلي الفصائل المولودة من رحم تنظيم القاعدة، لتشكيل طوفان متفجر صوب طوق حلب، دون جدوى وتسجيل المزيد من حالات الانكسار وخسارة قيادات الصفوف الأولى، وعلى ما يبدو فإن البيعة السريعة هذه تدل بعدة طرق إلى أن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروع الحرب على سورية سيتم ولو بكشف جميع الأوراق ونزع جميع الأقنعة، لتبدأ مرحلة اللعب على المكشوف.
قبل أيام غير بعيدة كانت واشنطن تتحدث مع موسكو حول مكافحة داعش والتنظيمات المتطرفة عبر عمل مشترك، بعد التقدم في حلب أعلنت الولايات المتحدة بشكل غير مباشر بأنه تم الدوس على طرفها، ثم عادت لتغطي عملية مشتركة بين الميليشيات المسلحة تهدف إلى إعادة الأمور إلى سابقها ولو على جثة سياسة أمريكا التي تسعى بشكل حثيث لأن لا تتبنى تنظيمات متطرفة بشكل علني والإبقاء على ذلك في الكواليس.
وبعيدا عن مستجدات الميدان، فيبدو أن هذه الخطوة هي مستجد بحد ذاتها، صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي تنسق الميليشيات فيما بينها بشكل عالي المستوى، لكن في هذه المرة فإن الرهان الأمريكي في ذروته قبل أن لا تجد مكانا غير الجنوب لتحاول أن تعيد فيه نفوذها، ومن جانب آخر بدأت تحارب بنعومة، كل النيات بإجراء عمل مشترك مع روسيا فيما يخص مكافحة الإرهاب.
واشنطن ميدانيا تراهن حتى على أولئك الذين كانت قبل أيام تحاول التبرؤ منهم، وسياسيا، تضغط على موسكو بعبارات عن الثقة والسياسة في سورية، الأمر الذي دفع بسيرغي ريابكوف نائب وزير خارجية موسكو للإعلان عن أن أميركا لا تتصرف كشريك، وبين هذا وذاك، يبدو أن الميليشيات المسلحة التي تذهب محاولاتها للهجوم سدى، تدفع الجزية من كيس مقدراتها القتالية واللوجستية، مؤشرات عن أن الميليشيات انتهت صلاحيتها في حال لم تستطع توطيد وجودها في الشمال مجددا، وأن رأس التحالف الدولي في الحرب على سورية، واشنطن، تتجه للتعصب والتشدد دون حذر.
إيفين دوبا: وكالات
إضافة تعليق جديد