360 ألف برميل نفط انتاج سوريا اليومي
يدفع خطر نضوب أو شح النفط, وما يمثله من خطر على مستقبل البشرية والطاقة حول العالم, مراكز الأبحاث والدراسات للبحث في اتجاهين:
تأمين طاقة أو طاقات بديلة للنفط, ثم الاهتمام بتأمين البدائل الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية والفنية, وهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام التفكير الجدي بالطاقات المتجددة كالهيدروجين والشمس والرياح والغاز والحرارة المنبعثة من جوف الأرض, وقد تم تسجيل العديد من النجاحات في هذا الجانب..
في سورية تكتسب سياسة البحث عن بدائل للنفط أهمية خاصة انطلاقاً من اعتبارين مهمين:
الأول: تراجع مؤشرات إنتاج النفط, حيث هبط الإنتاج حسب معطيات وزارة النفط من 600 ألف برميل عام 2000 م إلى 360 ألف يرميل عام ,2006 الأمر الذي جعل مستورداتنا من هذه المادة الاستراتيجية أعلى من صادراتنا.
والثاني: ارتفاع وتيرة الأصوات المطالبة بإحلال الغاز محل المحروقات النفطية في السيارات العامة والخاصة, ولقد جاءت تجربة وزارة النقل باستيراد 1200 باص تعمل على الغاز ترجمة عملية لهذا التوجه, الذي سيساهم بشكل أو بآخر في رسم ملامح استهلاك الطاقة لدينا مستقبلاً..
- في الوقت الذي لا يستطيع أحد أن يجزم أن النفط السوري سينضب في تاريخ محدد, فإن أحداً لا ينكر أن هناك تناقصاً حاداً في الإنتاج كما الاكتشافات لحقول جديدة, وهذا يستدعي حسب بعض الخبراء والباحثين التعامل مع الثروة النفطية كثروة ناضبة عاجلاً أم آجلاً, لأن هذا التفكير من شأنه أن يجعلنا أكثر حذراً في اعتماد بدائل استراتيجية وبشكل مدروس, دون أن يلغي لمسة تفاؤل معززة باحتمال تحقيق اكتشافات نفطية جديدة في أي وقت, ولا سيما أن 60% من الأراضي السورية لم يتم التنقيب فيها حتى الآن.
عالمياً تبدو أسعار برميل النفط مرشحة إلى تصاعد, فهو لن يقف عند حدود السبعين أو الثمانين دولاراً, بل من المتوقع أن يستمر بصعود دراماتيكي ليتجاوز معه حدود المئة دولار.. وهذا بدوره سيضاعف الفاتورة الوطنية من النفط لأن سورية ستصبح -حسب رأي للدكتور مطانيوس حبيب وزير النفط الأسبق, نشر على أحد المواقع الالكترونية- مستورداً صافياً للنفط عام 2008 م, معتبراً أنها ستواجه مشكلة حقيقية في استهلاك النفط عام 2012 م, وستحتاج حينها إلى سبعة آلاف برميل يومياً, ما يتطلب تأمين ملياري دولار لتمويل مستورداتنا من النفط.
بيد أن مصادر وزارة النفط تبدو أكثر ميلاً لتبني فكرة التفاؤل الحذر استناداً إلى مقولات أن الأراضي السورية مازالت واعدة بالإمكانات النفطية والغازية, إذ تعمل الآن ست شركات في الحفر والتنقيب عن النفط, كما أن ست أخريات ستبدأ الحفر مطلع العام القادم 2007 م, وأن ثمة مسوحات بينت احتمال وجود النفط في المياه الإقليمية السورية, كما أن جزءاً كبيراً من النفط يستنزف كطاقة تستخدم في عمليات الإنتاج, نظراً لرخص سعره مقابل الكثير من المصادر الأخرى وخصوصاً مادة المازوت.
- يعتبر الدكتور إنطانيوس عقل باحثا ومهتما في مجال الطاقة, أن المستقبل في سورية سيكون للتفكير الجدي في استغلال الطاقات المتجددة كطاقة الشمس والرياح وجوف الأرض وغيرها..إذ ما زالت هذه الطاقات لا تلقى الاهتمام الكافي كطاقات يعول عليها في المستقبل, ولا سيما أن المصادر الأولية لهذه الطاقات متوافرة لدينا بقوة, فالشمس ساطعة على منطقتنا طوال 360 يوماً في السنة, كما أن لدينا طاقة ريحية هائلة وإذا استغل كمونها الريحي بنسبة 30% فقط, فسيعطينا طاقة أضعاف طاقة الكهرباء لدينا حالياً.
كما يشير عقل إلى إمكانية استخدام الهيدروجين كطاقة, فهو يمثل ثقلاً نوعياً في مراكز البحث عن الطاقة حول العالم, كما أنه يصنف ضمن الطاقات النظيفة المتوافرة في كل مكان, إذ يتم الحصول عليه من المياه, ولكن ما يؤخذ عليه حتى الآن هو ارتفاع تكاليف الحصول عليه, وقد بدأت شركات السيارات الكبيرة تطوير أبحاث ودراسات في هذا الجانب, إذ تمكنت شركة (مرسيدس بنز) من صناعة سيارة تعمل بالهيدروجين عبر الخلية الوقودية.
- يعتقد الدكتور طاهر قدار, خبير في الطاقات المتجددة أن هذه الطاقات هي الخيار الأكثر كفاءة والأقل تكلفة في المستقبل مشيراً إلى أهمية الطاقة الشمسية كبديل مهم من بدائل النفط, ويشير قدار إلى أن أول براءة اختراع في هذه الطاقة سجلت في بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية قبل عدة عقود لمخترع لبناني هو حسن كامل الصباح الذي حاز إلى جانب هذا الاختراع على 67 براءة اختراع.. وقد بعث الصباح برسالة إلى وطنه قبل 48 ساعة من وفاته عام 1932 يقول فيها: (إنني توصلت إلى اختراع من شأنه أن يحول الصحراء العربية إلى جنة عامرة).
كما أن هناك العديد من الاختراعات التي أضافت بعداً جديداً لحقل الطاقات المتجددة والبديلة, إذ اخترع المهندس السوري ابراهيم الجبر سيارة تعمل بعدة طاقات وقد حاز على جائزة معرض الباسل عام 2000 م.
- عند الحديث عن الطاقة المستخدمة في وسائل النقل لابد من مراعاة جانب مهم جداً ألا وهو البعد البيئي للطاقة, من هنا فإن البحوث تنصب على إيجاد بدائل نظيفة بدلاً من النفط الذي يلوث بالكربون مراكز المدن والتجمعات السكانية الكبيرة.
وحيث إن وزارة النقل أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تطبيق تجربة الباصات الإيرانية التي تعمل على الغاز بدمشق, فقد سألنا الدكتور موسى الشعار معاون وزير النقل, عن رأيه في بدائل النفط فقال: اطلعت على تقرير كلود مانديل, المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية, لعام 2006 م حول بدائل الطاقة حتى عام 2050م, وهو يرى أن البدائل الأخرى جميعاً لن تشكل في المستقبل القريب بديلاً مهماً..
ويضيف الشعار: لكن ذلك لا يعني عدم التفكير في بدائل أخرى كالسيارة (الهجينة) مثلاً, وهي تعمل بمحركين على الأقل, يكون المحرك الأول بنزين يقوم بشحن بطارية والبطارية تشغل محركاً كهربائياً, ولكن مشكلة هذه السيارة هو ارتفاع سعرها.
ويتابع الشعار: وإلى جانب الغاز هناك أيضاً طاقة الخلية الوقودية, أي محرك الهيدروجين, وإن كان استخدام هذا النوع من الطاقة ما زال محصوراً في مركبات الفضاء والاستخدام العسكري, ولكنه قابل أن يتطور ليصبح بديلاً لمحرك الانفجار الداخلي, كما تتجه الأبحاث نحو استخدام الوقود النباتي (الايتانول) أو ما يسمى بالديزل الحيوي أي مشتق من النباتات أو الأخشاب..
وحول إمكانية استخدام الغاز في السيارات الخاصة والعامة يقول الشعار: بداية لابد من الإشارة إلى أن السيارات التي تعمل على الغاز حالياً في سورية بشكل مخالف وتستخدم الغاز المنزلي (بوتان - بروبان) بدلاً من الغاز الطبيعي (ميتان), وهذه مشكلة لأن الغاز المنزلي مدعوم من قبل الحكومة وإنتاجه أكثر تكلفة بسبب عمليات التكرير.
وقد كانت أولويات الحكومة فيما مضى بأن يكون الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء فقط, ولكنني أعتقد أن تغيراً ما حدث باتجاه استخدام الغاز في السيارات, وهناك رؤية لتأسيس شركة مشتركة بين الشركة السورية للغاز وشريك أجنبي متخصص في هذه التقانة لجعل هذا الأمر قابلاً للتطبيق العملي.
- ويجزم الدكتور مطانيوس حبيب أن استعمال الغاز كوقود للسيارات يمثل بديلاً مهماً للنفط, كما أنه أقل تكلفة منه, فتكلفة الوحدة الحرارية من الغاز تعادل نصف تكلفة الوحدة الحرارية من النفط حتى لو اقتضى الأمر استيراد
الغاز مقابل توفير النفط للتصدير والحصول على قطع أجنبي. ويضيف حبيب: إن الغاز يفرض نفسه خياراً قوياً في مرحلة ما بعد النفط, ويفضل أن نفكر جدياً في استيراد السيارات التي تعمل على الغاز, وهناك بعض الدول في أميركا اللاتينية استخدمت الكحول في السيارات, وهذا يعني أننا لا يجب أن نقف عند حد في استكشاف طاقات جديدة باستمرار, والعالم يسعى دوماً في هذا الاتجاه, وسوف لن يدخر أي جهد للاستفادة من ذلك.
- بالإضافة للطاقات المتجددة يمكن اعتبار الثروة المعدنية بديلاً من بدائل الطاقة, إذ يرى الدكتور مروان الشرع, معاون وزير النفط للثروة المعدنية, أننا نستطيع الاعتماد في المستقبل على العديد من خيارات وبدائل الطاقة سواء في جانب البديل المباشر للطاقة كطاقة الشمس والريح والحرارة والهيدروجين, أم في جانب البديل الاقتصادي الذي يعطي البلد قطعاً أجنبياً مهماً, وهنا يمكن الإشارة إلى الثروة المعدنية لدينا والمتمثلة في السجيل الزيتي والزيوليت والرمال الكوارتزية والجص والرخام والفوسفات والملح الصخري.
ويضيف الشرع إن الطاقات البديلة في مجملها لا تشكل أكثر من 10% من إجمالي الطاقات المستخدمة عالمياً, أما في سورية فلا تتجاوز 3%, ومن المهم التأكيد على أن هناك طاقة تصلح للاستخدام المنزلي كطاقة الشمس, بينما هناك طاقات أخرى تصلح للاستخدام الصناعي كطاقة جوف الأرض والهيدروجين وغيرها..
- المهندس ابراهيم الجبر اخترع قبل سنوات سيارة تعمل بأكثر من طاقة ونال عليها جائزة والكثير من التقدير والثناء, ولكنه أصيب فيما بعد بشيء من الإحباط لأن اختراعه لم يصل إلى المرحلة التي يصبح فيها منتجاً ملموساً يخدم الصناعة السورية كما حلم بذلك دائماً.. ويلخص الجبر تجربته بأن العبرة لا تكمن في وجود هذه الطاقة أو تلك, بل في إمكانية استغلال هذه الطاقة عملياً, وحتى عندما ينضب النفط فإن سورية ملأى بالطاقات الإبداعية والأفكار الخلاقة, ولكن مطلوب ترجمة ذلك على أرض الواقع عبر وجود جهة تتبنى تحويل الاختراعات والأفكار إلى منتجات على أرض الواقع..
يبقى أن نؤكد على أهمية التفكير بشكل جاد ومتأن في مسألة الطاقة البديلة, خصوصاً وأن هذا الأمر أصبح محل اهتمام عالمي كبير, وبدأت العديد من الدول تعتمد ولو جزئياً على إحدى الطاقات المتجددة, كما بدأت بعض شركات السيارات الكبرى في العالم تنتج سيارات لا تعتمد على النفط كوقود رئيسي, ومؤخراً أنتجب شركة (BMW) سيارة تعمل بالهيدروجين وأطلقت عليها (هيدروجين 7), وقد أكد القائمون عليها أنها ستكون سيارة المستقبل, وفي هذا ما فيه من الدلالة على التوجه نحو مصادر وطاقات بديلة للنفط, فأين نحن من هذا كله؟!!.
أحمد العمار
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد